كيف بدت مسيرة إسرائيل تجاه الاستيطان في الضفة الغربية من “أوسلو” حتى الآن؟

الجمعة 09 أكتوبر 2020 09:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
كيف بدت مسيرة إسرائيل تجاه الاستيطان في الضفة الغربية من “أوسلو” حتى الآن؟



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: شاؤول ارئيلي "أمر رئيس الحكومة قبل أسبوعين بانعقاد مجلس التخطيط الأعلى للإدارة المدنية بهدف المصادقة على بناء واسع في يهودا والسامرة – بحجم 5400 وحدة سكنية في عشرات المستوطنات. من الواضح أنها خطوة – بعد أن جمد تخطيط البناء في يهودا والسامرة منذ شباط الماضي لعدم المس بالاتفاقات مع الإمارات والبحرين – هي ثمن سياسي للبقاء. ولكنها خطوة أخرى في مسيرة الحماقة لاستمرار البناء في المستوطنات، التي هي تبذير عظيم للموارد على حساب المجتمع في إسرائيل، من خلال تعميق الوهم بأن سيكون بالإمكان إملاء اتفاق سلام على الفلسطينيين وإنهاء النزاع مع ضم كل المستوطنات لإسرائيل.

القليلون سيحاولون أن يشرحوا “المنطق” في خارطة “مبادرة ترامب” التي تم تبنيها بشدة من قبل نتنياهو – التي تفرض على إسرائيل وعلى الجيش الإسرائيلي بناء وحماية لحدود جديدة، أطول بثلاث مرات من كل حدود إسرائيل الأخرى – بتبريرات أمنية أكل الدهر عليها وشرب. كثيرون آخرون سيشيرون إلى السبب الرئيس وهو الرغبة في منع إخلاء للمستوطنات أو أي بؤر استيطانية غير قانونية، من أجل إعاقة تطبيق حل الدولتين. امتدت الحدود إلى مسار وطول غير منطقيين من أجل ضم عشرات المستوطنات الصغيرة والمعزولة، وخلق 17 جيباً إسرائيلياً في المنطقة الفلسطينية و43 جيباً فلسطينياً في المنطقة التي سيتم ضمها لإسرائيل. الحدود المهووسة هذه ولدت من أجل تقديم ثمن سياسي للمسيحانيين – القوميين المتطرفين في الليكود ومن هم على يمينه، الذين يؤمنون بوصية “عليك أن ترث البلاد”. أو من أجل تقديم رد على مخاوف جزء من الجمهور من “حرب أهلية”، التي ستشعل إخلاء قسرياً لعدد كبير من المستوطنين. هذا الوضع يشجع رافضي الاتفاق الدائم على مواصلة واستثمار أفضل أموال الدولة في توسيع المستوطنات بشكل عام، خاصة المعزولة منها، والمس بالتواصل الجغرافي الفلسطيني.

حتى التوقيع على اتفاق أوسلو في 1993 فإن معظم الجمهور لم ير أي عيب في المستوطنات وحتى برر إقامتها، بسبب الرفض الفلسطيني للاعتراف بإسرائيل على قاعدة القرارات الدولية والتوقيع معها على اتفاق سلام. منذ أن وقعت إسرائيل على “أوسلو”، القائم على قرار 242 الذي معناه عودة إلى خطوط 1967، كان واضحاً لكل رؤساء الحكومة والوزراء بأنه عندما يستجيب الفلسطينيون للحاجات الأمنية لإسرائيل بواسطة ترتيبات وظيفية، على شاكلة الاتفاقات مع مصر والأردن (كما فعلوا بالفعل)، فسيكون التحدي والعائق الأكبر أمام التوقيع على الاتفاق الدائم هو مستقبل المستوطنات.

إذا كان الأمر كذلك، فكيف عملت حكومات إسرائيل فيما يتعلق بعائق المستوطنات منذ التوقيع على اتفاق أوسلو؟ هل -حسب ما يدعي الفلسطينيون- عملت كل ما في وسعها لتضخيم هذا العائق لزيادة المساحة التي ستضم إلى إسرائيل على حسابهم، أم ما هو أخطر من ذلك – خلق واقع يعتبر في نظر الجمهور الإسرائيلي كواقع لا يسمح بحل الدولتين بثمن وطني معقول؟ أو أنها عملت من أجل تقليص تأثير هذا العائق على احتمالية التوصل إلى تسوية؟ سنركز على هذه المسألة في منطقة يهودا والسامرة، لأن الإسرائيليين تم إخلاؤهم من قطاع غزة في 2005، وفي القدس وافق الطرفان في الماضي على تقسيم شرقي القدس على قاعدة ديمغرافية.

