هآرتس- بقلم: نير حسون "مرت سنتان على تعيين عدنان غيث من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس محافظاً للقدس. غيث (46 سنة) من قرية سلوان في شرقي القدس، اعتقل في السنتين الأخيرتين 18 مرة من قبل الشرطة، إضافة إلى عشرات المرات الأخرى التي تم احتجازه فيها واستدعي للتحقيق. تم التحقيق معه في معظم الحالات لخرق “قانون التطبيق” وفق اتفاقات أوسلو الذي يحظر نشاط السلطة الفلسطينية في القدس. ولكن لم يتم تقديم لائحة اتهام ضده في أي من هذه المرات. وفي كل مرة يمثل فيها أمام القاضي يطلق سراحه، خلافاً لموقف الشرطة".
في موازاة التحقيقات الجنائية، بدأت السلطات في إسرائيل بفرض قيود إدارية على غيث استناداً إلى تعليمات الطوارئ. حتى اليوم مفروض عليه أربعة أوامر إدارية، وقعها قائد قيادة الجبهة الداخلية، الجنرال أوري غوردن. أحد هذه الأوامر يحظر على غيث التواجد في أي مكان آخر في شرقي القدس باستثناء الحي في سلوان. وتتضمن الخارطة المرفقة بالأمر مسار سفر، هو الطريق الوحيدة الذي يسمح لغيث فيه بالخروج من سلوان.
وثمة أمر آخر يحظر عليه الاتصال مع 51 شخصية، منها عباس وكبار رجال السلطة، وأشخاص آخرون، حسب قوله، لا يعرفهم مطلقاً. وهناك أمر ثالث يحظر عليه المشاركة في مناسبات مختلفة وفي مظاهرات وفي جمع الأموال. والأمر الرابع يحظر عليه دخول مناطق الضفة الغربية. في أحد الأوامر “كتبوا بأنني أعرض القدس للخطر. وفي أمر آخر كتبوا أنني أعرض المناطق للخطر. فأين يريدون مني الوقوف، بين السماء والأرض؟”، تساءل غيث في مقابلة مع “هآرتس”. “يجب علي الذهاب إلى عيادة المرضى، لكني لا أستطيع. وأنا أيضاً لا أستطيع أخذ ابني إلى المدرسة أو الذهاب للصلاة في المسجد لأنهما خارج الخارطة. لم أشارك في حفل زفاف شقيقي أو في جنازة زوجة والدي أو في جنازة عمي”، قال غيث.
تحقيقات في غرفة 4
خلافاً للمحافظين السابقين، وهم ثمانية من النخبة الفلسطينية، فإن غيث نما من الأسفل. المرة الأولى التي اعتقلته فيها إسرائيل كانت في الانتفاضة الأولى وعمره 13 سنة. بعد ذلك اعتقل وقضى عقوبة بالسجن، بعضها إداري وبدون محاكمة بسبب نشاطات سياسية. وقد قفز في حركة فتح وأصبح سكرتير الحركة في القدس إلى أن تم تعيينه محافظاً قبل سنتين تقريباً.
حسب أقواله وأقوال محاميه، رامي عثمان، فإن اتفاقات أوسلو تعترف بالعلاقة بين السلطة الفلسطينية وسكان شرقي القدس. ويحق للسلطة أن يكون لها محافظ يتولى شؤون المواطنين الفلسطينيين في المدينة. والدليل على ذلك هو أن غيث ليس المحافظ الأول للسلطة في القدس. فمنذ 1994 تم تعيين محافظين، لكن لا أحد منهم شغل كثيراً جهاز الأمن مثلما فعل غيث. وحسب تقدير كثيرين في شرقي القدس، فإن سبب المعاملة المتشددة تجاهه من جانب الشرطة والشاباك هو اعتباره أحد الزعماء القلائل في شرقي القدس الذين لهم قوة سياسية كبيرة في الشارع.
في ظل غياب الانتخابات أو المؤتمرات السياسية التي يمنع الشاباك والشرطة إجراءها، من الصعب تقدير قوته؛ لكن توجد حوله دائما جماعة من المؤيدين. “يمكن أن تكون على حق”، قال عندما سئل عن قوته في الشارع المقدسي. “لكن هذه القوة، هل أستخدمها ضد القانون؟ هذا هو السؤال. إذا كان هناك أشخاص يحترمونني ويحبونني، فماذا تريدون مني؟”.
معظم اعتقالات غيث تمت في الساعات المتأخرة في الليل، بعض منها تضمن تفتيش المنزل. “يأتون الساعة الثالثة فجراً وأحياناً في الثانية وأحيانا في الرابعة. ذات مرة جاءوا الساعة الثامنة صباحاً”، قال. “ابني ابن الـ 12 سنة يعرف أسماء جميع المحققين مع الأقليات في القدس”. تجري الاعتقالات رغم أن غيث يمثل للتحقيق في المسكوبية في كل مرة يتم استدعاؤه فيها، كما أشار إلى ذلك عدد من القضاة الذين مثل أمامهم. بعد الاعتقال، أخذ للتحقيق في غرفة 4، وهي غرفة التحقيق مع قسم الأقليات في لواء القدس، المعروفة لسكان شرقي القدس. هناك تم التحقيق معه بتهمة خرق السيادة الإسرائيلية في القدس.
