هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "الحادثة التي وقعت فجر أمس في جنين لا ترتبط بصورة مباشرة بالادعاءات التي سمعت مؤخراً عن يد خفيفة جداً على الزناد، التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. في هذه الحالة، الثانية من نوعها خلال أسبوعين، ووجهت قوة مستعربين بنار كثيفة من جانب فلسطينيين أثناء عملها في مخيم اللاجئين في المدينة. تعكس هذه الحادثة بالأساس محاولات الانتظام المحلية لجبي ثمن عن كل نشاط في جنين، وتعكس أيضاً خوف السلطة الفلسطينية من المواجهة معها. إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على “سديروت” في ظهيرة أمس يمكن أن يكون انتقاماً فلسطينياً، لكنه مرتبط كما يبدو أيضاً مع الظروف الداخلية في القطاع، وبالأساس تأخر وصول الأموال القطرية.
الجنود الذين عملوا في المخيم هم من وحدة المستعربين التابعة لحرس الحدود، وهي قوة مدربة ولها تجربة في نشاطات كهذه، التي على الأغلب لا تميل إلى التورط. كانت معظم الأحداث الصعبة في الفترة الأخيرة متعلقة بوحدات مدربة أقل في الجيش الإسرائيلي، النظامي أو الاحتياط، الذين أطلقوا النار دون حاجة إلى ذلك أو إلى عدم الحذر، في أحداث كان يشارك فيها مدنيون. في هذه المرة، جاء المستعربون إلى المخيم لاعتقال مطلوب، وهو سجين أمني سابق له علاقة -حسب الاشتباه- مع حماس والجهاد الإسلامي. هذا الشخص متهم بأن كانت له علاقة مع نشطاء حماس في القطاع لتنفيذ عمليات داخل الخط الأخضر بتوجيه منهم.
الاعتقال نفسه مر بدون أي مقاومة، ولكن عندما بدأ جنود حرس الحدود بالاستعداد للخروج من المخيم ووجهوا بنار كثيفة. أفلام قصيرة صورها فلسطينيون وثقت مسلحين وهم يطلقون النار على القوة بواسطة مسدسات وبنادق. وحسب الجيش، جزء من النار تضمن نار قناصة. حرس الحدود قتلوا برصاصهم أربعة فلسطينيين وأصابوا ثلاثة، ولم تكن في الطرف الإسرائيلي أي إصابات. في صور لقتيلين، نشرت صباح أمس، ظهرا وهما يحملان بنادق ام16 تم تركيب أجهزة عليها لتحسين الإصابة. ويبدو أنهما عضوان في تنظيمات مسلحة وليسا مدنيين أبرياء وجدوا بالصدفة في المكان.
في حادثة مشابهة حدثت مع قوة خاصة للشرطة في جنين في 3 آب الحالي، أصيب ستة فلسطينيين، توفي أحدهم متأثراً بجروحه قبل بضعة أيام. وفي تلك الحادثة أيضاً، أطلقت نار كثيفة على القوات الإسرائيلية. وحسب الجيش الإسرائيلي، فإن التنظيمات المختلفة في المخيم لا تستند إلى هرمية منظمة وعلاقة أيديولوجية. وهذه التنظيمات تضم نشطاء مسلحين من تيارات مختلفة. انتشرت ظواهر مشابهة في مخيم جنين للاجئين في السابق، في الانتفاضة الثانية وبعدها.
جرت مرات كثيرة محاولات للدفاع عن المخيم وصد الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية، وحتى من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية. خلال فترات طويلة، لم تتجرأ السلطة على إرسال رجال شرطة مسلحين للعمل داخل المخيم خوفاً من الإضرار بهم. اشتد الوضع في جنين مؤخراً، ومن الأرجح أن الأمر يعكس استمرار ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية في شمال الضفة.
بشكل استثنائي، أخذ رجال حرس الحدود معهم جثتين من جثث الفلسطينيين الذين قتلوا، ومن غير الواضح حتى الآن إذا ما كان هذا القرار نابعاً من تجربة إسرائيلية لجمع “أوراق مساومة” في التفاوض حول الأسرى والمفقودين في قطاع غزة أو إذا كان الأمر يتعلق بمبادرة محلية. على أي حال، ومثلما تبين في السابق، فإن جمع جثث مسلحين من الضفة وحتى من القطاع، لم يساعد في أي حال من الأحوال في المفاوضات مع حماس في القطاع.
بعد الحادثة، تم الإعلان عن إضراب شامل في جنين، وأعلن الجهاد الإسلامي الذي هدد بالانتقام من إسرائيل على موت القتلى، بأن دماءهم لن تذهب هدراً. مع ذلك، يميز الفلسطينيون بين مسلحين قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي (نشاطهم هو أيضاً نتيجة الفوضى التي يفرضونها على الأرض) وبين شباب وأولاد قتلوا نتيجة استخدام القوة الزائدة من قبل إسرائيل.
في الأسبوع الماضي، نشرت “هآرتس” عن طلب رئيس الأركان افيف كوخافي، من القادة الذين يعملون في الضفة، اتباع المزيد من ضبط النفس في استخدام القوة لمنع قتل فلسطينيين غير مشاركين في الإرهاب، الذي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد والعنف. بشكل عام، المستوى السياسي وحتى العسكري الأعلى، لا يتدخل في المصادقة على نشاطات عملياتية في مناطق “أ” التابعة للسلطة، وهو يترك القرارات لتقديرات قيادة المنطقة الوسطى وفرقة يهودا والسامرة. ربما يشير ازدياد الأحداث الأخيرة، خصوصاً داخل جنين، إلى الحاجة إلى تدخل أكبر من قبل رئيس الأركان في المصادقة على هذه النشاطات وفحص مدى أهميتها العملياتية.
الصورة الأمنية في الضفة غير هادئة تماماً. وهناك زيادة واضحة في عدد الأحداث العنيفة التي يتركز جزء كبير منها على احتجاج الفلسطينيين المتواصل ضد إقامة البؤرة الاستيطانية “أفيتار” في جنوب نابلس. هذه البؤرة في الواقع أخليت من سكانها الشهر الماضي في أعقاب اتفاق حل وسط بين المستوطنين والحكومة، ولكن البيوت بقيت قائمة في مكانها وتم منع وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم المجاورة.
في الوقت نفسه، ظهرت هناك حساسية متزايدة في القطاع. اليوم تم الإبلاغ عن اختراق في الاتصالات بين قطر والأمم المتحدة حول العثور على طريقة جديدة لنقل أموال قطر إلى غزة، وفقاً لطلب من إسرائيل. منذ انتهاء عملية حارس الأسوار قبل ثلاثة أشهر، والأموال القطرية عالقة. وتأخير نقلها إلى القطاع يزيد احتمالات تصعيد جديد على أعمال العنف. في الساعة الواحدة والنصف ظهراً تم إطلاق قذائف من القطاع على “سديروت”، تم اعتراض أحدها من قبل القبة الحديدية، وسقطت الأخرى في أراضي القطاع. الإطلاق الذي جرى في الفترة الأخيرة قد يكون مرتبطاً بحادثة جنين، لكنه قد يعكس أيضاً خيبة أمل الفلسطينيين من جمود في نقل الأموال.