ذاك الذي أدرى بالمضرّة..سما حسن

الخميس 01 يوليو 2021 10:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أنت لا تعرف أن الضربة سوف تأتي منه، ربما تتوقعها من الخلف دائماً، ولكنها هذه المرة ضربة أمامية ومباشرة، وآثارها تكاد تكون قاضية، لأن من ضربك بها هو الأدرى بالمضرة، ذلك الذي قال لنا عنه المثل منذ القدم: «احرص من عدوك مرة، واحرص من صديقك ألف مرة».
كنتما صديقَين فعلاً بما تحمل الكلمة من معنى، فالجميع لا يذكر أحدكما حتى يذكر الآخر، لا تفترقان إلا لتلتقيا، ربما كان الفراغ القاتل الذي تعيشه أنت وهو، أنت شاب خريج وهو مثلك، وكلاكما لم يعثر على عمل، وربما يعمل في عمل كيفما اتفق، أي أنك بالكاد تحصل على مصروف بيتك كزوج جديد وتقضي معظم وقت فراغك مع صديقك، لأن عملك لا يلتهم كل وقتك ولا تنتظم فيه طيلة ساعات النهار، وعلى ذلك فأنت تجد وقتاً طويلاً لا شيء أمامك تفعله سوى أن تتسكع معه، وتحكي له كل ما في قلبك، وأنت لا تعرف متى سيخون هذا المنصت.
تنتظر أن يرسلوا في طلبك حين ترد طلبية للعمل، وهكذا تقضي وقتك معه وتحكي وتحكي، حتى يأتي اليوم الذي انقلب ليصبح عدواً، تخيل أنكما كنتما تسيران في طريق مطل على البحر حتى عثرتما على قلادة ذهبية مدفونة في رمال الشاطئ، ولم يظهر منها سوى طرفها، وتناولتها بيدك وتلقفها بسرعة البرق، وحين صرخت فيه: إن عليكما تسليمها للشرطة، كان قد تحول لعدو، فهو جائع ويرغب بالمال، ليسدد الديون ويشتري الدخان الذي يغيب معه ويهدئ من أعصابه، حسبما يقول دائماً.
رفض أن يسلم القلادة للشرطة، وأصر على أن القلادة أصبحت له، وهكذا فقد تحول إلى عدو يعلم مواطن ضعفك، وكل أسرارك، ويطلع على نقطة المضرة التي تكاد تكون الضربة القاضية، ويرفع سبابته محذراً لك بأن تبوح بالسر لأن كل أسرارك في يده وتحت رحمته.
أنت تقف حائراً ومذهولاً، كيف تحول صديقي لعدو؟ وأنت حقاً لم تكن صديقه ولم يكن صديقك، ولكن جمعكما الفراغ والبطالة وطول الوقت واتساعه وانتظار ما لا يأتي، أو الشيء الذي يأتي لماماً.
تستغرب من هذه الحياة، ولكنك لا تعرف أنها الحقيقة، أن الناس يحبونك حتى تقف في طريق مصالحهم، وأن الآخرين دائماً طيبون ما لم يجوعوا، أو يحتاجوا للمال أو أن هناك مصلحة قد تنقذهم، فهنا يكشرون عن أنيابهم، ويفضلون مصالحهم، وقد تقول: إن التعميم يكون ظالما.. ولكنك تقول ذلك لأن الضربة جاءت من الأقرب بل أقرب المقربين.
تعرف أن الجوع كافر، وتتخيل لو أنكما لم تعثرا على هذا القلادة، ولكن القلادة جاءت فجأة تحت قدميكما لكي تقول لك: إنك لم تختر صديقك أو إنك قد صممت أذنيك عن تحذيرات الناس لك منه بأنه صاحب مصلحته.
تقرر أن تفتح فمك، ولكنه يهددك بأنه سوف يخبر زوجتك أنك تدخن خلسة وترش ثيابك بالعطر قبل دخول البيت، وأنك تدخر علبة سجائر كاملة لديه لكي تسحب منه سيجارة تلو الأخرى، وأنك لا تستطيع التدخين بالبيت، ليس خوفاً منها، بل تجنباً لصوت بكائها وتهديدها بإيصال الأمر لوالدك، وأنت تخشى على والدك المريض بالقلب، وهكذا عليك أن تصمت.
يشير لك بيده بأن لديه قائمة من الأسرار التي أصبحت مُهمة فجأة لتصمت، وهو يهددك بأنه سيؤلب عليك الجميع وسيدعي أنك أنت الذي استوليت على القلادة، فلا دليل لديك إلا شاطئ البحر الخالي في ساعة متأخرة من الليل وعليك أن تحثه على الشهادة معك.
تقول لنفسك: إن فقره هو الذي حوله لعدو، وإنه ربما كان أفضل وأقل توحشاً لو كان لديه عمل وراتب منتظم، وهكذا تنتحل له العذر، ولكنك تفطن إلى أنك أيضاً بلا عمل ولا راتب منتظم، ورغم ذلك لم تقبل على نفسك الحرام.
تقرر أن تصمت هذه المرة، وأن تقطع علاقتك به، وأن يكون هذا آخر عهدك بالرفاق، سوف تعود كقط أليف إلى البيت كل يوم، وتنتظر أن تضع زوجتك أمامك طبق الطعام الذي أعادت تسخينه للمرة الثالثة، وسوف تلتهمه في صمت وتخلد إلى النوم، ربما كان الصمت والنوم أفضل من صديق في ثياب عدو، لأنه أصبح أدرى بالمضرة.