هآرتس - بقلم: ميخائيل سفارد "نشرت الإدارة المدنية في موقعها عبر الإنترنت قبل ثلاثة أشهر أمراً وقع عليه قائد المنطقة الوسطى قبل خمسة أشهر من ذلك، بعنوان “أمر بشأن واجب المناقصات”. نوع الحكم في حكومة الضفة الغربية شمولي عسكري، لذلك فإن أمر قائد القوات العسكرية هناك يعتبر قانوناً رئيسياً. والفلسطيني الذي يريد معرفة القانون الذي يسري عليه، يجب عليه إعادة تفعيل الصفحة الرئيسية للإدارة بشكل دائم، ويأمل أن تتذكر السلطة إبلاغ رعاياها بمستجدات القوانين الجديدة التي تسنها مملكة الاحتلال في كل مرة.
أعترف أنني لم أقم بالتفعيل بصورة كافية وباستمرار. لذلك، استغرقتني بضعة أسابيع أخرى لأكتشف أن شيئاً ما في بيت إيل (مقر الإدارة) حدث في نهاية السنة: الـ 53 مبدأ في الحكومات التي تعمل لصالح الجمهور، حيث لكل واحد الحق في التنافس على الموارد الأرضية وعلى ميزانياتها، تجاوز جدار الفصل. في الأمر الذي فرض واجب الإعلان، قرر القائد العسكري في المادة 2 (أ) بأن “الإدارة المدنية لا تتعاقد بعقد لتنفيذ صفقة سلع أو أراض أو تنفيذ أعمال أو شراء خدمات سوى عن طريق عطاء علني يعطي لكل شخص فرصة متساوية للمشاركة فيه”.
للوهلة الأولى، بعد قراءة المادة، أصبت بدوار خفيف واضطررت إلى تعديل جلوسي. “فرصة متساوية”؟ “لكل شخص”؟ هل هذه هي الإدارة المدنية التي نتحدث عنها. الجسم الذي يقوم منذ عشرات السنين بتخصيص أراض عامة لليهود فقط، الجسم الذي يتفاخر قائده على الإنترنت بأنه يقود أعمالاً واسعة من أجل الاستيطان في يهودا والسامرة، مع تقديم الرد المناسب وتحسين مستمر للخدمات لتلبية احتياجات السكان الإسرائيليين. ولا يقول أي كلمة عن الخدمة التي يقدمها للفلسطينيين. لأنه لا يوجد.
هل هذا حقيقة؟ من الآن ستكون هناك “فرصة متساوية”؟ أيضاً “لكل شخص”؟ وإذا كانت المادة 2 (أ) قد أدخلتني في دوار، فإن المادة 2 (ب) التي أقنعتني أخيراً بأنه هناك شخصاً معيناً وضع لي مواد للهوس في القهوة. وقد جاء في هذه المادة بأن “الإدارة المدنية لم تميز بين المشاركين في العطاءات بسبب الإعاقة، والجنس، والميول الجنسية، والمكانة الشخصية، والسن، والقومية أو بلد المنشأة أو الموقف”. ما الذي يحدث هنا؟ هل هذه قيادة فرقة يهودا والسامرة في بيت إيل أم مقر ممثلية حقوق الإنسان في جنيف؟ أغلقت الحاسوب ثم فتحته مجدداً. بقيت المواد على حالها. هل اكتشفت الإدارة المدنية حقاً كيف تُلفظ كلمة مساواة بالتصريفات المختلفة؟
في الضفة نظام أبرتهايد. فالتشريع السياسة والممارسة، جميعها تخدم خلق تفوق اليهود ودونية الفلسطينيين في جميع المجالات: الحقوق والموارد والبنى التحتية. منذ العام 1967 أقامت إسرائيل أكثر من 200 مستوطنة للإسرائيليين وصفر بلدة للفلسطينيين. كل شيء بني بحيث إن موارد المناطق المحتلة توجه بصورة منهجية وممأسسة لصالح المستوطنين الإسرائيليين وعلى حساب الفلسطينيين: الأراضي والمياه والموارد الطبيعية، وسيتم تخصيص الهواء للمستوطنين أيضاً عندما تسمح التكنولوجيا بذلك.
