حتى لحظة كتابة هذه السطور يواجه البيت الأبيض أربعين دعوى قضائية مرفوعة ضد قرارات الرئيس ترامب ووزيره إيلون ماسك على مستوى المحاكم الفيدرالية في مختلف جهات البلاد، في مقابل بداية جدل علني بين الرئيس ونائبه جي دي فانس وماسك وخبراء القانون والمعارضين السياسيين حول طبيعة العلاقة التي تحكم السلطتين التشريعية والقضائية في الولايات المتحدة، وحدود الصلاحيات المتاحة لكليهما دستوريا.
وفي أبرز ردود الفعل التي صدرت عن الرئيس ترامب حول هذه الأزمة تحديدا قوله من على مكتبه في البيت الأبيض: "تم العثور بالفعل على مليارات الدولارات من الإهدار والاحتيال والإساءة في التحقيق في حكومتنا التي تدير هذه الأموال بشكل غير كفء.. الآن يريد بعض النشطاء والقضاة السياسيين منا التوقف أو التباطؤ.
ترامب أضاف إلى ذلك عبر منشور على موقعه التواصل الاجتماعي "تروث" أن فقدان الزخم سيكون ضارا جدا بإيجاد الحقيقة، وهو ما تبين أنه يشكل كارثة لأولئك الذين يديرون الحكومة ولا يزال هناك الكثير الذي يجب العثور عليه ولا أعذار.
القضاء والبيت الأبيض ..مواجهة مفتوحة
من الواضح جدا أن هذا التصريح من جانب ترامب في نزاعه القائم مع المؤسسات الفيدرالية والمحاكم لن يكون الأخير في ظل هذه النزاعات المفتوحة على عدة جبهات في وقت واحد، ومن الواضح كذلك أن هذه هي مجرد بداية طريق شاق وطويل من المواجهة بين جناحين من الحكومة الأمريكية، باعتبار أن الجناح الآخر وهو المرتبط بمبنى الكونغرس أي الجناح التشريعي يقف في ظل التركيبة الحالية التي أفرزتها انتخابات الخريف الماضي في صف الرئيس ترامب، كون الغرفتين السفلى والعليا في الوقت الحاضر تحت سيطرة الحزب الجمهوري الموالي لسياسات الرئيس ترامب.
ولاء الكونغرس وارتباك الديمقراطيين
وفي ظل الارتباك الذي يعانيه الحزب الديمقراطي في المرحلة الحالية، وفي غياب موقف واضح من قبل قياداته بشأن تطورات الأسابيع الثلاثة الأخيرة في العاصمة واشنطن باتت المواجهة الآن محصورة بين المحاكم وفريق الرئيس ترامب الإداري والحكومي.
بداية هذه المواجهة ظهرت منذ لحظة سعي ترامب إلى تجميد ثلاثة تريليونات دولار من أموال الحكومة الفيدرالية المخصصة للمنح والقروض الفيدرالية، وإعلان خطة لتسريح موظفي الحكومة الفيدرالية بتقديم خيار المغادرة الطوعية لهم من وظائفهم في مقابل حصولهم على رواتب الأشهر الثمانية المقبلة، أي من هنا إلى غاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل، ثم تبع ذلك نزاعات أخرى تتعلق بمحاولة إلغاء حق الحصول على المواطنة الأمريكية عند الميلاد داخل الولايات المتحدة، وقرار إرسال المهاجرين غير النظاميين الفنزويليين إلى خليج غوانتنامو، وخفض التمويل للمعاهد الوطنية للصحة، وطرد مراقب أخلاقيات الحكومة، ووضع موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في وضع الإجازة المفتوحة مع تجميد أعمالها في جميع أنحاء العالم.
وأغلب هذه القرارات واجهتها المحاكم بقرارات من القضاة الفيدراليين بتعليق تنفيذها أو تأجيلها إلى حين إصدار أحكام قضائية نهائية بشأنها، وهو الأمر الذي أدى في مقابل ذلك إلى إثارة مخاوف جادة من نشوب أزمة دستورية غير مسبوقة في تاريخ البلاد
أزمة دستورية تلوح في الأفق
من الواضح جدا أن الإدارة الجديدة ماضية في سلسلة قراراتها، وأنها على استعداد لمواجهة تبعات هذه القرارات الصادرة على مستوى المحاكم، وذلك من خلال التصريحات التي يقول بها مسؤولوها بشأن الموقف من المحاكم التي عطلت تنفيذ الإجراءات الجديدة للرئيس ترامب والوزير إيلون ماسك.
الرئيس ترامب وتأكيدا لهذا التوجه أعلن أن فريقه الحكومي سوف يستأنف هذه القرارات، وهو مسار قد ينتهي إلى أروقة المحكمة العليا، ووراء ذلك حسابات سياسية ستكون معقدة التفاصيل بكل تأكيد.
نائب الرئيس جي دي وفانس وفي تصريح لافت يقول تعليقا على قرارات المحاكم إن القضاة يفتقدون إلى السلطة للسيطرة على السلطة الشرعية للسلطة التنفيذية.
تعليق فانس يجانب حقيقة الدستور الأمريكي، يقول الخبراء القانونيون والأكاديميون المختصون، الذي يمنح القضاء الفيدرالي الحكم في القضايا التي تكون فيها قرارات الرئيس جزءا منها أو طرفا فيها، وهو جزء من الدور الرقابي الذي يضمنه الدستور الأمريكي للقضاء على الفروع الأخرى للحكومة الأمريكية.
التعليق الذي أطلقه فانس جاء مباشرة بعد أن منع قاض فيدرالي موظفي الوزارة الجديدة الكفاءة الحكومية التي يديرها الملياردير إيلون ماسك من الوصول إلى المعلومات المالية الخاصة للأمريكيين على مستوى الخزانة.
الأوساط السياسية هي الأخرى دخلت على خط هذا الجدل القانوني والسياسي في واشنطن، حيث قالت النائبة الجمهورية السابقة، التي تعتبر أكثر الأصوات معارضة للرئيس ترامب داخل الحزب، ليز تشيني، مخاطبة نائب الرئيس بقولها إنه إدا كان فانس يعتقد أن المحاكم الفيدرالية التي حكمت ضد قراراتك تكون بذلك قد تجاوزت سلطاتها القانونية أو القضائية فإنه من حقك الاستئناف ضد هذه القرارات، لكن لايحق لك أن تغادر أو تغضب؛ لأنه حينها سوف يكون هذا السلوك استبدادا من جانبك.
فانس لم يكن هذا التصريح الوحيد الذي صدر عنه وأثار عاصفة من الانتقادات بين المختصين القانونيين وخبراء الدستور الأمريكي السياسيين، بل أثار المخاوف حول قرب نشوب أزمة دستورية في البلاد عندما قال إن الديمقراطية تدمر من خلال هذا الانقلاب القضائي، وهي إشارة متجددة بأن القضاء ومن خلال أحكامه التي أصدرها حتى الآن يكون قد تجاوز سلطاته المسموح لها في علاقته بالفرع التنفيذي من الحكومة الفيدرالية، وهي مخالفة لدور القضاء الأمريكي في تاريخ النزاعات السياسية في الولايات المتحدة.