نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلها في القدس ديفيد هالبفينغر بعنوان “عالم منهك يحبس أنفاسه وأمريكا تختار زعيمها”، وقال فيه لو كان العالم له حق التصويت في انتخابات أمريكا لكانت إسرائيل من أكثر النقاط الحمر في العالم (مع الجمهوريين)، فقد منح الرئيس دونالد ترامب الهدية وراء الأخرى لحكومة اليمين المتطرف مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وانتهاء باتفاقيات التطبيع التي جعلت العالم العربي أقل عداء للدولة اليهودية.
وقال سالاي ميردور، السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، إن فوز جوزيف بايدن سيكون خسارة شخصية لبنيامين نتنياهو و”قد نخسر ما كسبناه ولن نكسب المزيد”. وعادة ما تكون الانتخابات الأمريكية محط اهتمام العالم لكن هذا العام استثنائي نظرا لتسيد ترامب الأخبار وإثارته أعصاب كل زاوية من العالم بطريقة لم يفعلها أحد في التاريخ الحديث. والعالم يعيش على أحر من الجمر لمعرفة من سيفوز في انتخابات يوم الثلاثاء بعد 4 أعوام من السياسة المتقلبة التي نفرت الحلفاء واحتقرت الأعراف.
ويعيش الألمان حالة من الهوس بشأن الانتخابات التي تحتل العناوين الرئيسية وعدد لا يحصى من تقارير بودكاست والبرامج الوثائقية بعناوين مثل “ترامب المجنون والكارثة الأمريكية”.
أما في أستراليا فيحاولون التغلب على قلقهم من الرهان على الفائز حيث تميل كل التوقعات نحو بايدن. وفي أوكرانيا يخشى المسؤولون هناك من محاولة ترامب الذي حوكم أمام الكونغرس بسبب ضغطه على رئيسها فولدومير زيلنسكي البحث عن مواد ضارة ببايدن، مقابل دعم له.
ولا توجد دولة في العالم راقبت الانتخابات الأمريكية بحس من الغضب والمظلومية مثل الصين، وهناك الكثير على المحك من التجارة إلى التكنولوجيا وفيروس كورونا، والتي أدت لتردي العلاقات إلى أدنى مراحلها منذ اعتراف واشنطن بجمهورية الصين الشعبية عام 1979.
ويأمل القادة في الصين بهزيمة ترامب وتحسن في العلاقات. ويتعاملون مع خطاب بايدن المتشدد نحو بلادهم على أنه بمثابة تحد معقد. وصور إعلام الدولة والناس العاديون في الصين السباق الانتخابي الأمريكي على أنه منافسة بين عجوزين. وتساءلت مجلة “كايجين” عن المناظرة بين ترامب وبايدن قائلة: “لماذا تبدو المناظرة بين ترامب وبايدن مثل مشاجرة في سوق مبتل”. وبدا الرئيس الصيني شي جينبينغ وكأنه يهاجم ترامب مباشرة الأسبوع الماضي: “في العالم المعاصر لم تعد القرارات من طرف واحد أو الحماية تنجح فيه”.
وفي روسيا التي توصلت المخابرات الأمريكية إلى أنها شنت حملة دعائية لدعم حملة ترامب التي أوصلته إلى البيت الأبيض، اهتم الإعلام المؤيد للكرملين بإمكانية حدوث عنف وفوضى في الانتخابات الحالية مما فتح المجال أمام المعلقين الناقدين للديمقراطية الأمريكية المتعفنة للقول: “لقد حذرناكم” أن هذا سيحدث.
وفي صحيفة “كوموسوليسكيا برافدا” جاء عنوان “هل تقترب أمريكا نحو الحرب الأهلية؟”. لكن غالبية الروس يقولون إن الفائز لا يهم. وقال صاحب محل تجاري صغير في موسكو: “كان ترامب رئيسا جيدا لنا لكن لا يهم” و”ليكن بوتين رئيسا جيدا لروسيا”. وبالنسبة للأوروبيين فإن إعادة انتخاب ترامب تعني أن الأمريكيين يتخلون عن دورهم كقائد للتحالف الغربي. فبالإضافة للتشكيك بالناتو، وصف الاتحاد الأوروبي بالمنافس للولايات المتحدة ومحاولة زرع الخلاف بين الدول الأوروبية ودعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتساؤله عن خروج ألمانيا وفرنسا منه وتشجيعه الجماعات الشعبوية.
