"تحت جلد الحَمَل لعباس هناك ذئب مختبئ يطالب بتقديم المصالح القومية لعرب إسرائيل في صراعهم ضد حق وجود إسرائيل كدولة يهودية".
"طوال تاريخ الشعب الإسرائيلي حينما اعتمد أحد أطراف الشعب في صراعه ضدّ الطرف الآخر على أعداء إسرائيل من أجل مصلحته كانت النهاية سيئة جدًّا".
"تبييض داعمي الإرهاب وتحويلهم إلى شريك شرعي في الحكومة ستؤدي لاحقًا إلى خسارة حكم اليمين لصالح اليسار لسنوات عديدة جدًّا".
كتب بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب "الصهيونية الدينية" بتاريخ 15/6/2021 في صفحته على الفيسبوك منشورًا يحذّر فيه بشدة من ضم القائمة العربية الموحدة للائتلاف الحكومي في إسرائيل، وقال إنّ هذا الأمر "سيؤدي إلى خراب عالم التوراة والهوية اليهودية للدولة وخراب دولة إسرائيل"!.
وجاء في المنشور:
"أُسأَل كثيرًا في الأيام الأخيرة، حتى مِن قبل أشخاص أيّدوا مبدئيًا معارضتنا لإقامة حكومة تعتمد على داعمي إرهاب ومعادين للصهيونية: ألم يكن من الأفضل إقامة "حكومة يمينية" تعتمد على امتناع القائمة العربية الموحدة، من إقامة حكومة يسارية تعتمد عليهم؟ فهم داخل الحكومة في كلّ حال، والضرر الكبير قد وقع والسابقة الخطيرة قد أقرّت، إذن، لماذا ما دمنا سندفع كل هذا الثمن، لا نحصل على الأقل على حكومة يمينية بدلًا من الحكومة اليسارية الخطيرة التي حصلنا عليها في النهاية؟ هذا بلا شك
سؤال مهم كان أمام أعيننا طول الطريق، ويتطلب منا جوابًا مفصّلًا. وسأحاول أن أفعل ذلك من خلال هذا المنشور.
هذا السؤال يعتمد على افتراضات خاطئة في الواقع، وتعكس وفق فهمي نظرة قاصرة، ترى ما يحدث هنا والآن، وتتجاهل الأبعاد والأضرار طويلة الأمد التي كانت ستحصل لو- لا سمح الله- فعلنا ذلك. المسؤولية القومية تحتّم علينا أحيانًا دفع ثمن آني من أجل منع أضرار أكبر لاحقًا.
الحديث عن قضية مركّبة لها أوجه عديدة، ولذلك هذا الشرح سيكون مطوّلًا. لكن من يريد أن يفهم عليه أن يبذل جهدًا ويقرأ:
1. قبل كل شيء يجب أن نفهم حقيقة أنه لا يوجد فرق بين الامتناع والدعم. هذا خداع من صناعة إسرائيلية. من اللحظة التي تكون فيها الحكومة معتمدة في بقائها على داعمي الإرهاب فإنها بذلك تعتمد عليهم، وبحاجتهم في كل لحظة، وخاضعة لابتزازهم بشكل دائم على حساب المصالح الهامة للدولة. هذا يشبه الطاولة التي لها أربع أرجل، وإذا سحبنا إحدى الأرجل فستهتز الطاولة وتقع.
في نظامنا الديمقراطي، لا تستطيع حكومة القيام بعملها لفترة طويلة دون أن يكون بحوزتها 61 أصبعًا. لن تستطيع أن تمرر ميزانية، ولا أي تشريع مهم آخر.
إضافة لذلك، وبما يتعلق بالأضرار طويلة الأمد التي يُحدثها تحويل داعمي الإرهاب لشريك شرعي، والتي فصّلتها سابقًا بإسهاب كبير، فإنه لا يوجد فرق بين الامتناع وبين الدعم الفعلي. الشرعية هي نفس الشرعية، والأبعاد هي نفس الأبعاد. هذا لعب بالدلالات فقط.