حتى الآن، أثمر الضغط الكبير للشرطة نتائج بائسة جداً من ناحية الأدلة ضد غيث. ليس فقط أنه لم تقدم ضده أي لائحة اتهام، بل لأن القضاة رفضوا طلب الشرطة تمديد اعتقاله في كل المرات الاعتقال. في كل الحالات باستثناء حالة واحدة، أطلق القضاة سراحه خلافاً لموقف الشرطة. وفي إحدى المرات، أمرت القاضية بإطلاق سراحه قبل انتهاء الـ 24 ساعة الأولى على اعتقاله، وهذا أمر استثنائي جداً. ومرة أخرى اعتقل بسبب نشاط تعقيم نفذه نشطاء فلسطينيون في الفضاء العام في شرقي القدس. قالت الشرطة إن هذه نشاطات للسلطة الفلسطينية. ولكن القاضي الذي أطلق سراحه قال إن هذه النشاطات لم تنحرف عن تعليمات وزارة الصحة. كان الاعتقال الأطول في تموز الماضي، إذ يتهمه الشاباك بأنه كان متورطاً في عملية خطف وتآمر على تنفيذ جريمة وتجنيد إسرائيلي لقوات الأمن الفلسطينية. قضاة الاعتقالات تأثروا بالأدلة التي قدمها الشاباك وتم تمديد اعتقاله ثلاث مرات. ولكن في النهاية أطلق سراحه بدون شروط مقيدة وبدون لائحة اتهام. وحسب قوله، هو لا يعرف أبداً الشخص الذي قيل بأنه اختطف.
“كل شخص التقاه دخل القائمة”
حالياً يتم استبدال الاعتقالات بالقيود الإدارية على خطوات غيث.. عن الأمر الذي يمنعه من إجراء اتصال مباشر أو غير مباشر مع 51 شخصية، وحتى الذين -حسب قوله- لا يعرفهم، ويمكن أن يلتقيهم بالصدفة، قال: “طلبت من بعض الأشخاص بأنه إذا كان أحد ما يعرفهم فليخبرني بهم كي أحذرهم”. “كل شخص التقى معه، بعد شهر دخل القائمة. لم يكن هناك شيء مثل هذا في تاريخ الدولة”، قال المحامي عثمان. “على الأقل 15 قاضياً شاهدوا المواد التي قدمتها الشرطة، وقرروا بالإجماع أن ليس هناك مبرر لمواصلة اعتقاله بعد 24 ساعة. وأحياناً حتى هذا لم يسمحوا به للشرطة. لا تستطيع أن تفصل شرقي القدس عن السلطة. طالما أن الشخص لا يرتكب مخالفة، فلماذا يحظر عليه القيام بنشاطات اجتماعية؟ في نهاية المطاف، تعترف إسرائيل بالسلطة الفلسطينية، وكذلك يرون أن المنطقة اليوم هادئة. سلوان هادئة، مخالفاته هي نشاطات اجتماعية. كل هذه الاعتقالات بهدف إهانته. يريدون منه الاستقالة من وظيفته”.
حسب أقوال غيث، إن التنكيل المتواصل به هو نتيجة الضعف وعزلة السلطة الفلسطينية أمام إسرائيل في عهد ترامب. “إسرائيل تلقت ضوءاً أخضر بأنها تستطيع أن تفعل كل شيء، وهنا في القدس، الناس يدفعون الثمن الأعلى لهذه السياسة”، قال، وأضاف: “يجب أن تتصرفوا بصورة أكثر عقلانية. ليس فقط بالقوة. الناس يعيشون هنا. ماذا يفيد استخدام المزيد من الضغط عليهم. إلى أين تريد أن تصل؟”.
من شرطة إسرائيل وردنا: “محاولة عرض نشاطات إنفاذ القانون التي يتم القيام بها طبقاً للقانون في ضوء آخر، هي عملية تشويه ومجانبة للحقيقة. استناداً إلى دور شرطة إسرائيل وسلطة إنفاذ القانون في تطبيق القانون ومنع أي نشاط سياسي رسمي للسلطة الفلسطينية في دولة إسرائيل، نعمل وسنواصل العمل ضد أي جهة تعمل خلافاً للقانون في هذا السياق. وطبقاً لذلك، تم التحقيق مع المتهم في كل مرة اشتُبه بخرقه القانون، وفي نهاية التحقيقات نقلت الملفات للاطلاع عليها واتخاذ قرارات بشأنها من قبل النيابة العامة، كما هو متبع. كما أشرنا في السابق، فإن إطلاق سراح المشبوه من الاعتقال خلال التحقيق لا يدل على أنه بريء ولا يدل على نتائج المحاكمة بشأنه. سنواصل تطبيق قوانين دولة إسرائيل في كل وقت وفي كل مكان”.