نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للخبيرة الاستراتيجية داليا شيندلين، قالت فيه إنه بعد الكشف غير العادي عن استخدام نظام بيغاسوس للمراقبة الإلكترونية من إنتاج مجموعة "أن أس أو" الإسرائيلية لاستهداف المعارضين السياسيين وناشطي حقوق الإنسان والصحفيين والسياسيين في جميع أنحاء العالم، ينبغي على إسرائيل أن تطرح على نفسها بعض الأسئلة.
وعددت الصحيفة تساؤلات قائلة: "هل يوجد جانب مظلم لصناعة التكنولوجيا المتقدمة؟ هل تتحمل الجهات الفاعلة المشاركة في تصدير منتجات المراقبة المربحة -بما في ذلك وزارة الجيش، التي يجب أن توافق على مثل هذه المبيعات، أو ربما المستويات العليا للحكومة السابقة- المسؤولية؟".
وفي حين أن كبار المسؤولين الإسرائيليين يأخذون ما تم الكشف عنه على محمل الجد، يبدو أن الإسرائيليين لا يشعرون بالخزي ولا الصدمة؛ ففي اليوم الذي تلا انتشار قصة "أن أس أو"، كان هناك إعلان من شركة أخرى طغى على الحديث قضية الاستخدام المارق لبرامج التجسس والمراقبة، فقد أعلنت شركة Ben & Jerry’s أنها ستتوقف عن بيع منتجاتها في "الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وبحلول منتصف الأسبوع، كان على الشخص أن يحدق جيدا في وسائل الإعلام الإسرائيلية للعثور على "أن أس أو" ، حيث كان خبر شركة الآيس كريم يتصدر عناوين الصحف. وجاء اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان، وتخريب حرية الصحافة، ومراقبة المعارضة السياسية، والصلات المحتملة بالقتل المروع لجمال خاشقجي، في المرتبة الثانية، في حين أن احتجاجا سياسيا سلميا من قبل شركة خاصة واحدة، من المقرر أن يبدأ بعد عام ونصف من الآن. (عندما تنتهي صفقة ترخيص Ben & Jerry’s)، طغى على كل شيء.
وفّرت حُمّى الآيس كريم التي تلت ذلك نظرة ثاقبة للأولويات العامة لإسرائيل. قامت أورنا باربيفاي، وزيرة الاقتصاد الإسرائيلي، بتصوير مقطع فيديو لها وهي تلقي بعلب الآيس كريم من إنتاج Ben & Jerry’s في سلة المهملات، بينما كتب رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو تغريدة تدعم مقاطعة مضادة. ووصف وزير الخارجية ورئيس الوزراء القادم يائير لابيد تحرك Ben & Jerry’s بأنه "استسلام مخجل لمعاداة السامية"، وسارع مراسل القناة الـ13 في أمريكا إلى ولاية فيرمونت مقر الشركة لتغطية التطورات العاجلة، ووصفها الرئيس الإسرائيلي بأنها "نوع جديد من الإرهاب".
الدعوة لإلقاء علب الآيس كريم من صنع الشركة هددت بشكل خطير مصنع الامتياز الإسرائيلي المحلي الذي ينتجها، ويعمل فيه 160 عاملا. وطالب صاحب المصنع الإسرائيليين بعدم مقاطعة منتجاته، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور أشخاص يعرضون مشتريات كبيرة من Ben & Jerry's، بشكل مربك، إما لدعم احتجاج الشركة المناهض للاحتلال، أو لدعم المصنع الإسرائيلي. كما أشارت التقارير إلى أن شركة Ben & Jerry's Israel شهدت زيادة بنسبة 21% في مبيعات الآيس كريم.
لماذا أغرقت شركة Ben & Jerry's شركة NSO؟.. يجب القول إن إسرائيل ستبقى على قيد الحياة حتى لو اضطر جميع المستوطنين الإسرائيليين، البالغ عددهم 440 ألفا في الضفة الغربية، إلى عبور الخط الأخضر قبل عام 1967 إذا لم يكن هناك مثلجات أخرى تعوض منتج تلك الشركة.
وفي الواقع، لم تؤثر أي محاولة للمقاطعة أو سحب الاستثمارات أو فرض عقوبات على الاقتصاد الإسرائيلي القوي بشكل عام. وبهذا المعنى، فإن إسرائيل ليست حقا جنوب أفريقيا، ولم تعان شيئا مثل نفس العزلة الاقتصادية والثقافية التي ساعدت في إسقاط النظام القمعي في ذلك البلد.
بدلا من ذلك، فإن إصابة الآيس كريم هي بكل بساطة رمزية بحتة وقوية؛ فيعتقد الإسرائيليون أن Ben & Jerry's تهاجم الضحية: إسرائيل واليهود. وفقا لهذه السردية، تم التلاعب بالشركة، وغسل دماغها من قبل عصابة من الكارهين الذين لا يتوقفون عند حد، وأن مقاطعة الاستيطان تستهدف كل إسرائيل، وتنتهي بتدميرها.
على النقيض من ذلك، فإن عدم وجود حوار حول "NSO"، باستثناء القليل من الأعمدة الناقدة، هو أمر رمزي أيضا. يدرك الإسرائيليون جيدا أن التكنولوجيا المتطورة هي محرك هائل لاقتصادها. في عام 2019، استحوذت الصناعة على ما يقرب من نصف جميع صادرات البلاد، وتوظف ما يقرب من 10% من القوى العاملة، وتحمي الاقتصاد الإسرائيلي من أسوأ الآثار الاقتصادية المدمرة لأزمة كوفيد.
علاوة على ذلك، تعدّ التكنولوجيا الإسرائيلية "ضرورية لصورة الدولة وهويتها" في القرن الحادي والعشرين.
بالنسبة لليهود الإسرائيليين، ترمز التكنولوجيا الفائقة إلى التميز اليهودي؛ ففي خطاب ألقاه عام 2018، أعلن نتنياهو أن إسرائيل "تضرب فوق وزنها"، وأكد أمام جمهور أمريكي مؤيد، أن إسرائيل، التي تشكل 0.1% فقط من سكان العالم، حصلت على 20% من الاستثمار العالمي في الشركات الناشئة في مجال الأمن السيبراني.
بالنسبة للإسرائيليين، تثبت صناعة التكنولوجيا أن إسرائيل تمثل الخير، وتُحيّد الجانب المظلم للبلاد: احتلال الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، والصراع منذ عام 1948، والذي اشتمل على العديد من نفس انتهاكات حقوق الإنسان وتدمير الديمقراطية التي أتاحها برنامج بيغاسوس في جميع أنحاء العالم، وهذا ليس من قبيل الصدفة، فإن إسرائيل تتفوق في المراقبة، لأنها تقوم بمراقبة الفلسطينيين طوال اليوم.