يستدل من مراجعة تقارير الصحافة الإسرائيلية حول الزيارة السرية لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للسعودية أنها اعتمدت على مصادر إسرائيلية مجهولة الهوية، وفي النص تشابهت جدا التغطيات المقتضبة مما يوضح أن هناك جهة إسرائيلية اهتمت بتسريب المعلومة عمدا، فيما واصلت واشنطن والرياض التزام الصمت.
وبسبب شح المعلومات قالت بعض الجهات الإعلامية الإسرائيلية في البداية إن نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهن ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد التقوا الملك السعودي نفسه وما لبثت أن قالت إن اللقاء تم مع ولي عهده محمد بن سلمان. كما تبين أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية بخلاف عادتها سمحت بالنشر عن عملية اللقاء السري في مدينة نيوم السعودية على ساحل البحر الأحمر وسط تحفظ على تفاصيل أخرى كما أوضحت الإذاعة العبرية العامة.
وبهذا السياق نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول إسرائيلي “رصد تحولا خلال الأسابيع الأخيرة في الديوان الملك السعودي” قوله إن “الانتقال نحو تطبيع العلاقات بات ممكنا أكثر”. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مصدر سعودي قوله إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يقدم أي معارضة للنشر والكشف عن اللقاء الذي جمعه بنتنياهو.
وقالت إذاعة جيش الاحتلال إن الكشف عن اللقاء السري جاء “كرسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، بأن هناك تحالفا إسرائيليا – سعوديا ضد إيران وأن هناك حاجة للتشاور مع دول التحالف هذا، وذلك “في محاول لمنعه من العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران”.
يشار إلى أن محللين محليين يرون بأن القصف الإسرائيلي المكثف في سوريا هو الآخر ينطوي على رسالة إسرائيلية لبايدن أيضا علاوة على طهران، وسبق ذلك رسالة أوضح تمثلت بالكشف عن اغتيال مسؤول في القاعة في طهران قبل شهور.
إقرار بالتلميح
كما أجمعت هذه التقارير الصحافية على أن نتنياهو قام مجددا بإخفاء أمر اللقاء السري عن وزيري الأمن والخارجية بني غانتس وغابي أشكنازي كما حصل في موضوع اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان واللقاءات السرية التي سبقتها.
ورفض مكتب نتنياهو التعقيب على الأنباء حول الزيارة السرية التي تمت بواسطة طائرة خاصة تابعة لصديق نتنياهو لكنه لم ينفها بل إن مساعد نتنياهو بادر للتلميح للقاء السري مع محمد بن سلمان بالقول: “فيما ينشغل نتنياهو بصنع السلام فإن غانتس منشغل في مسائل سياسية صغيرة”.
يشار إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد قال في تصريحات متكررة إنه يؤمن أن السعودية في نهاية المطاف ستقوم بالتطبيع العلني مع إسرائيل رغم تحفظ الملك السعودي مقابل تحمس ولي عهده محمد بن سلمان، وهذه ما أكدته مصادر سياسية إسرائيلية مجهولة الهوية أشارت لقرب “خروج السعودية من الخزانة”.
شهادة رئيس سابق للموساد
رسميا رفضت إسرائيل والولايات المتحدة التعقيب على نبأ اللقاء السري في نيوم وفق ما أكدته الإذاعة العبرية العامة التي أشارت لسفر رئيس حكومة الاحتلال ورئيس الموساد بطائرة خاصة هويتها أجنبية يملكها رجل أعمال إسرائيلي مقرب من نتنياهو عند الساعة الثامنة مساء تقريبا، وعادت عند الساعة الواحدة ليلة الأحد- الإثنين.
واستذكر رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم في حديث للإذاعة العبرية ذاتها أن رؤساء حكومات الاحتلال في الماضي قاموا بمثل هذه اللقاءات السرية في المنطقة والعالم في ساعات الليل، عادة بعيدا عن عيون الكاميرا والإعلام. وقدم ياتوم أمثلة على لقاءت سرية إسرائيلية – عربية سبق ونشرها في كتاب مذكراته “شريك سر” عام 2009، وتابع: “عندما تكون هناك تغيرات مفاجئة ببرنامج رئيس حكومة فهذا يدفع لتساؤل وسائل الإعلام ولذلك لا بد من التغطية، ومفضل القيام باللقاءات السرية ليلا”.