في العام 1993، بعد 26 سنة على الاحتلال والمستوطنات، كان يعيش في منطقة يهودا والسامرة 110 آلاف إسرائيلي (2 في المئة من إجمالي سكان إسرائيل) الذين 75 في المئة منهم كانوا يعيشون في كتل وبمحاذاة الخط الأخضر، أي حسب افتراض تبادل المناطق الموافق عليه من قبل الفلسطينيين فإن تحدي الإخلاء الإسرائيلي شمل فقط 27 ألف شخص، أو 6500 عائلة. يشكل هذا العدد حوالي نصف في المئة من سكان إسرائيل، أو ثلث عدد الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم في مناطق ج – ومن يطالبون بضمهم مستعدون لإعطائهم حتى الجنسية الإسرائيلية. كانت هذه أرقاماً مرفوضة تماماً من الناحية الوطنية؛ لأن إسرائيل استوعبت في نفس العقد مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي سابقاً.

كيف تصرفت حكومات إسرائيل في الفترة الواقعة بين التوقيع على اتفاقات أوسلو وحتى المباحثات على الاتفاق الدائم في كامب ديفيد 2000 – وهي سبع سنوات توزعت بين نتنياهو وإسحق رابين، وشمعون بيرس وإيهود باراك؟ وقد أدت إلى زيادة تبلغ 80 ألف إسرائيلي ليهودا والسامرة (زيادة تبلغ 73 في المئة). 62 في المئة منهم نتيجة الهجرة من مناطق الخط الأخضر. في كامب ديفيد اقترح باراك ضم 13 في المئة من الضفة مع 156 ألف نسمة الذين يشكلون 82 في المئة من إجمالي الإسرائيليين في يهودا والسامرة. إذا كان الأمر كذلك فقد أضيف للإخلاء المستقبلي -حسب موقف إسرائيل نفسها وبمسؤوليتها- 7 آلاف نسمة أو 1700 عائلة (زيادة تبلغ 20 في المئة).

حتى العام 2001 ارتفع عدد الإسرائيليين في يهودا والسامرة إلى 201 ألف. وعلى خلفية الانتفاضة الثانية هبط عدد القادمين من مناطق الخط الأخضر إلى 30 في المئة من إجمالي الزيادة السنوية في عدد الإسرائيليين في يهودا والسامرة. في محادثات طابا التي جرت في السنة نفسها، عرض باراك أن يضم لإسرائيل 6 – 8 في المئة من الأراضي مع 145 ألف إسرائيلي (72 في المئة)، الأمر الذي زاد عدد المتوقع إخلاؤهم إلى 56 ألف شخص – أكثر بضعفين مما كان في 1993. وعرض الفلسطينيون ضم 3 في المئة من الأراضي مع 96 ألف إسرائيلي فقط وإخلاء الـ 105 ألاف المتبقين.

في أثناء المحادثات في أنابوليس 2008 وبعد سبع سنوات أخرى، توزعت بين رؤساء الحكومة اريئيل شارون وإيهود أولمرت، فإن عدد الإسرائيليين في يهودا والسامرة ارتفع مرة أخرى بـ 90 ألفاً (زيادة تبلغ 44 في المئة مقارنة مع 2001)، ووصل إلى 291 ألف شخص. 32 ألف منهم نتيجة الهجرة من داخل الخط الأخضر (36 في المئة). اقترح أولمرت في المفاوضات ضم 6.5 في المئة من أراضي الضفة مع 211 ألف إسرائيلي وإخلاء 80 ألف مستوطن – وهو ثلاثة أضعاف مما طلب من إسرائيل في 1993. في الاقتراح الفلسطيني قفز عدد الإسرائيليين الذين كان يجب إخلاؤهم إلى 176 ألف شخص.

عقد كامل تحت حكومة نتنياهو رفع عدد الإسرائيليين في يهودا والسامرة في نهاية 2018 إلى 428 ألفاً؛ أي زيادة تبلغ 47 في المئة منذ أنابوليس. ضوعفت نسبتهم مقارنة بسكان إسرائيل بمرتين ونصف من نسبتهم في 1993 وبلغت 4.8 في المئة. يجب التأكيد أنه في العقد الذي كان تحت ولاية نتنياهو، ورغم الهدوء النسبي، انخفضت نسبة الهجرة من مناطق الخط الأخضر إلى يهودا والسامرة بالتدريج لـ 20 في المئة من مجمل الزيادة، في حين قفزت الزيادة الطبيعية في يهودا والسامرة – نصفها في “موديعين عيليت” و”بيتار عيليت” –بالتدريج إلى 80 في المئة من مجمل الزيادة. الوسط المتدين، الذي كان 6 آلاف شخص فقط من أبنائه يسكنون في يهودا والسامرة في 1993 (5.5 في المئة من إجمالي الإسرائيليين في يهودا والسامرة)، تحول إلى “محرك النمو” لسكان المستوطنات. في 2018 وصل عددهم إلى 150 ألف شخص (35 في المئة من السكان الإسرائيليين في يهودا والسامرة)، وخلال عقد يتوقع أن يصل عددهم إلى نصف إجمالي الإسرائيليين في يهودا والسامرة. أكثر من نصف التصاريح الجديدة للوحدات السكنية (2929) ستخصص للمدينة الأصولية “بيتار عيليت”. وإذا فحصنا اقتراح أولمرت في 2008 في ضوء الواقع الحالي فإن المطلوب من إسرائيل في نهاية المطاف، حسب موقفها وبمسؤوليتها، أن تخلي 114 ألف إسرائيلي؛ أي عدد يفوق مجمل عدد الإسرائيليين الذين كانوا يسكنون في يهودا والسامرة في 1993، وهو اكبر بـ 4.2 أضعاف من عدد الإسرائيليين الذين كان يجب إخلاؤهم في 1993.