حكومات إسرائيل هي الجهات المبادرة التي دفعت إلى إقامة الأبرتهايد الإسرائيلي، والإدارة المدنية هي التي تخرجه إلى حيز التنفيذ. الأبرتهايد ليس نتاجاً ثانوياً للحكم، بل خاصية رئيسية ومحددة للكيان الحكومي في الضفة. الإدارة المدنية بدون تمييز متعمد وممأسس للفلسطينيين مثلها مثل الهامبورغر النباتي في ماكدونالدز، ليس له علاقة، ومخالف للروح. لذلك، إعطاء فرصة متساوية للمستوطنين والفلسطينيين من التنافس على تخصيص الأراضي أو تقديم الخدمات هو بمفاهيم نظام الاحتلال يشكل انقلاباً عظيماً، ليس أقل من ذلك.
ولكن لا داعي للقلق. بعد انتهاء المادة 2 (ب) تأتي المادة 2 (ج). المادة 2 (ج) من أمر واجب الإعلان عن العطاء، تحدد استثناءات لمنع التمييز التي تعيد الأمور إلى حالها. “من خلال توفر أحد الأمور التالية، جاء في المادة: “لا يرى أي تمييز في فتح عطاء بمشاركة إسرائيليين فقط أو مشاركين مسجلين في السجل فقط”، وما هي الحالات التي لا يعدّ فيها التمييز تمييزاً؟ عندما لا تستطيع مجموعة توفير موضوع العطاء بسبب “ظروف أمنية”، أو إذا كان موضوع العطاء يحتاج إلى “وصول ثابت ومباشر وفوري أو خلال فترة إنذار قصيرة إلى داخل مناطق “أ” و”ب”، أو إلى داخل مناطق دولة إسرائيل”.
بكلمات أخرى، مسموح وضع عطاء للإسرائيليين فقط أو للفلسطينيين فقط إذا كانت إحدى هذه المجموعات غير مناسبة “أمنياً” (هذا لا يحدث للإسرائيليين)، أو إذا كانت ممنوعة قانونياً من الوصول إلى إسرائيل أو إلى مناطق السلطة الفلسطينية. في هذه الحالات، الإسرائيليون أو الفلسطينيون لا يمكنهم التنافس في العطاء.
يمكننا الهدوء إذاً. نحن في نهاية الأمر أمة حولت الاعتبار الأمني إلى اعتبار أوسع من درب التبانة، وصغير علينا أن نقرر وجود خطر أمني في توفير أقلام الرصاص من منتج في جنين أو أن نجد ألف سبب أمني لعدم تأجير قسيمة أرض للفلسطينيين من أجل فلاحتها (أصلاً هناك بند آخر يجمد في هذه المرحلة واجب العطاءات في صفقات الأراضي). ولا نريد الحديث عن السهولة التي نصادر فيها تصاريح الدخول إلى إسرائيل، الأمر الذي يحول جميع الفلسطينيين، حتى من لديهم تصاريح، إلى ممنوعين من العطاءات التي تحتاج إلى وصول، إلى القدس مثلاً.
السماح بالإعلان عن عطاء أحادي القومية أمر مدهش، حيث ينسب لكل أبناء القومية المقصاة صفة مانعة، ولا يفحص وجودها بصورة تفصيلية لدى المرشح أو المرشحة. هذا مثل أن تمنع عن اليهود المشاركة في عطاء للعمل في نهاية الأسبوع على فرض أن الجميع يحافظون على السبت. هكذا بالضبط يبنون التمييز الجماعي من النوع المشين جداً. وكل ذلك حتى قبل أن نصل إلى المادة التي تسمح لرئيس الإدارة بتحديد قواعد لإعفاء صفقات من الإعلان عنها في عطاء، وهي صلاحيات تحوي في طياتها عالماً كاملاً من التمييزات السلبية والإقصاء، التي تنتظر ماكينة الطباعة التي يتولى أمرها رئيس الإدارة المدنية، الذي -كما قلنا- يهتم بـ “تحسين متواصل للخدمات لصالح السكان الإسرائيليين”.