دعا مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية الرئيس جو بايدن إلى مشاهدة فيلم فلسطيني وثائقي فاز بجائزة بريطانية مرموقة الشهر الجاري، ويحكي عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، معتبرا أن الفيلم يستحق المشاهدة.
وأشار جون برينان الذي رأس الوكالة بين عامي 2013 و2017 إلى أنه شاهد الفيلم من إخراج المخرجة الفلسطينية المعروفة فرح النابلسي، وأن الفيلم رشُح لجائزة "الأوسكار" للأفلام القصيرة وتبلغ مدته حوالي 25 دقيقة.
وكتب برينان في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم الأربعاء قائلا: إن الفيلم هو سرد قوي ومفجع عن آلام الرجل الفلسطيني يوسف وياسمين ابنته الصغيرة أثناء عبورهما نقطة تفتيش للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية مرتين في يوم واحد.
تقييد يوسف أمام ابنته
ويحكي الفيلم قصة الأب يوسف الذي يخرج مع ياسمين لشراء هدية الذكرى السنوية لزوجته، ثم يجد نفسه محتجزا بسلاسل حديدية وهو ممسك بقلم؛ لأن الحراس الإسرائيليين يريدون تفتيشه بدقة أكبر فيما جلست ياسمين في الجوار تراقب وتنتظر في صمت.
وقال برينان: "أعاد المشهد ذكريات زيارتي الأولى للضفة الغربية عام 1975، عندما عبرت نهر الأردن ووصلت إلى نقطة أمنية إسرائيلية…. كطالب في الجامعة الأمريكية في القاهرة، كنت متحمسا لزيارة القدس وقضاء ليلة عيد الميلاد في بيت لحم…. انضممت لطابور عند نقطة تفتيش كان يتحرك بخطى ثابتة لكن بطيئة".
وأضاف: “على بعد أمتار قليلة، كان بإمكاني رؤية رجال ونساء وأطفال في طابور أطول بكثير محاط بسياج شبكي من الصلب مكتوب عليه فلسطينيون وعرب…. شاهدت العديد من الجنود الإسرائيليين يقومون بعمليات تفتيش عدوانية لهؤلاء… وبينما شعرت بالأسى مما رأيته، علمت أن لدى إسرائيل مخاوف أمنية في أعقاب حربي 1967 و 1973، وهي مخاوف تفاقمت بسبب الهجمات على أهداف إسرائيلية من قبل منظمات فلسطينية".
ورأى برينان أنه بعد نحو نصف قرن تغير المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط بشكل عميق بعد أن وقعت إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن، ثم اتفاقات أخيرة مع الإمارات العربية المتحدة وعدد من الدول العربية الأخرى.
الانقسامات الفلسطينية
ولفت إلى أنه على الرغم من انخفاض مستوى التوتر بشكل حاد بين إسرائيل والعالم العربي، إلا أن الشعب الفلسطيني نفسه لم يشهد أي تقدم ملموس في سعيه للعيش في دولته ذات السيادة فيما ساهمت الانقسامات السياسية في إحباط طموحات الدولة الفلسطينية.
واعتبر برينان أن العقبة الرئيسية للسلام تتمثل في تراجع اتجاه الاهتمام الذي أبدته الحكومة الإسرائيلية في السعي إلى حل الدولتين، فيما قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حملة توسع كبيرة في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
ونبه إلى أن هذا التوسع أدى إلى مزيد من الجدران الخرسانية والحواجز الأمنية ونقاط المراقبة، مما تسبب في تقليص المساحات التي يمكن للفلسطينيين العيش فيها ورعي مواشيهم ورعاية بساتين الزيتون وحدائق الخضروات.
تجاهل ترامب للقضية الفلسطينية
وقال: “لسوء الحظ، تجاهلت الولايات المتحدة خلال سنوات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب المصالح والتطلعات الفلسطينية، ثم قرر ترامب نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، رافضًا موقف جميع الإدارات الأمريكية السابقة من أنها ستعرض مفاوضات الوضع النهائي بشأن تلك المدينة المتنازع عليها للخطر… كما قام ترامب بقطع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية وأنهى مساهمة واشنطن في هيئة الأونروا لإغاثة الفلسطينيين".
ووصف برينان موقف بايدن الأخير بأنه إيجابي بسماحه الإفراج عن مبلغ 235 مليون دولار لبرامج إنسانية واقتصادية وتنموية تدعم الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وأماكن أخرى في المناطق التي يعيشون فيها.
وقال برينان: “أظهر المشهد الختامي لفيلم الهدية يوسف وهو متعب ومصاب بألم في الظهر، وغاضب بشكل متزايد وعلى وشك القيام بعمل عنيف بينما كان يحاول العودة إلى المنزل بهدية الذكرى السنوية لزواجه. لقد جعلني اندفاعه العاطفي المخيف أفكر في الإحباط الذي يشعر به كل فلسطيني عليه أن يتعايش مع الإجراءات الأمنية الخانقة والقمع السياسي المصاحب للاحتلال العسكري الإسرائيلي".
ظلم وتمييز
وتابع: “مع ذلك، كانت ابنته الصغيرة ياسمين هي التي جعلتني أصاب بالقلق والصمت… راقبت ياسمين صبر والدها وكرامته وإنسانيته وهي تتآكل… لا يسعني إلا أن أتخيل بصمة مثل هذه التجارب على الفتيات والفتيان الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة…… لقد نشأوا مصدومين من الظلم والتمييز والعنف…. وهم يعيشون مع الشعور بأن وجودهم يتحكم فيه أشخاص لا يهتمون برفاهيتهم أو سلامتهم أو مستقبلهم".
ورأى برينان أنه على الرغم من أن إدارة بايدن تتعامل مع مجموعة كبيرة من المشاكل المحلية والدولية إلا أن السعي الفلسطيني لإقامة الدولة يستحق اهتماما أكبر من الإدارة الجديدة، ويتعين على الولايات المتحدة أن تطلب من القادة الإسرائيليين الكف عن البناء الاستيطاني الاستفزازي ونوع الممارسات الأمنية القمعية الموصوفة في الفيلم.
وختم برينان بقوله: “إن إشارة واضحة من بايدن بأنه يتوقع ومستعد لتسهيل المناقشات الإسرائيلية الفلسطينية الجادة حول حل الدولتين ستكون ذات أهمية سياسية كبيرة".
"الهدية" هو فيلم قصير لعام 2021 من إخراج فرح النابلسي، وشارك في كتابته النابلسي وهند شوفاني، يتحدث الفيلم عن أب وابنة من دولة فلسطين ويعيشان في المناطق المحتلة من قبل إسرائيل. ويقود فريق التمثيل الممثل الفلسطيني صالح بكري.