الحزب في مفترق طرق... جيوبوليتيكال فيتشرز: حزب الله يواجه ساعة الحقيقة

الإثنين 16 أغسطس 2021 04:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحزب في مفترق طرق... جيوبوليتيكال فيتشرز: حزب الله يواجه ساعة الحقيقة



بيروت /سما/

تحت عنوان “حزب الله يواجه ساعة الحقيقة”، كتب الباحث في هلال خاشان تحليلا في نشر في موقع مركز “جيوبوليتيكال فيتشرز” الأمريكي تناول فيها التحديات التي يواجها “حزب الله” اللبناني مع الانهيار الاقتصادي التي تعرفها البلاد.

ويتعرض لبنان لأسوأ أزمة اقتصادية منذ تأسيسه، حيث انهارت الليرة اللبنانية، واستُنفدت احتياطيات الدولار في البنك المركزي، ويتصاعد التضخم، كما تشكل نسبة السكان الذين يعيشون في فقر الآن 80%، فيما يتسبب لـ”حزب الله” في معضلة سياسية حرجة.

وبحسب الباحث يتجاوز معدل الفقر بين الشيعة البلاد ككل، كما تم استنفاد موارد “حزب الله” الخاصة بشدة بسبب العقوبات الأمريكية والقيود المالية على داعمه الأجنبي الرئيسي إيران، وهو ما قوّض قدرة الحزب الشيعي الأكبر في البلاد، على رعاية الشيعة الفقراء مع تفاقم الأزمة.

وهكذا، فإن “حزب الله” في مفترق طرق، ما يؤكد الكاتب، في وقت تتصاعد فيه مخاوف قاعدة مؤيديه التقليدية من ولائه لطهران، لا سيما بالنظر إلى عدم قدرتها على حل الأزمة الاقتصادية.

كما يتساءل أتباعه أيضا بشأن تحالفه مع “التيار الوطني الحر”، وهو الحزب المتهم من الكثيرين بالعرقلة العامدة لنهاية الجمود السياسي في البلاد، ومع ارتفاع التوتر الاجتماعي في البلاد، بدأ الشيعة في التعبير عن معارضتهم للحركة وقائدها “حسن نصرالله”.

ويشير الباحث أنه في 2006، وقع “حزب الله” مذكرة تفاهم مع “التيار الوطني الحر”، وهو حزب سياسي مسيحي بقيادة “ميشال عون”، حيث أراد “عون” دعم “حزب الله” في تحقيق طموحه ليصبح رئيسا، وفي المقابل، سيساعد هو الحركة على دخول المجال السياسي، وبعد عقد من ذلك، أصبح “عون” رئيسا، بينما غدا “حزب الله” ممثل لبنان السياسي المهيمن.

ومع ذلك، ففي عام 2020، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “جبران باسيل” (صهر عون وقيادي التيار الوطني الحر) بموجب قانون ماجنيتسكي بتهم فساد، لكن “باسيل”، الذي لديه تطلعات بالرئاسة، يعتقد أن العقوبات كانت في الواقع نتيجة لتحالفه مع “حزب الله”.

لا يوجد قواسم مشتركة كثيرة بين “حزب الله” و”التيار الوطني”، إذ إن “عون” و”باسيل” مؤيدان شرسان للقومية المسيحية اللبنانية، بينما يدعم “نصر الله” المثل العليا للثورة الإسلامية الإيرانية ومرشدها الأعلى “علي خامنئي”، وبالتالي لا تعدو المعاهدة بين الطرفين كونها مجرد مقايضة.

يرفض “باسيل” وجود أسلحة خارج الجيش اللبناني ويعتقد أن الجناح العسكري لـ”حزب الله” سيتعين تفكيكه في نهاية المطاف، وهو يفتقر إلى الثقة في المجموعة، المتحالفة أيضا مع حركة “أمل”، وهي منافسة شيعية لـ”التيار الوطني”.

وتسببت العقوبات وتأثيرها على مسيرته السياسية، في دفع “باسيل” إلى انتقاد “حزب الله” علنا، وفي الوقت نفسه، ينمو غضب الشعب اللبناني أيضا من تصرفات “حزب الله”.

يخزن “حزب الله” معداته العسكرية في جميع أنحاء البلاد، حتى في المناطق السكنية،  حتى إنه خزن بعض الذخائر لدى السكان المدنيين في منطقة من جنوب لبنان تراقبها قوة مؤقتة تابعة للأمم المتحدة في لبنان، وهي منطقة ليس من المفترض أن يتواجد فيها “حزب الله”.

كما إن انتهاك الحزب لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2006 يؤدي أحيانا إلى مناوشات مع قوات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة.

في الأسبوع الماضي، أطلق “حزب الله” عشرات صواريخ الكاتيوشا من قرية درزية على مزارع شبعا، وعندما استولى القرويون على قاذفة الصواريخ وأعتقلوا طاقمها، أعاد الجيش اللبناني القاذفة للحزب وأفرج عن رجاله، بينما قدمت وزارة الشؤون الخارجية شكوى للأمم المتحدة ضد إسرائيل.

وبرر “نصر الله” الهجوم، قائلا إن مدى الكاتيوشا لا يمكنها من الوصول إلى مزارع شبعا من القرى الشيعية، لكن الحادث غير المسبوق كسر الخوف من تحدي استخدام “حزب الله” للمدنيين كدروع بشرية ومن المرجح أن يثير رد فعل عنيف من القرويين الشيعة الخائفين من عواقب استفزاز إسرائيل.

ولو لم يقم القرويون الدروز بإلقاء القبض على رجال “حزب الله” الذين أطلقوا الصواريخ، لكان قد ألقى بالمسؤولية على المسلحين الفلسطينيين أو منظمة سرية ما، مثلما سبق أن فعل في العديد من المناسبات.