من هذا التحليل يتضح أن إسرائيل، بكل رؤساء حكوماتها، اختارت سياسة أدت إلى تضخيم العائق الذي يكتنف إخلاء إسرائيليين، وذلك عن طريق تمكينها وتشجيعها للهجرة والبناء وتوسيع المستوطنات بشكل عام، والمستوطنات المعزولة الواقعة خارج الكتل الرئيسية بشكل خاص. رؤساء الحكومة فعلوا ذلك لأسباب مختلفة: اعتقد باراك بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق دائم في عهده، لهذا ليس هناك معنى لزيادة 2000 شخص سيتم إخلاؤهم. ورأى نتنياهو في زيادة المستوطنين أداة للقضاء على حل الدولتين وإقناع الجمهور أنه بالإمكان فرض حكم ذاتي ثقافي على الفلسطينيين.

زاد عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية منذ اتفاق أوسلو بـ 289 في المئة، في حين كانت نسبة زيادة عدد السكان في دولة إسرائيل كلها 68 في المئة. بكلمات أخرى، في الـ 26 سنة الأخيرة، من حرب الأيام الستة وحتى اتفاق أوسلو، ازداد عدد المستوطنين بـ 4 آلاف شخص في كل عام بالمتوسط. أما بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، في الـ 27 سنة التي مرت منذ ذلك الحين، فقد أضيف 12 ألف شخص في كل سنة بالمتوسط. فضلت إسرائيل المستوطنات حتى على شرقي القدس، هناك زاد عدد الإسرائيليين من 115 ألف شخص في 1993 إلى 218 ألف شخص في 2018 (زيادة تبلغ 89 في المئة).

في العقد الماضي، تحت حكم نتنياهو، جاء أساس البناء في المستوطنات المعزولة، وصادقت الحكومة على مليارات الشواقل لتحسين الشوارع التي توصل إليها. وفي إطار المصادقات الجديدة، خصص نحو 2000 شقة للمستوطنات المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية، مثل “عيلي” (629)، و”شيلو” (141)، و”هار براخا” (286)، و”بني كيدم” (120)، و”عيناف” (181)، و”شمعة” (21). لو جمدت إسرائيل توسيع المستوطنات المعزولة، فإن التحدي الذي كان يقف أمامها خلال المفاوضات لإخلاء سكانها، كان سيتقلص من ناحية وزنهم النسبي من إجمالي عدد السكان الإسرائيليين في يهودا والسامرة. عدد سكان الـ 17 جيباً إسرائيلياً الموجودة في خطة ترامب – التي ستدمر التواصل الجغرافي الفلسطيني في كل سيناريو، والتي كانت معدة للإخلاء على يد شارون في إطار خطة الانفصال – كان 5100 شخص في 1993، وهو عدد تضاعف بأكثر من ثلاث مرات حتى 2018 – ووصل إلى 16400 شخص.

رغم كل الخطوات، فإن هذه السياسة التي تعد عديمة المسؤولية الوطنية، فشلت في خلق واقع ديمغرافي وجغرافي قد يفرض على الفلسطينيين مبادرة ترامب، أو أي اقتراح آخر غير قائم على تبادل الأراضي بنسبة 1: 1، أو يمنع تواصل جغرافي لأراضي الدولة الفلسطينية ويمس بنسيج حياة سكانها. كمت أنها لم تنجح في تغيير سياسة الدول العربية، أو حتى التي وقعت معها على اتفاقات مؤخراً، أو حتى سياسة دول العالم. كل هذه ما زالت ترى في خطوط 1967 أساساً للحدود المستقبلية، مع تبادل أراض بنسبة 1: 1. لم تنجح هذه السياسة حتى في إلغاء احتمالية حل الدولتين؛ لأن إسرائيل ستبقي تحت سيادتها 80 في المئة من الإسرائيليين الذين يسكنون خلف الخط الأخضر في أقل من 4 في المئة من أراضي الضفة. ويمكنها استيعاب من سيتم إخلاؤهم من ناحية السكن والتشغيل.

سياسة توسيع المستوطنات في يهودا والسامرة كانت وما زالت غالية بشكل مروع على دولة إسرائيل في المجال الأمني والاقتصادي والاجتماعي. معظم قوات الأمن في الضفة مشغولة بحماية المستوطنات ومحاور الحركة إليها. وكذلك منع إرهاب “تدفيع الثمن”. وستضطر إسرائيل في كل سنة إلى زيادة دعم المستوطنين الذين يهبط تصنيفهم بالتدريج إلى أسفل السلم الاجتماعي – الاقتصادي. كلما مر الوقت، فإن هذه السياسة لا تحقق أي شيء باستثناء زيادة الثمن الذي ندفعه اليوم والذي سيكون علينا دفعه في المستقبل.