الادعاء أن جدعون ساعر أو أحد رجاله كانوا سينضمون بعد ذلك بقليل، ويخلّصوننا من الاعتماد على الموحدة، هو ادعاء بلا أساس. ساعر كان سيبقى في المعارضة، يهاجم اليمين (بحق!) بسبب بيع مبادئه لداعمي الإرهاب من أجل بقائه الشخصي، وينتظر السقوط السريع لهذه الحكومة غير الممكنة والتي لم تكن حياتها لتطول. الطريقة الوحيدة لضم ساعر لحكومة يمينية كاملة كانت من أجل منع انتخابات، والتي فيها لم يكن ليجتاز نسبة الحسم. في الخيار بين المعارضة وبين الجلوس تحت نتنياهو فإن ساعر وشركاءه كانوا سيختارون الخيار الأول. فقط أمام خيار الانتخابات كان موقفهم سيتغير.
2. هناك فرق كبير جدًّا بين أن يقوم اليمين بهذا الخطأ وأن يبيّض داعمي الإرهاب، وبين أن يقوم اليسار بذلك. عندما يقوم اليسار بذلك سيؤكد اليمين على أن هذا الأمر من جهته يعتبر تجاوزًا غير شرعي للخط الأسود. سنبذل كل الجهود- بإذن الله- في المعارضة كي نكشف ونوضّح الأضرار والأثمان الصعبة التي تسببها الاعتماد عليهم، وكي نسقط هذه الحكومة السيئة في أسرع وقت ممكن، وأن نوضّح للجمهور أن هذا يعتبر حادثًا خطيرًا ومدمّرًا، لكنه لمرة واحدة ويمنع الرجوع إليه.
لو قام اليمين بهذا الخطأ- لا سمح الله- كان سيتشكّل إجماع بدون معارضين من شأنه أن يشرعن من ينكرون مجرّد وجودنا كدولة يهودية، ولن يكون هناك من يعترض على ذلك وينبّه إلى الأثمان، والواقع الخطير كان سيَثبُت لعشرات السنين القادمة ويشكّل تهديدًا على يهودية الدولة.
عباس، وهو رجل ذكيّ جدًّا، أدرك ذلك جيّدًا، وشرح بهذا الشكل لماذا يفضّل كخيار أول الذهاب مع اليمين. واضح أنه ليس "بجابوتنسكي" فخور، ولا يتماهى مع معظم مبادئ اليمين. هدف تفضيله لليمين هو ليوقع عصفورين بضربة واحدة ويكسر كلّيًّا الإجماع بأن أي حكومة في الدولة اليهودية لا تعتمد على داعمي إرهاب ولا تمنحهم شرعية.
من خلال اعتراضنا منعنا هذا الضرر، وتركنا فسحة لتصحيح الخطأ وإعادة العجل للوراء. نحتاج أن نعمل جاهدين حتى نرسّخ مفهوم الخط الأسود هذا. الضرر الذي أحدثته حكومة اليسار بالشرعية التي منحتها للقائمة العربية الموحدة كبير جدًا، لكن، بإذن الله، وبعمل شاقّ، نستطيع أن نجعله قابلًا للتغيير.
3. القوة الكبيرة للقائمة العربية الموحدة وقدرتها على الابتزاز، في الحاضر وأكثر من ذلك في المستقبل، مستمدة من القدرة على المساومة بين طرفين. لو كانت الموحدة- لا سمح الله- شرعية من قبل اليمين وأيضًا من قبل اليسار، فستقوم من هنا وصاعدًا بإعلان عن مناقصة علنية، وستنضم لمن يرفع الثمن. وهذا ثمن صعب ومؤلم لمصالح دولة إسرائيل. حقيقة عدم وجود خيارين لديهم ستخفض بشكل كبير ثمنهم، وتلقائيًّا تخفّف أيضًا الأضرار التي ستلحق بدولة إسرائيل.
ألا توجد أضرار كبيرة أخرى ممكن أن تحدثها- لا سمح الله- الحكومة الحالية؟ بالتأكيد هناك أضرار، يقينًا. لكن تبييض داعمي الإرهاب المعادين للصهيونية هي سابقة قد تصاحبنا لعشرات السنين مستقبلًا وتغيّر بشكل كامل الطابع والهوية اليهودية للدولة. والمسؤولية تلزمنا بمنع هذا.
