هآرتس - بقلم: نوعا لنداو "قامت عائلة عربية في إسرائيل بنزهة في الغابة: الأم والأب والجد والجدة والأولاد. فجأة جاء مواطن إسرائيلي مسلح مع أصدقائه وطلب منهم مغادرة المكان. لماذا؟ لأن كل شيء له. أين كتب ذلك؟ أجاب: في التوراة. وحين رفضوا، أخذ أغراض الأولاد وسكب مياه الشرب على المنقل الذي أشعلوه وصمم على أن يغادروا. غضبت الأم والجد، أما الأب الذي كان يحمل الطفلة فحاول الفصل بين الرجل المسلح وعائلته من خلال الطلب من زوجته أن تهدأ من أجل الأولاد.
هي حادثة مثيرة للغضب ومربكة، وكانت قد صورت ونشرت أول أمس في صفحة “فيسبوك” الخاصة بالأم، لبنى عبد الهادي. منذ متى يهدد يهود مسلحون عائلة عربية في حضن الطبيعة بهذا الشكل؟ أين الشرطة؟ تظهر العائلة تصممها في الفيلم أمام المهاجمين: نحن إسرائيليون مثلكم، ومسموح لنا أن نكون هنا. أجاب أحدهم: “أنتم عرب ولستم إسرائيليين. عملنا معكم معروفاً إذ أبقيناكم”. ثم طلب منهم “العودة إلى الناصرة”.
العقل يرفض استيعاب هذه الحادثة، إلى أن يتبين موقع المشهد، المواطنون مستوطنون، الأم وعائلتها من الناصرة، لكن الأب الشاب من الخليل، المكان في الضفة الغربية قرب قرية جيبيا وقرب البؤرة الاستيطانية “مزرعة تسفي” على الجهة المقابلة. وعندما يتبين لنا المشهد فجأة يبدو كل شيء منطقياً أكثر. المستوطنون، الذين خرج منهم المسلح ويعتمر قبعة منظمة “حارس يهودا والسامرة” والممولة من الدولة، اعتقدوا أن العائلة فلسطينية، وببساطة فعلوا معها ما يفعلونه كل يوم في للمناطق.
لم يتوقعوا أن هؤلاء سيردون عليهم بلغة عبرية طليقة، ولم يتوقعوا أن يتمسك هؤلاء بحقوقهم، ولم يتوقعوا أن يفهم هؤلاء بأن هذه منطقة لم تسجل في أي طابو، ولم يتوقعوا منهم أيضاً التجرؤ على التشاجر معهم. أولاد أمام بنادق. في نهاية المطاف، فعل المستوطنون ما أصبح عادة: اتصلوا مع الجيش كي يقوم بالعمل الأسود بدلاً منهم. استمرت العائلة بالتمسك بحقوقها، لكن الجنود لم يرتبكوا من تعقد الوضع، وقاموا بطرد العرب – الإسرائيليين بناء على طلب اليهود – الإسرائيليين، دون أن يشرحوا أو يتراجعوا. فهكذا تسير الأمور في المناطق. “لا أريد استخدام القوة الزائدة”، هدد أحد الجنود. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي رد كالعادة بأن يتم التحقيق في الحادثة. ولكن من الذي سيقوم بالتحقيق مع المستوطنين؟
الإسرائيليون في معظمهم لم يسمعوا عن الأحداث العنيفة في منطقة مزرعة “تسفي”، وهي بؤرة استيطانية بنيت على أراضي دولة وأراض خاصة. وعندما يسمعون ذلك فلن يستوعبوه. وبفضل جرأة الأم العربية التي تملك الجنسية الإسرائيلية ووقفت تدافع عن حقها وقامت بالتصوير، فإن هذه الحادثة الصغيرة نجحت في اختراق غطاء الروتين واللامبالاة. في الأدب يسمون ذلك “تغريباً” عندما يصبح الوضع المألوف “غريباً” بحيلة فنية. وبهذا يجعل من الممكن إعادة فحص الواقع. هذا ما كشفه لنا وجود عائلة عربية لديها الجنسية الإسرائيلية في نزهة في المناطق: العنصرية. لم يعد هناك إسرائيليون يواجهون الفلسطينيين في حرب قومية، بل يهود أمام عرب، ببساطة. اليهود هم سادة البلاد مع بنادق، والعرب مطلوب منهم الذهاب بعيداً بحيث لا تتم رؤيتهم أو أنهم “سيساعدونهم” في ذلك.
في هذه الأيام التي يسعى فيها المحرض الأول بنيامين نتنياهو، وراء المجتمع العربي في إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نشكر لبنى وعائلتها الذين تحلوا بالشجاعة الكافية لمساعدتنا في إعادة رؤية المناطق وما يحدث فيها باسمنا وبأموالنا.