في العام 1979، كانت أمي وببطن مكورة تقوم بتهريب طبق من الفول المدمس إلى داخل مستشفى «تل هاشومير» حيث كان أبي قد خضع لجراحة استئصال ورم خبيث، وحيث قدر الله له الشفاء، ولكنه ظل في المستشفى مدة طويلة يعاني من طعام المستشفى عديم الطعم والنكهة، فشق ذلك على قلب أمي، وقررت ان تقوم بتهريب طبق الفول المتبل بالفلفل والثوم والليمون والمضاف له زيت الزيتون، ولكن الطبيب المعالج امسك بأمي متلبسة وهي تضعه أمام أبي، وقرر مصادرته بحجة ان الطعام الخارجي ممنوع في المستشفى، وبالطبع، ينطبق ذلك على المستشفيات غير العربية. وبعد حديث متبادل مع أبي بالانجليزية - حيث كان الطبيب أميركي الجنسية - اعترض الطبيب ان يكون الفول هو وجبة الإفطار الرئيسة لدى العرب لأنه يبقى في المعدة لوقت طويل ما يجعل شهية الإنسان لا تتقبل الفواكه والخضراوات الضرورية للجسم، وقد أشار أبي فعلا الى انه يفضل طبق الفول الغني بالبروتين النباتي لأنه ملائم لطبيعة مهنته كمدرس يغادر المدرسة إلى عمل آخر، فلا يشعر بالجوع بسبب طبقات الإسمنت التي وضعها في بطنه في الصباح حسب قوله.
يندرج الفول وكذلك الفلافل المصنع من الحمص او الفول المجروش، والحمص المتبل تحت قائمة البقوليات، ويضاف لها العدس والفاصولياء، وتضم هذه القائمة عناصر غذائية أخرى، خُصص لها يوم عالمي نظرا لأهميتها لصحة الإنسان، وكذلك للبيئة والتربة.
يوم العاشر من شباط، هو اليوم العالمي للبقوليات وهو اليوم المخصص هذا العام تحديدا من أجل نظام غذائي صحي وكوكب نظيف، ويشكل فرصة لزيادة الوعي والاعتراف بمساهمة البقول في أنظمة غذائية مستدامة وأنظمة غذائية صحية، حيث كثرت أمراض السمنة وما يتبعها من أمراض القلب والشرايين للكبار والصغار بسبب البروتين الحيواني المشبع بالدهون المصنعة والضارة بالجسم وخاصة اللحوم الجاهزة والمعلبة، ومع انتشار ظاهرة «الفاست فودز»، وبالتالي أصبح الجميع يعاني من أمراض العصر التي لم تكن تصيب سوى كبار السن وفي حالات قليلة وبعد تقدمهم في العمر.
البقوليات التي تقدم البروتين النباتي الصحي للجسم وغير المضاف له إضافات دهنية ضارة تفيد صحة الإنسان وتفيد البيئة، والمقصود بها التربة، فالمعلوم أن التغيرات المناخية حول العالم والتي أصبحت ظاهرة مقلقة ومحيرة ونتيجة ما جناه الإنسان بحق بيئته تؤدي إلى تغييرات في نمط المحاصيل ومغذيات التربة، ولذلك فالبقوليات مهمة في هذا الصدد لأن البقوليات تغذي اليوريا والمعادن في التربة، فتعمل على إنعاشها وتقبلها للزراعة من جديد.
إذاً، القضية اكبر من كونها ان البقوليات وخاصة الفول والفلافل هي طعام الفقراء، وانها قد تكون الوجبة الوحيدة على مدار اليوم، كما ان اللاجئين الفلسطينيين يحصلون على حصص كل ثلاثة اشهر من الحمص من خلال مساعدات «الأونروا» الغذائية لهم، وهم يقومون باستغلال الحمص في عدة أصناف على موائدهم، ويرحبون به كطبق متبل في الصباح، وكذلك كوجبة «فتة حمص» في الغداء تزيّن في حال الاقتدار بقطع من الكبد المقلي او اللحم حسب المتوفر، وهذه رفاهية لا يملكها إلا قلة من الناس.
وحدث ولا حرج عن طرق تناول الفول لدى الفقراء، ولكن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تقول، ان استهلاك بعض البلاد الفقيرة للبقوليات انخفض كما هو حال الهند، ويخضع ذلك لذائقة الشعوب وطرق استغلال ما يتوفر لديها، وكذلك طرق التحايل على فقرها، ولكننا في بلادنا لا نتوقف عن الهتاف في يوم البقوليات العالمي «يحيا الفول».