4. الادعاء الظاهري وكأنّ الثمن الذي كان اليمين مطالبًا بدفعه للقائمة العربية الموحدة هو أقل من الثمن الذي دفعه اليسار هو في الحقيقة ادعاء خاطئ. لقد تصرف عباس كمن يجري مناقصة بين الأطراف، وفي جميع الحالات كان سيأخذ القرار الأفضل لصالحه والذي يقدّم المصالح القومية للعرب في إسرائيل. بالفعل، من بين الاعتبارات كان سيأخذ بعين الاعتبار الربح من الحصول على الشرعية من قبل اليمين وليس فقط من قبل اليسار، خصومته مع القائمة المشتركة، ورغبته في زيادة قوته في الشارع العربي على حساب المشتركة (خطوة خطيرة بحد ذاتها. تقوية الحركة الإسلامية في صفوف عرب إسرائيل هي خطوة خطيرة جدًّا على المدى البعيد)، العوائد الفورية التي كان سيتلقاها بالسياسات والميزانيات، وغيرها. لكن عموم الاعتبارات كانت من مصلحته، وبالنظر إلى أن مصلحته تتعارض مع مصلحتنا وهي حقيقة لا توازي اعتبارات مصلحة الدولة اليهودية، فإنّ قراره النهائي الذي كان سيتخذه كان ذلك الذي يضاعف من إنجازاته، والتي تضرّ في مصالحنا في جميع الأحوال.
يستند هذا الادعاء بالضرورة إلى فرضيتنا الأساسية- والتي تبلورت بعد بحث ودراسة معمّقين للحركة الإسلامية، جذورها، تاريخها، وأساليب عملها- والتي بحسبها، تحت جلد الحَمَل لعباس هناك ذئب مختبئ يطالب بتقديم المصالح القومية لعرب إسرائيل في صراعهم ضد حق وجود إسرائيل كدولة يهودية. شَهْد اللسان والغطاء المدني هما احتيال كبير والذي يتمّ فقط بالعبرية وعلى مسامع اليهود الذين يتجاهلون بوعيهم الحقيقة والدافع والنتائج القومية الخطيرة التي يسعى هو والحركة الإسلامية للوصول إليها.
5. في الواقع، موافقتنا على الجلوس مع القائمة العربية الموحدة لم تكن ستؤدي إلى إقامة حكومة يمينية. إنما فقط كانت ستسهّل على بينيت إقامة حكومة يسارية تعتمد على داعمي إرهاب، كما فعل على أرض الواقع، والتمسّك بشرعيتنا من أجل تخفيف انتقاد الرأي العام على هذا الأمر. لقد خطّط بينيت مسبقًا، وحتى قبل الانتخابات، انضمامه لليسار من أجل إسقاط نتنياهو ولكي يصبح رئيس حكومة بكل ثمن، وكان سيجد كل التبريرات التي في العالم كي لا يصل لاتفاقات مع نتنياهو وكي ينضم لليسار. تعرفت على برامجه قبل الانتخابات، وعلى خلفية ذلك تفرقّت سبلنا. تصرفه طوال الحملة الانتخابية وفي الشهرين التاليين كان فعل خداع وتزوير كبيرين. كان متّفقًا مع لابيد وساعر حتّى قبل الانتخابات، ولم يكن ليدخل في حكومة يمينية برئاسة نتنياهو.
6. التوقع أن نتنازل عن معارضتنا المبدئية والقيميّة في الاعتماد على داعمي إرهاب معادين للصهيونية، فقط لأنّ هناك شخص ما لعوب وعديم المسؤولية، والّذي سيقوم بذلك في جميع الأحوال، هي فرضيّة خاطئة في جوهرها، والاستجابة لها كانت ستخلق ثقافة سياسية تدميرية لا أيديولوجية فيها ولا خطوط حمراء. هذا كأنْ يُسأل شخص يمرّ بجانب بنك يُسرق، لماذا كان مغفّلًا ولم يسرقه قبل ذلك بلحظة.. علّمنا الملك سليمان أنّ "من يخترق السور تلسعه الأفعى". إذا قام أحدهم باختراق سور، فتبعه الجميع ودخلوا عبر الثغرة التي أحدثها، فلن تكون هناك أسوار أخرى. إقامة الحكومة الحالية متورّطة بالعديد من الآثام. الأخطر من بينها والذي لا يغتفر هو بلا شك سابقة الاعتماد على داعمي الإرهاب، والأثمان التي لا تحتمل والتي تم تحويلها لهم مقابل ذلك. مقابل ذلك، المسؤولية تحتّم علينا أن نطوّق الثغرة، وأن نرسم خطًّا أسود سميكًا، وعدم القيام بمثل هذا العمل في أي حال من الأحوال.
7. طوال الشهرين الماضيين وُجّهت إلينا ادعاءات في مجموعة من صحف الحريديم (المتدينين)، ومن جهات أخرى، وكأنّ اعتراضنا في الاعتماد على القائمة العربية الموحدة ينبع من تفضيلنا للقضايا الوطنية على حساب قضايا الدين والدولة وهوية الدولة اليهودية. من يصغي ويقرأ تفسيراتنا المفصلة في الفترة الأخيرة يعرف أن هذه الادعاءات لا أساس لها.
