هآرتس: حين يبدو “عداد السيارة” مؤشراً لقتل الفلسطينيين في الشرع الإسرائيلي

الإثنين 12 أبريل 2021 05:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: حين يبدو “عداد السيارة” مؤشراً لقتل الفلسطينيين في الشرع الإسرائيلي



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: عميرة هاس     "عرف الجيش الإسرائيلي على الفور بأن أسامة منصور، الفلسطيني الذي قتله جنود الجيش في فجر الثلاثاء الماضي، لم يحاول تنفيذ عملية دهس، في الوقت الذي كانت فيه زوجته تجلس إلى جانبه. كيف يمكن معرفة ذلك؟ لأنه لو كان لديهم أدنى شك كهذا لفعل القادة ما يلي:

مصادرة جثته وعدم السماح لعائلته بدفنها.

اعتقال الزوجة التي أصيبت بالشظايا، ثم التحقيق معها بتهمة التخطيط المشترك لعملية دهس أو تنفيذ عملية إرهابية ثنائية.

اقتحام بيت العائلة في الليلة التالية، وتوجيه البنادق نحو أبناء العائلة، ومصادرة هواتفهم المحمولة والحواسيب. ثم تفتيش الخزائن وبعثرة محتوياتها بحثاً عن أي شيء يدينه، وربما عن صحيفة من السنة الماضية تحتوي على كلمة شهيد أو صورة ليحيى السنوار.

كان منصور (42 سنة) وزوجته سمية (35 سنة) رجعا في الساعة الثالثة فجراً إلى بيتهما في قرية بدو. هذا حقهم. لم يعرفا أن الجنود موجودون في المنطقة ويخططون لعملية اعتقال لشخص أو أكثر، واقتحام منزل أو أكثر، أو وضع حاجز أو أكثر. هذا روتين عسكري في كل ليلة، يشوش روتين الفلسطينيين الاجتماعي، لدرجة الموت. في الظلام كان من الصعب ملاحظة الحاجز الطيار. مر منصور عن الجنود وتوقف، وسألوه عن شيء ما ثم سمحوا له بمواصلة السفر. كانت زوجته تجلس بجانبه. وبعد ذلك بدأوا بإطلاق النار.

لم يقم الجنود باختطاف جثة منصور حسب ما يأمرهم القرار السادي لوزير الدفاع المتعلق بالجثامين، والذي يأمر باحتجاز جثامين الفلسطينيين المشتبه بتنفيذهم عمليات وقتلوا في المكان. دُفن منصور في قريته من اليوم نفسه الذي قتل فيه. عندما يشك الجيش، فإن القادة والجنود لا يمكن أن يتأخروا، بل سيقومون بكامل الطاقة باعتقال شخص مصاب وسيحققون معه في المكان، حتى لو كانت زوجة السائق التي أطلقت النار على زوجها وقتل وهو جالس إلى جانبها. جنود لواء “كفير” لم يعتقلوا سمية ولم يحققوا معها، ولم يقتحموا بيتهما في قرية بدو. كل ذلك يثبت أن القادة فهموا على الفور بأن الجنود قد أخطأوا.

في موقع المتحدث بلسان الجيش، نشر هذا البيان المتملص: “في أثناء نشاطات عملياتية لجنود الجيش في هذه الليلة في قرية بير نبالا، حيث وضع الجنود حاجزاً على محور الحركة في المكان من أجل السماح لقوات أخرى بالعمل في المنطقة بدون حركة للسيارات، شخص الجنود في الحاجز تلك السيارة، التي سافرت فجأة بسرعة باتجاه عدد من الجنود بصورة عرضت حياتهم للخطر. ورد هؤلاء الجنود بإطلاق النار لإحباط هذا التهديد”. العنوان الساخر لهذا البيان هو “مقاتلو الجيش أحبطوا عملية دهس”. والمواقع الأخرى التي تسمى مواقع أخبار، سارعت إلى إعطاء عناوين مشابهة. ها هو ايتمار كوهين من موقع “أخبار كل العالم” يطلق على منصور صفة “مخرب”، ومثله فعل دافيد غولدبرغ من موقع “ج.دي.ام”. بل هناك مراسلون لم يسألوا المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي السؤال المفهوم ضمناً: إذا كانت هذه محاولة لعملية دهس، فكيف أطلقتم سراح الجثة؟

إن تجاهل الوقائع في بيان الجيش الإسرائيلي يدل على أن الجيش يعرف بأن الجنود قد عملوا بصورة غير مهنية: أوقفوا سيارة على الحاجز، وشاهدوا رجلاً وامرأة. قال لهم الرجل كما يبدو إن زوجته مريضة وكانا عند الطبيب. وبعد السماح للسيارة بمواصلة السفر، قام الجنود بإطلاق عشر رصاصات وأصابوا رأس السائق. هل تذكّر أحد الجنود بأنه نسي السؤال عن شيء؟ هل قام الضابط بتوبيخه لأنه لم يفحص بطاقات الهوية؟ هل كان جندي آخر يقف بعيداً عن الحاجز وقرر أن السيارة تسافر بسرعة كبيرة فأطلق عليها النار، ثم استنتج الجنود على الحاجز بأن خطراً يهددهم فأطلقوا النار؟ يدل إطلاق النار على الفزع وعدم التنسيق. إطلاق النار القاتل يدل على عدم الاهتمام بوقائع نفسية أساسية: أنتم تعملون داخل مجتمع مدني، له حياته الخاصة، مثلما نسافر بين حيفا و”الكريوت” في الثانية فجراً، فالفلسطينيون أيضاً يسافرون من قرية إلى أخرى. في اللاوعي، يريد الجيش أن يعيش الفلسطينيون في خوف من السفر ليلاً بصورة حرة في مناطقهم التي يعيشون فيها.

مهمة الجيش الأولى الآن هي إنقاذ جنوده من تحقيق الشرطة العسكرية بسلام، وبالأساس: الحرص على ألا تحصل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي على أي طرف خيط يمكنها من معرفة أسمائهم وأين يعيشون. الذي بقي على المراسلين فعله هو النبش في حياة وعادات أسامة منصور، القتيل، وكأنه المسؤول عما حدث له. فيما سيبقى القتلة مجهولين ومحميين.

لا تقلقوا، أيها الآباء الإسرائيليون، فلن يصيب أولادكم مكروه، ولو كان هؤلاء الجنود الذين هم من لواء “كفير” قتلوا أسامة منصور، الأب لخمسة أولاد، وأصابوا زوجته ودمروا حياته. ولن يتم اتهامهم أولادكم اليافعين بالقتل العمد، وستبقى أسماؤهم سرية إلى الأبد، وسيتمكنون من السفر بعد تسريحهم من الخدمة، وسيذهبون إلى الرحلة المخطط لها، وسيتعلمون ولن يعانوا من أي صدمة وستكون لهم عائلة، وبعد ذلك سيرسلون أولادهم إلى الجيش لقتل فلسطينيين آخرين عائدين إلى بيوتهم.