رأى إيتاي ماك، الكاتب والمحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان وتجارة الأسلحة الإسرائيليّة، أنّه خلال التحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا، تمّ تسليط الضوء على الجيش الإسرائيليّ، مُضيفًا أنّ الموساد ومنذ بداية الحرب الأهلية عام 1975، كان المسؤول الأوّل والأخير عن ملف العلاقات مع الميليشيات المسيحية. وأوضح في مقالٍ نشره في صحيفة (هآرتس) العبريّة، أنّ هذا ما عززته لاحقًا لجنة كوهين الرسميّة التي تشكلّت عام 1982 لفحص تورّط إسرائيل بالمجزرة، حيث جاء في أحد وثائقها:”كانت العلاقة مع الكتائب مسؤولية جهاز الموساد، فقد أقام ممثّلو الموساد وعلى مدار سنواتٍ طويلةٍ علاقاتٍ وثيقةٍ مع قيادة الكتائب”.
وأردف: قام الموساد بعملية دعم الميلشيات المسيحيّة اللبنانيّة خلال الحرب الأهليّة من خلال حرصه على مصالح إسرائيل، وشمل الدعم: تقديم الأموال، الإرشاد، التدريبات، الأسلحة، المعدات الإلكترونية اللازمة، وذلك رغم علم الموساد بضلوع أعضاء هذه الميليشيات بجرائم بحق نشطاء سياسيين ومدنيين ينتمون لمجموعات سياسية، دينية، قومية وإثنية معادية.
واستذكر الكاتب أنّ الجنرال (احتياط) عاموس غلعاد صرح في مقابلة مع هآرتس (6.05.20) حين سُئل حول الموضوع قائلاً: “كان في صفوف المليشيات أشخاص مُرعِبين كسمير جعجع، بعينيه الجاحظتين المليئتين بالموت.. وكان بشير الجميّل محاطًا بأشخاص كإيلي حبيقة الشرير القاتل… كان حبيقة شخصًا قاسيًا ارتكب جرائم لا تغتفر”. وأضاف غلعاد إنّه حاول دون جدوى التحذير من الخطر الكامن وراء توطيد العلاقة مع الميليشيات المسيحيّة، وقال: “كنت اصطدم بجدارٍ منيعٍ في كلّ مرّةٍ أحاول فيها التحذير من مغبة هذه العلاقة. فقط كان الموساد مسؤولاً عن ملف العلاقات مع الكتائب، وكان فوق كل نقد”.
وساق الناشِط الإسرائيليّ قائلاً: حمّلت لجنة كوهين كبار المسؤولين الإسرائيليين “المسؤولية غير المباشرة” عن مجزرة صبرا وشاتيلا، ولكنها تطرّقت فقط إلى مسؤليتهم عن قرار منح الكتائب تصاريح الدخول إلى هذه المخيمات دون إشراف كافٍ ودون اتخاذ أيّ إجراءاتٍ لوقف المجزرة قبل وقوعها. لكن بنظري كان على اللجنة أنْ تناقش “المسؤولية غير المباشرة” عن المجزرة.
ولفت إلى أنّه كان على هذه اللجنة تناول الدعم المستمر الذي قدّمه الموساد للميليشيات المسيحية خلال السنوات التي سبقت مجرزة صبرا وشاتيلا. فلم تردع وحشية أعضاء الميليشيات المسيحية، الموساد عن تقديم دعمه لها. حيث قال رئيس الموساد ناحوم إدموني حينها: “فَعَلَ الموساد كلّ ما بوسعه لتناول قضية التعاون هذه بشكلٍ موضوعيٍّ قدر الإمكان، ولكنه وبحكم كونه مسؤولًا عن ملف العلاقات، أثرت علاقات عامليه الشخصية على سير عمله. فقد نشأت علاقات شخصية وثيقة بين جميع الأطراف.
وقال الكاتب أيضًا إنّ غطرسة وبلادة الموساد تنعكِس في أقوال رئيسه المتعلقة بتورّط إسرائيل في لبنان ودعم الموساد للميليشيات المسيحية أيضًا، ففي تقريرٍ وثقته ملّفات وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، ونُشِر على موقع أرشيف الدولة العبريّة (15.6.1982)، والذي تناول ايجابيات وسلبيات “تصفية منظمة التحرير الفلسطينية” شمل ذلك ما يسمى “بالتصفيات الجماعية”، وأوضح التقرير أنّه لن يتناول جوانب الموضوع الأخلاقية، إنّما الجوانب السياسية- الدعائية البحتة فقط. وعليه وبنظر التقرير الإسرائيليّ الرسميّ كانت ايجابيات التصفيات الجماعية، أنها ستشكل رادعًا للإرهاب الفلسطيني، وستدعم سياسات إسرائيل بالضفة الغربية وقطاع غزة، كما ستلغي التزام الفلسطينيين تجاه منظمة التحرير الفلسطينيّة، أمّا السلبيات فتطرّقت إلى تعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في العالم، والإضرار بمكانة وصورة إسرائيل عالميًا وتعزيز مقارنة أفعال إسرائيل في لبنان بأهوال المحرقة النازية.
وشدّدّ الناشط الإسرائيليّ على أنّه الآن وبعد مرور أربعين عامًا على مذبحة صبرا وشاتيلا، حان الوقت لكشف الستار عن تورط الموساد بالجرائم التي حدثت في لبنان. ليس فقط لتحقيق العدالة لضحايا الميليشيات المسيحية والحرب الأهلية، إنما أيضًا لفتح باب النقاش واستخلاص العبر التي من شأنها منع الموساد ودولة إسرائيل من دعم قوات أمنية وميليشيات ترتكب الفظائع والأهوال حول العالم.
وفي سياقٍ مُتصّلٍ، أوضح الناشِط الإسرائيليّ أنّه في التقرير الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في كانون الثاني (يناير) 2016، جاء أنّ صفقة أسلحة تمّت تحت رعاية جهاز الأمن العام (الشاباك) في جنوب السودان، وانطوت هذه الصفقة على تجاوز لآليات شراء الأسلحة الرسمية المتبعة في جنوب السودان. فقد اقتنيت في صيف- 2013 بنادق آي.أم. آي جليل، ومن ثمة سُلّمت هذه الأسلحة لميليشيا الحكومة التي أجرت تدريباتها في مزرعة رئيس جنوب السودان الخاصة، واستخدمت الميليشيا بتاريخ 15.12.2013 هذه البنادق، لارتكاب مجزرةٍ بحقّ أبناء قبيلة النوير في العاصمة جوبا والمنطقة المجاورة لها، وكانت هذه المجزرة بمثابة الشرارة الأولى التي أعلنت بدء اندلاع الحرب الأهلية في السودان، وفق تقرير مجلس الأمن الدوليّ.
واختتم المحامي ماك مقاله بصحيفة (هآرتس)، والذي ترجمته الصحيفة إلى العربيّة، اختتم بالقول إنّ المحكمة العليا الإسرائيليّة ستنظر قريبًا في التماسين اثنيْن يدعو الأول لفتح تحقيقٍ جنائيٍّ ضدّ مسؤولين إسرائيليين باعوا بنادق استخدمتها السودان في مجزرة وقعت في جنوب البلاد، ويدعو الثاني للكشف عن مستندات دعم الموساد للميليشيات المسيحيّة التي ارتكبت أفظع الجرائم خلال الحرب الأهلية في لبنان، على حدّ تعبيره.