ليسوا في إجازة..غسان زقطان

الإثنين 15 فبراير 2021 11:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ليسوا في إجازة..غسان زقطان



هذه محاولة لوصف المعتقل من باب تذكير من لديهم أوهام بأنهم خارج السجن.
ما يحدث هو مفاضلة بين أنواع متدرجة من الاعتقال. هذا هو الأمر، تصنيفات يخضع كل تصنيف منها للجغرافية وخصوصية الموقع، ولكنها تنبثق جميعها من فكرة أن فلسطين محتلة، فلسطين التاريخية التي تقع بين نهر الأردن وساحل المتوسط، بين الناقورة ورفح هي تحت احتلال عنصري بغيض، والفلسطينيون الذين يعيشون في هذا الفضاء ضمن معازل مسيجة ومقسمة هم معتقلون، وفي أفضل حالاتهم تحت الإقامة الجبرية في مناطق تجمعاتهم.
عندما يصبح الواقع واضحاً بهذه القسوة مجرداً من الزينة والادعاء، يمكن الحديث عن البرامج والخطط الملائمة والتي تسمح بها شروط الاعتقال، البرنامج السياسي، أفكار التنمية، النظام الداخلي، النظام الصحي والتعليمي..
سيكون من المؤلم تقليد الأشكال والنظم خارج المعتقل، وزراء ووزارات وامتيازات ومناصب وأشياء من هذا القبيل، وسيكون من الضروري ابتكار أنماط من العمل وعلاقات نابعة من واقع السجن، وليس من مخيلة أنتجتها أحلام ضيقة لتعويض الواقع، أو عدم قدرتها على التعايش مع الحقيقة.
سيبدو الحديث أو التصرف خارج هذه الوقائع الصارخة نوعاً من التحايل وبث الأوهام، والعيش في واقع متخيل أقرب إلى الانفصام.
وهذا ينطبق بقوة على مشروع الانتخابات الفلسطينية المقرر في أيار القادم.
هكذا يصبح الأسرى في السجون العميقة امتداداً للأسرى في السجون التي تمتلك تسهيلات مدروسة، بسبب حاجة الاحتلال لليد العاملة لإنتاج بضائعه، وللسوق الذي يستهلك هذه البضائع، ولمظهره "الإنساني" لتأبيد الاحتلال ومنحه أوصافاً أكثر تقبلاً، وبسبب حاجته لإدارة هذه المجاميع من الأسرى وتلبية الحدود الدنيا من حاجاتهم للبقاء.
هكذا يصبح مروان البرغوثي وأحمد سعدات والآلاف من الأسرى جزءا من النسيج المتماسك وليس جسداً متروكاً تحت رحمة البلاغة التضامنية وأفكار أولئك ذوي السلوك الحسن، البلاغة التي تخفي تجاهلهم وتجاهل أدوارهم وتحولها إلى نوع من الاستجابة لفكرة السجان في عزلهم عن شؤون شعبهم، وإخفائهم في تلك السجون العميقة.
ليسوا في إجازة عن المشاركة في كل شيء، وليسوا قبيلة معزولة، عليهم أن يكونوا هنا أيضاً، لم تنتهِ مهمتهم ولم تتأجل إلى حين انقضاء "أحكامهم" أو موتهم، لديهم ما يفعلونه وما هم قادرون على فعله.
عندما يتصرف "النظام" بتواضع بصفته "إدارة ذاتية" لعنابر اعتقال مدروسة، يصبح الحديث أكثر دقة وتتوارى البلاغة السياسية، ويمكن تحت هذا الضوء تبين أحلام الناس وهمومهم المتروكة في عتمة العنابر، ويمكن بناء برامج مفتوحة على الشراكة والنزاهة لمواجهة العنصرية التي تطبق على بلادنا.