عن تسريبات وزير خارجية إيران..محمد ياغي

الجمعة 07 مايو 2021 01:09 م / بتوقيت القدس +2GMT



التسريبات الصوتية لأحاديث كبار السياسيين هي ظاهرة قديمة، لكنها أصبحت أكثر شيوعاً مع تطور التكنولوجيا لأن القدرة على التسجيل لا تحتاج الى أكثر من جهاز تلفون محمول موجود مع كل شخص يجتمع بهؤلاء السياسيين.
في عصر الرئيس الأميركي السابق ترامب استمعنا الى الكثير من التسريبات الصوتية له، ابتداء من أحاديثه المسيئة عن النساء الى محاولاته ابتزاز رئيس أوكرانيا بهدف الفوز في الانتخابات ضد منافسه جو بايدن.
ما هو جديد هو أن الدولة الحديدية، إيران، لم تنج من هذه التسريبات. وآخرها كان شريطا صوتيا مدته ثلاث ساعات يتحدث فيه وزير ايران، محمد جواد ظريف، مع صحافي إيراني. وفيه يكشف السيد ظريف عن احداث ومواقف سياسية كان يجب أن تكون وفقاً لطلبه للصحافي (اوف ريكورد)، ليست للنشر.
لكن بطريقة ما، تم تسريب الشريط الصوتي له كاملاً.
بصفته أحد المرشحين عن التيار المعتدل في إيران للانتخابات الرئاسية، البعض يقول بأن التسريبات تمت بعلمه وبقرار مسبق منه، حتى يبين للإيرانيين مواقفه الحقيقية التي لا يستطيع الإفصاح عنها علناً.
والبعض الآخر يقول، بأن التيار المتشدد في إيران قد قرر التخلص منه وهو من سرّب الشريط الصوتي.
بالنسبة لنا، ليس مهما الآن من قام بعملية التسريب، ولكن ما قاله ظريف للصحافي الإيراني طالباً منه عدم نشره او تسريبه لأنه يكشف بعض المعلومات عن خفايا الصراع داخل مؤسسة الحكم في إيران والتي لا يعرف عنها أحد.
أهم ما قاله ظريف أن إيران أبلغت السلطات العراقية قبل 45 دقيقة عن نيتها قصف قاعدة عين الأسد العسكرية الاميركية في العراق بعد مقتل الجنرال سليماني. ظريف لا ينتقد هذا القرار، لكنه يقول بأن أميركا قد علمت عن نية إيران قصف قاعدتها قبل أن يعلم هو بذلك، تاركاً الانطباع بأن الدبلوماسية الإيرانية لا وزن لها في سياسات بلاده.
الآن يمكن فهم لماذا لم تحدث إصابات مباشرة في صفوف الأميركيين جراء القصف: مدة التبليغ لم تكن كافية لإخراج جميع من في القاعدة منها، ولكنها على الأقل كافية لوضع من تبقى منهم في ملاجئ داخل القاعدة. هذا الكشف ليس جديداً لأننا نعلم من إدارة ترامب أنهم علموا عن موضوع الضربة لقاعدتهم من رئيس وزراء العراق في حينه عادل عبد المهدي.
مما قاله ظريف أيضاً، أن الرئيس بوتين هو من أقنع الجنرال قاسم سليماني بالتدخل العسكري في سورية وأن إيران لم ترغب بذلك.
هذه المعلومة تخالف ما هو متعارف عليه بين المحللين السياسيين بأن إيران هي من تدخل لدى الرئيس بوتين لمطالبته بحماية نظام بشار الأسد. حتى بعد هذا التسريب هنالك من قال في إيران بأن هذه المعلومة ليست دقيقة وان إيران هي التي أقنعت روسيا بالتدخل وليس العكس.
هنا بالطبع لا يمكن تأكيد ما قاله ظريف او نفيه. المؤكد أن إيران وروسيا ما قاما بالتدخل العسكري في سورية لو ان ذلك لم يكن لمصلحتهما رغم ميلي الشخصي لرفض رواية ظريف لأنها لا تنسجم مع الاتجاه العام للسياسات الإيرانية في منطقتنا وهي العمل على تمكين حلفائها وعدم التخلي عنهم.
التخلي عن سورية بالنسبة لإيران لم يكن يعني فقط سقوط حليف لها في ذلك البلد، نظام بشار الأسد، ولكنه كان يعني التخلي عن حزب الله وعن أمنها القومي التي تدافع عنه باستراتيجية توسيع رقعة الحرب ونقلها الى أراضي خصومها إذا ما اضطرت لذلك.
ظريف أيضا قال بأن اغتيال الجنرال سليماني يعادل بالنسبة له تدمير مدينة إيرانية كاملة. لكنه أيضا قال، بأن الجنرال سليماني استخدم الطائرات المدنية لإيصال أسلحة ومعدات حربية لسورية وان ذلك كان من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها.
إن كان الجنرال سليماني قد فعل ذلك فهو بالتأكيد قد ارتكب جريمة كبيرة لأنه بذلك عرّض حياه مئات وربما آلاف الناس للخطر.
ظريف قال أيضا بأن السياسات الخارجية في بلادة يديرها الحرس الثوري الإيراني وليس وزارة الخارجية. هنا علينا أن نتساءل عن صدقية ما قاله ظريف: إذا كان الحال كذلك، ما الذي يبقيه هو وزيراً للخارجية؟
والأمر الثاني وهو إن كان ما قاله صحيحاً كيف يفسر السيد ظريف بأن حكومته هي التي أدارت المفاوضات بشأن مشروعها النووي مع إدارة أوباما ووقعت معها الاتفاق النووي، في الوقت الذي يريد فيه الاتجاه المتشدد في إيران والذي يتزعمه الحرس الثوري عدم توقيع اتفاقات تقيد مشروعها النووي.
ظريف قال إن الحرس الثوري كان يعلم بأن قواته هي من أسقطت الطائرة الأوكرانية بعد قصفها لقاعدة عين الأسد في العراق، لكنها أنكرت ذلك لمدة ثلاثة أيام متتالية رغم مطالبته هو لقادة الحرس الثوري ببيان حقيقة ما جرى منذ الساعات الأولى.
الحقيقة هنا أن جميع المراقبين السياسيين والمهتمين بما حدث يومها كانوا يعلمون أن إيران هي من أسقط الطائرة الأوكرانية منذ اليوم الثاني للقصف على الأقل ولم ينخدع أحد في العالم كله بصمت إيران حينها.
بعد هذا العرض لما قاله ظريف، من الواضح ان بعض ما قاله حقيقي، لكن بعضه الآخر مجرد تضليل ولا يتطابق مع سلوك إيران وسياساتها (على سبيل المثال إقناع سليماني لروسيا بالتدخل في سورية).
هذا يعيدنا للسؤال الأول: هل تم التسريب لحديث ظريف رغماً عنه أم أنه فعل ذلك عشية الانتخابات بشكل متعمد لبيان مواقفه من سياسات بلاده؟
نميل الآن لتصديق أنه هو من قام بذلك بشكل مقصود.