في عام 2006، أطلق “حزب الله” مجموعة صواريخ على شمال إسرائيل من قرية سنية، مما حفز ضربة انتقامية إسرائيلية أسفرت عن مقتل 23 قروي، وبعد الهجمات، علق ناشطو “حزب الله” بوسترات “نصر الله” على جدران القرية، مما أثار اشتباكات بين السكان.

كما تم إلقاء المسؤولية على “حزب الله” في انفجار ميناء بيروت المدمر العام الماضي، والذي قتل 217 شخصا، ودمر مساحات كبيرة من المدينة وشرد حوالي 300 ألفًا من السكان.

بحسب الكاتب فقد خزن الحزب بشكل غير آمن آلاف الأطنان من نيترات الأمونيوم ليستخدمها النظام السوري في مستودع بالقرب من الأحياء السكنية المكتظة بالسكان.

لكن رغم مضي عام على التحقيق، لم تحقق القضية أي نتيجة لأن “حزب الله” منع القاضي المشرف على القضية من إلغاء حصانة السياسيين وأعضاء مجلس الوزراء والنواب البرلمانيين الذين عرفوا عن الشحنة المتفجرة في الميناء، حتى إن “نصرالله” أشار إلى أن إسرائيل قد تكون وراء الانفجار، مؤكدًا أن الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل يحاولون دائما إلقاء المسؤولية على “حزب الله” في أي مشكلة في لبنان.

ويشير الباحث أن “نصرالله” أصبح يقوم ببيانات غاضبة على نحو متزايد، وفي خطاب ألقاه قبل 5 سنوات، وصف السنّة بأنهم عملاء  كما وصف حكام الخليج بأنهم غير أكفاء وكسولين، قبل أن يتراجع عن تعليقاته.

وفي عام 2017، بعد أن اعترف الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” بالقدس كعاصمة لإسرائيل، قال “نصرالله” إن القرار سيؤدي إلى زوال إسرائيل، كما قال إن كل من هزم “الدولة الإسلامية” في سوريا و”جبهة النصرة” يمكن أن يهزم بسهولة الجيش الإسرائيلي.

وأدى تدخل “حزب الله” العسكري في سوريا، لدعم قتال “بشار الأسد” ضد المتمردين السنة، للضغط على علاقات الشيعة اللبنانيين مع دول الخليج، فيما أسفر عن فرض قيود على السفر على الشيعة اللبنانيين، وفقد الكثير منهم وظائف أو فرص البحث عن عمل في سوق العمل المربح في الخليج.

ويقول “حزب الله” إنه فقد ألفي مقاتل في الحرب السورية، لكن المراقبين يعتقدون أن العدد الفعلي أعلى بكثير. كما يجادل مسؤولو الحزب بأن تدخله منع الجماعات السنية الراديكالية من التسلل إلى لبنان، وهي الحجة التي كانت ناجحة حتى اندلعت الأزمة المالية في البلاد في عام 2019.

ويحاول “حزب الله” بشدة احتواء الغضب والإحباط لدى قاعدته الشيعية، عبر إصدار بطاقات حصص الطعام الرقمية على سبيل المثال، والتي تقدم للبنانيين المحتاجين خصمًا بنسبة 40% على أسعار السوق، ولكن بالنظر إلى التكلفة المرتفعة للسلع الأساسية، فإن البطاقات لها قيمة محدودة.

كما يقوم الحزب بتخزين الأدوية المستوردة من إيران وإمدادات الوقود المتواضعة للحفاظ على عمل المرافق الحيوية (على عكس ادعاءات نصر الله، لا يستطيع حزب الله الحصول على وقود من إيران بسبب تحذير إسرائيل من أنها ستمنع وصول الوقود إلى لبنان عبر شاحنات أو سفن عبر العراق وسوريا.)

وعلى العكس من ادعاءات “حزب الله”، فإنه غير مهتم بمحاربة الفساد، حيث يريد تجنب إضعاف تحالفه الاستراتيجي مع حركة “أمل”، الذي يعد زعيمه مستفيدا أساسيا من النظام السياسي الطائفي في لبنان.

لكن إحباط الشيعة يزداد إزاء خطابات “حزب الله” الفارغة بشأن الفساد، فضلا عن ادعائه بأنه في طليعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إلا إن الحزب لا يتسامح مع أي انتقاد موجه له.

فقد اعتقل مسلحوه وعذبوا العديد من الشباب الشيعة الذين شاركوا في الاحتجاجات وأجبروهم على سحب انتقاداتهم لـ”حزب الله” و”نصر الله”، وبحلول عام 2020، كبت الحزب معظم الاحتجاجات، إلا إن الغضب من الوضع الاقتصادي لا يزال مستمرًا.

يقوّض الانهيار الاقتصادي في لبنان شرعية “حزب الله” الشعبية بسرعة، فيما لا يرغب “نصر الله” في المساعدة في حل الانسداد السياسي، خوفا من أن يثير ذلك أسئلة حول الجناح العسكري لـ”حزب الله” وارتباطه الأيديولوجي مع إيران.

ونظرا لأن مستوى الفقر يزداد دون نهاية في الأفق، فإن احتمال الصراع الأهلي يتصاعد أيضا، وأصبحت مظاهره المبكرة واضحة.

ويختم الكاتب تحليله بأنه لم تعد تصريحات “نصر الله” المناهضة لإسرائيل تؤثر في الشيعة الفقراء الذين يكافحون من أجل إيجاد سبل العيش، مثل اللبنانيين الآخرين، ومع ذلك فإن الحزب يتمسك بأيديولوجيته بصلابة تمنعه من التحول إلى حزب سياسي حقيقي يقبل مفهوم الدولة المدنية.