ويخشى القادة ترامب في ولاية ثانية أقل انضباطا ويتبع نزواته في رده على التحديات مثل كوفيد-19 والذي أكد أنه سينتهي قريبا ورفضه الالتزام بالاحتياطات مثل ارتداء القناع. وانتخاب بايدن يعني بعبارات فرانسوا هايسبورغ المحلل الدفاعي الفرنسي “عودة للمدنية”.
لكن المواقف بين المسؤولين البريطانيين متناقضة في ضوء الدعم الحماسي الذي قدمه ترامب للبريكست وعلاقته مع رئيس الوزراء بوريس جونسون. ويخشى المسؤولون البريطانيون أن يهمل بايدن أولويتهم الأولى وهي اتفاقية التجارة بين البلدين.
وربما كان جونسون بحاجة للقيام بعملية إصلاح للعلاقة مع مساعدي بايدن بسبب تصريحات أطلقها ضد الرئيس باراك أوباما عام 2016. لكن الرأي العام البريطاني ليس قلقا من هزيمة ترامب الذي صمم زيارته لبريطانيا لكي تبتعد عن الاحتجاجات الشعبية ضده.
وتظهر استطلاعات الرأي دعما لبايدن بهامش كبير. لكن ترامب لديه أنصاره في أوروبا الشرقية الذين يشعرون بالدين له لأنه قوى الوجود الأمريكي على الحدود مع روسيا. ومنهم الزعيم الصربي البوسني ميلورد دوديك الذي حث الصرب في أمريكا على انتخاب ترامب.
وعلى الحدود الأمريكية- المكسيكية يتابع المهاجرون الانتخابات بترقب فهي كما يقول جويل فيرنانديز، المهاجر الكوبي، “شعاع الأمل الوحيد الذي نملكه” أي فوز بايدن. ويقول الفنزويليون إنهم يراهنون على مساعدة ترامب للمعارضة الفنزويلية التخلص من حكم نيكولاس مادورو الديكتاتوري. ويقول جوليو أوريباري، الأستاذ بجامعة ماراكيبو: “كان ترامب هو الذي ساعد على إظهار مشكلة فنزويلا وجعل العالم يهتم بما يجري هناك”.
وفي نيجيريا ينقسم سكانها المسلمون والمسيحيون حول الانتخابات. وبحسب القس جوزيف هاياب، مدير الجمعية المسيحية، فستدق أجراس الكنائس يوم الأحد دعما لترامب لأنه “جلب المسيحية إلى البيت الأبيض”.
وبالنسبة للرئيس الكوري الجنوبي مون جاي- إن والذي ساعد في فتح العلاقات الأمريكية مع كوريا الشمالية وزعيمها كيم جونغ- أون فإن فرصة صفقة تظل أحسن مع ترامب بدلا من مدخل بايدن. ولكن الرأي العام الكوري قلق من تملق ترامب “لديكتاتور أعدم خاله وقتل مواطنا كوريا جنوبيا وفجر كامل مكتب التنسيق”، كما يقول شيون سيؤونغ وون، مدير المعهد الكوري للوحدة الوطنية: “صدم ترامب الكوريين الجنوبيين وأكثر من مرة ووضعهم في حالة من التأهب”.
وتظهر الاستطلاعات أن الرأي العام يفضل بايدن بنسبة أربعة لكل واحد. وواصل ترامب استعداء العالم قبل الانتخابات حيث توقع ضرب مصر سد النهضة الإثيوبي بشكل فاقم التوتر بين البلدين. ويدعم معظم الإثيوبيين بايدن لكن ياسر رزق الصحافي المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وصفه ترامب مرة بـ”ديكتاتوري المفضل” يرى أن المصريين يدعمون ترامب و”للأسف ليس لنا صوت”.
ولكن فوز بايدن سيجعل قادة السعودية ومصر وتركيا بدون أصدقاء في واشنطن. وربما دفع هذا السعودية التي وصفها بايدن بالدولة المارقة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل في محاولة لمنع إدارة بايدن تقييم العلاقات مع السعودية. وبشكل مماثل لا يمنح فوز بايدن الكثير من الضمانات. وحتى بولاية ثانية لترامب فلربما اندفع للتفاوض مع إيران، خاصة أنه أعطى الجماعات الإنجيلية المؤيدة لإسرائيل ما تريده. ويرى ميردور سالاي السفير السابق أن ترامب كان بالتأكيد جيدا لإسرائيل لكن الأخيرة تعامت عن حقيقة تراجع القيادة الأمريكية في العالم وخلال السنوات الماضية: “ما تهتم به إسرائيل هو أمريكا قوية”.