معاريف - بقلم: إسحق ليفانون "تقرع هذه الأيام طبول الحرب بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي. وتطلق أصوات الحرب بعد فشل الجهود للتوصل إلى تسوية على توزيع مياه النيل بين الدول الثلاث. كانت معروفة منذ الأزل حيوية النيل لمصر؛ فهو شريان حياة أساس ووحيد في دولة صحراوية وجافة. “هي هبة النيل”، قال المؤرخ اليوناني هورودوتس.
في أعلى النهر تقف إثيوبيا، دولة اجتازت نمواً مبهراً في العقد الأخير وبدأت ببناء سد على النيل الأزرق الذي يمر في أراضيها؛ لإنتاج الطاقة الهيدروكهربائية على نطاقات واسعة. بدأت ببناء السد في بداية ثورة مصر في 2011، التي أسقطت الرئيس مبارك. وأطلقت على السد اسم النهضة الرمزي، الذي يشهد على تطلعات النمو في إثيوبيا. ورغم الثورة التي عصفت بمصر في تلك الأيام، رأت في ذلك تهديداً وجودياً عليها. وهددت أصوات مصرية في حينه بالحرب. حارسي الشخصي المصري قال لي في حينه إنه إذا لم توقف إثيوبيا بناء السد، فستطلق مصر أربع طائرات قتالية وتدمر السد. ليست بالأقوال المهمة بالطبع، ولكنها أجواء كفاحية سادت القاهرة في تلك الأيام.
غير أن التطورات سارت في اتجاهات مختلفة؛ فقد تجاهلت إثيوبيا التهديدات وواصلت مشروعها. وواجهت مصر مصاعب الثورة الشعبية، فيما لاحقت المحكمة الدولية السودان على جرائم الحرب. ومع وصول السيسي إلى الحكم في مصر، اختار النهج الدبلوماسي وحاول الوصول إلى تسوية. عقدت عشرات اللقاءات والمفاوضات. رفعت اقتراحات واقتراحات مضادة لتسوية توزيع المياه بين الدول الثلاث. فشلت الجهود. بقيت إثيوبيا على موقفها وشغلت السد. بينما أوضحت مصر بأنها لن تسلم بالمس بأمنها القومي من خلال الاعتداء على حقها المائي.
حتى بناء السد كانت مصر تتلقى نصيب الأسد من المياه. النيل الإثيوبي يحظى بكمية أمطار محترمة جداً، وهذا يتيح التدفق باتجاه مصر ومنطقة الدلتا والبحر المتوسط، بينما ليس لمصر مياه أمطار. في ضوء فشل الاتصالات بين مصر والسودان وإثيوبيا، طرحت المسألة على طاولة مجلس الأمن كي يجد حلاً مقبولاً. لكن فشل المجلس هو الذي أدى إلى إطلاق أصوات قرع طبول الحرب.
يتعاون السودان ومصر في هذه الأيام ضد إثيوبيا. وبات السودان يتحدث عن تجنيد القوات، ومصر تتحدث عن استخدامها. إذا لم تتدخل الدول العظمى وتحقق اتفاقاً يرضي الدول الثلاث، فستنشب الحرب في الشرق الأوسط على كل تداعيات ذلك. للولايات المتحدة علاقات طيبة مع الدول الثلاث، وقد تؤدي دوراً بناء. وقد يكون تعيين مبعوث خاص للموضوع، في ظل ممارسة الضغط على إثيوبيا للكف عن ملء خزانات المياه والمس بالتوزيع، هو الطريق الصحيح لإيجاد حل. في كل الأحوال، على إسرائيل البقاء على مسافة بعيدة عن الخلاف.