قبل كل شيء، وعلى المستوى القيمي، حكومة تعتمد على أعداء إسرائيل ليست حكومة يهودية. هي تدنيس كبير لاسم الجلالة، وطوال تاريخ الشعب الإسرائيلي حينما اعتمد أحد أطراف الشعب في صراعه ضدّ الطرف الآخر على أعداء إسرائيل من أجل مصلحته كانت النهاية سيئة جدًّا.
بشكل عملي، ادّعاؤنا المركزي هو أنّ تبييض داعمي الإرهاب وتحويلهم إلى شريك شرعي في الحكومة ستؤدي لاحقًا إلى خسارة حكم اليمين لصالح اليسار لسنوات عديدة جدًّا. بمرور الوقت، سيكون اليسار قادرًا على الدفع أكثر للعرب مقابل دعمهم لحكومته، وبعملة قومية صعبة.
التصنيف وفق يمين ويسار في دولة إسرائيل منذ زمن هو ليس فقط حول قضايا الاستيطان مقابل دولة عربية وانسحابات. الحدّ الفاصل بين المعسكر القومي وبين اليسار يمر عبر النقاش حول الهوية اليهودية الأساسية للدولة. دولة يهودية وديمقراطية مقابل دولة علمانية تقدمية لكل مواطنيها.
صعود اليسار والعرب للحكم سيؤدي- لا سمح الله- إلى هدم عالم التوراة والهوية اليهودية للدولة، وبما لا يقل عن ذلك سيؤدي إلى دمار دولة إسرائيل: للسبت، للحلال، لسلامة الشعب والأسرة، للثقافة، وغيرها وغيرها.
معارضتنا لشراكة داعمي الإرهاب والمجهود لإدانة هذا العمل وسحب شرعيته هي التي ستؤدّي- بإذن الله- إلى إعادة اليمين للحكم، والحفاظ -على المدى الطويل- على الهوية اليهودية للدولة وعلى أرض إسرائيل. أيضًا هنا هذه مسألة تتعلق بالمدى الآني والقصير مقابل المدى الطويل.
8. ليس على هامش الأمور. لدي احترام كبير للراف "طاو" الذي يعتقد خلاف ذلك. لدي احترام كبير لعلماء الدين اليهوديّ عامّة، ولست معتادًا على نقاشهم بالعلن.
ما يهمني توضيحه هو أنّ غالبية نُخب وبُنية رجال الدين التابعين للصهيونية الدينية شركاء في عدم الجواز المطلق في الاعتماد على القائمة العربية الموحدة. من ضمنهم مجموعة من علماء الدين المخضرمين الذين يرافقونني عن قرب في السنوات الأخيرة في العمل الجماهيري، وكانوا شركاء في البحث والمشورة والقرارات بهذا الشأن. حتى أولئك الذين ظنوا في بادئ الأمر أنه يمكن الاعتماد على القائمة العربية الموحدة تراجعوا عن ذلك بعد أعمال الشغب التي قام بها عرب إسرائيل قبل أكثر من شهر.
لقد اتّخذنا قرارنا بشأن هذه القضية المهمة بعد ساعات وأيام من التفكير والمشاورات -طوال الطريق وخلال التطورات- مع علماء الدين الخبراء في الفقه اليهودي. من ضمن ذلك، الاستعانة برجال مهنيين وخبراء في الإسلام بشكل عام وبالحركة الإسلامية بشكل خاص، ترجمة مواد من العربية للعبرية، الاستماع لمواقف متباينة وإجراء بحث معمّق فيها، وغيرها وغيرها. أيضًا موقف الراف "طاو" كان أمام أعين رجال الدين عندنا وأُخذ بعين الاعتبار بكامل الجدية. الاختلافات في وجهات النظر بين رجال الدين ليست بالأمر الجديد، ومن كلّ منهم بركة، ما دام قلبه معلّقًا بالسماء. أنا أحاول أن أفعل ذلك، لا أدخل رأسي الصغير بين جبال كبار، لكن أؤكّد أنّ قراراتي ارتبطت بأشجار عالية وأكتاف توراتيّة عريضة وعمليّة.
ترجم المقال
يوسف إبراهيم
مركز اجتهاد للبحوث والدراسات