قدم أمثلة عن لقاءات براك ووليد المعلم والشهابي والملك حسين والأمير حسن
لقاء مع المعلم
وأشار يتوم الذي أشغل وقتها وظيفة السكرتير العسكري لرئيس حكومة الاحتلال إسحق رابين إلى أن الأخير طلب منه ومن قائد أركان الجيش إيهود براك السفر للولايات المتحدة للقاء وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم وقائد أركان الجيش السوري السابق حكمت شهابي في تشرين ثاني/ نوفمبر 1994 وهما متخفيان، لإدارة مفاوضات سورية تبين خلالها أن حافظ الأسد يرفض الانسحاب للحدود الدولية ويصر على حدود الرابع من حزيران.
وأوضح أنه وبراك تخفيا بهيئة امرأتين بعدما ارتديا لباسا نسويا ووضعا على رأسيهما شعرا نسائيا وسافرا في طائرة تجارية لواشنطن. وفي إشارة لحزب الله قال السفير السوري في واشنطن وليد المعلم الذي شارك بالمفاوضات وقتها إن أي عملية “إرهابية” لن تخرج من دمشق بعد توقيع اتفاق السلام وفق ما أكده ياتوم، وتابع نقلا عن الراحل وليد المعلم: “لن نصنع سلاما في جبهة واحدة وحربا في جبهة أخرى ولن نسمح لأي جهة عربية بالتأثير على سلام بين سوريا وإسرائيل وسنحميه باعتزاز وهو سيكون أكثر جوهرية من السلام مع الأردن ومصر لأنه سيحقق سلاما في كل الشرق الأوسط”.
لقاءات سرية في الأردن
وفي إطار استعراضه للمسيرة التي انتهت بتوقيع اتفاقية السلام مع الأردن في 1994 قال ياتوم إن كافة رؤساء حكومات إسرائيل منذ غولدا مئير التقوا العاهل الأردني الراحل الملك حسين خلسة لكن العلاقات الثنائية ازدهرت مع الأردن في فترة حكم إسحق رابين.
وأضاف: “غضب الملك حسين لسماعه عن المفاوضات السرية في أوسلو فزاره رابين في العقبة لإطلاعه ومراضاته وتولى الموساد ترتيب الزيارة. سافرنا في مركبة من القدس إلى المطار في تل أبيب وفي منتصف الطريق غيرنا المركبة. وصلنا على متن طائرة صغيرة لمدينة إيلات قبل أن ينقلنا قارب إسرائيلي لسفينة ملكية في البحر الأحمر نقلتنا للقصر الملكي في العقبة في إحدى ليالي أيلول/ سبتمبر 1993، وكان الحسين وشقيقه الأمير حسن في استقبالنا بحفاوة بالغة. كنا ورابين ومساعدين آخرين نرتدي بدلات رسمية لكن الملك ارتدى ملابس شبه رياضية ما زاد اللقاء حميمية. بعد دقائق كانت الملكة نور (إليزابيث نجيب حلبي) حافية في أوج جمالها تعد القهوة والمشروبات وتقدمها لنا بنفسها وكذلك وجبة العشاء فشعرنا وكأننا على مائدة طعام عائلية في ذاك اللقاء السري”.
صهر صدام حسين
وطبقا لرواية ياتوم ففي الجلسة المذكورة أبدى الملك حسين حماسا بالغا لاقتراح رابين بمساعدته على تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة بعد توتر ساد علاقاتها مع الأردن جراء تأييد الأخير للعراق في حرب الخليج الأولى.
وخلص ياتوم للقول إن العلاقات مع السعودية مهمة جدا لأن الحديث يدور عن تطبيع علاقات مع دولة عربية هي الأكبر في الجزيرة العربية وتقود “المعسكر السني” بعدما كانت ترفض أي اتصال مع إسرائيل. وتابع: “لذلك أنا سعيد جدا وشاكر لكل من ساهم في ذلك”.
من جهته اعتبر محلل الشؤون السياسية في صحيفة “معاريف” شالوم يروشالمي أن هذه زيارة مهمة ودراماتيكية، منوها أن أي جهة لم تنكر وقوعها وأنها تمت على الأراضي السعودية هذه المرة ومع ولي العهد محمد بن سلمان، لافتا إلى أن الزيارة ترتبط بالموضوع الإيراني وبالتطبيع بين إسرائيل والسعودية.