ملاحظات على هامش قمة العلا..سنية الحسيني

الخميس 07 يناير 2021 12:48 م / بتوقيت القدس +2GMT



في ظل استمرار التهديد الإسرائيلي الأميركي لإيران وتوعدهما بشن هجوم ساحق يدمر ما تبقى من بنيتها النووية، يطل علينا جيرالد كوشنر، عراب اتفاقيات التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية ومستشار الرئيس دونالد ترامب، بإنجاز جديد يتعلق بترميم الصدع في البيت الخليجي، وإعادة قطر إليه، خلال الأيام القليلة المتبقية في عهد إدارة ترامب.
وعلى ما يبدو أن هدف الولايات المتحدة بتحقيق المصالحة بين دول الخليج لا ينفصل عن هدفها بإنجاز اتفاقيات التطبيع، والتي تأتي جميعها لتحقيق هدف مشترك، حيث جاءت تلك المساعي متزامنة في الاتجاهين. وتشهد الرحلات المكوكية الأخيرة لكوشنر وفريقه على مدى اهتمام إدارة ترامب بإنجاز تلك المصالحة، قبل مغادرتها السلطة. وعلى ما يبدو أن الأمر يتعلق برغبة إدارة ترامب، الحليفة الأشد حميمية لإسرائيل، في ترتيب معادلات الصراع بالمنطقة قبل مغادرتها وتولي الرئيس الجديد جو بايدن مقاليد السلطة. اعتبرت إدارة ترامب صراحة أن وحدة دول الخليج تشكل ضرورة في سبيل مواجهة التهديد الإيراني، واعتبرت صراحة أن النزاع بين هذه الدول أدى إلى انتكاسة في تحقيق الأهداف الأميركية وأعاق مصالحها في المنطقة والمتمثلة بعزل إيران.
رغم عدم تلبية قطر للشروط الثلاثة عشر التي فرضتها كل من المملكة السعودية وحلفائها لرفع الحظر عنها، جاء إعلان وزير خارجية الكويت، الدولة التي طالما تدخلت لتحقيق المصالحة بين البلدين، مطلع الأسبوع الجاري عن فتح الحدود البرية والبحرية والجوية بين المملكة السعودية وقطر اعتباراً من مساء الإثنين الماضي، أي قبل يوم واحد من موعد انعقاد قمة مجلس دول التعاون الخليجي السنوية. وقد تقرر أن تكون تلك القمة المناسبة التي يعلن خلالها عن تلك المصالحة، بعد أن جرى تأخيرها لأيام، والتي عقدت الثلاثاء الماضي في السعودية، تحديداً بمدينة العلا.
إن الخلافات بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جهة أخرى، بدأت مع قيام الثورات العربية، وبروز الخلاف في التوجهات السياسية لكلا الطرفين عام ٢٠١١، عندما دعمت قطر تلك الثورات في مصر والبحرين، وساندت جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة عموماً، بينما اعتبرت السعودية وحلفاؤها تلك الثورات مهددة لاستقرار أنظمة الحكم فيها، واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية وقاطعتها. كما اعتبرت دول الخليج بقيادة السعودية موقف قطر وتركيا الداعم لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى علاقاتها الودية مع إيران يشكل تهديداً أمنياً لدول المنطقة. وتطورت علاقات قطر مع تركيا وإيران بعد قطع العلاقات، بعد مبادرة البلدين بمساعدة الدوحة بالإمدادات الغذائية والطبية في الأيام الأولى للحظر، كما أرسلت تركيا قواتها إلى قطر. وكانت قطر قد أعادت العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران خلال عهد الخلاف مع السعودية وحليفاتها، ويتشارك البلدان في حقل غاز بحري ضخم. إن ذلك يفسر أيضاً أنه من بين الشروط الخليجية على قطر لفك الحصار عنها قطع العلاقات العسكرية مع تركيا وإغلاق قاعدتها العسكرية فيها، وقطع العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين، وتقليص الروابط مع إيران.
وتعلّق السعودية آمالاً على إدارة ترامب في أيامها الأخيرة، فيما يخص مطالبتها بتصنيف الحوثيين في اليمن كتنظيم إرهابي من قبل إدارة ترامب قبل مغادرتها السلطة، في ظل عدم قدرتها على حسم معركتها معهم، الأمر الذي يفسر تجاوبها مع المطالب الأميركية في اللحظات الأخيرة فيما يتعلق بالتصالح مع قطر. إلا أن المملكة العربية السعودية تستفيد أيضاً من إعادة علاقاتها مع قطر في ترتيب أوراقها بالمنطقة قبل استلام الإدارة الديمقراطية زمام السلطة في الولايات المتحدة، والتي تركز على سجل المملكة الخاص بانتهاكات حقوق الإنسان فيها وكذلك في إطار حربها المستمرة في اليمن. وتدعم تلك التطورات الجديدة مكانة السعودية التي تقدم نفسها بصفتها قائدة لجبهة خليجية موحدة ضد إيران، وشريكة لإدارة بايدن، خصوصاً بعد إعلان إيران تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ٢٠ في المائة، وهو ما يتجاوز بكثير الحدود المفروضة في الاتفاق النووي عام ٢٠١٥. وتفضل الولايات المتحدة منطقياً التعامل مع دول الخليج بشكل جماعي موحد، حيث تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، تضم حوالى عشرة آلاف جندي أميركي، وتستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأميركية.
لا تمثل هذه المصالحة نهاية الصراع بين بلدان دول الخليج، خصوصاً في ظل العلاقات السلبية بين قادة تلك البلدان، وبقاء الخلاف واضحاً في مواقف الطرفين تجاه قضايا مثل دعم جماعة الإخوان المسلمين والعلاقات مع إيران وتركيا. وتمارس قطر علاقات مزدوجة من غير المتوقع أن تبدلها، لأنها تعطيها مكانة خاصة بين دول المنطقة، فهي تمتلك علاقات إيجابية مع إيران من جهة، وتقيم علاقات مع إسرائيل من جهة أخرى، كما أنها تعادي إسرائيل إعلامياً من خلال قناة الجزيرة من ناحية، وتتعاون مع إسرائيل في تحمل الأعباء الاقتصادية لقطاع غزة من جهة أخرى. إلا أن هذه المصالحة تجعل قطر أكثر قرباً من المملكة السعودية، وتبعدها أكثر عن إيران، وتجعلها أكثر صمتاً أمام أي إجراء ضد طهران.