فورين بوليسي: إيران تعلمت من “خطأ القذافي القاتل” ولهذا قاومت ضغوط ترامب

الإثنين 21 سبتمبر 2020 10:29 م / بتوقيت القدس +2GMT
فورين بوليسي: إيران تعلمت من “خطأ القذافي القاتل” ولهذا قاومت ضغوط ترامب



واشنطن /سما/

قال الباحث في جامعة جونز هوبكنز والي نصر إن سياسات الرئيس دونالد ترامب أقنعت إيران بضرورة بناء برنامج نووي متطور قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.

وفي مقال نشره موقع “فورين بوليسي” قال إن اعتماد واشنطن على العقوبات وإستراتيجية أقصى ضغط ستجعل من الصعوبة بمكان التوصل لاتفاق يحد من طموحات إيران النووية.

وأشار إلى أن التوبيخ الحاد الذي تلقته الولايات المتحدة في مجلس الأمن الشهر الماضي، وذلك عندما لم تقف مع واشنطن سوى جمهورية الدومينكان في محاولاتها لفرض العقوبات على إيران وتمديد الحظر على تصدير السلاح بشكل دائم، كان إشارة واضحة عن فشل إستراتيجية ترامب من إيران وعدم قدرته على تحقيق أي هدف منها.

ولم ينجح قرار الرئيس الخروج من الاتفاقية التي وقعها سلفه باراك أوباما عام 2015 واستبدالها بإستراتيجية “أقصى ضغط” والتي ضربت اقتصاد إيران بتوجيه الضربة القاضية للاتفاقية. وكلما ضغطت إدارة ترامب لقتل الاتفاقية وجدت نفسها معزولة وإيران تزداد عنادا. ويقلل نصر من إمكانية حدوث أي اختراق قبل الانتخابات الرئاسية. وربما وجدت إيران فرصة للتعاون مع الرئيس المقبل والعمل على تخفيف الضغوط على الاقتصاد. وتريد طهران من الإدارة القادمة العودة إلى اتفاقية 2015. ولكن إدارة بزعامة بايدن والتي قالت إنها ستعود لن ترضى بالاتفاقية كما هي عليه الآن بل وتريد الذهاب أبعد والتفاوض على اتفاقية أكثر شمولا.

ومع ذلك فمقامرة ترامب الفاشلة جعلت من النتيجة هذه غير محتملة. فقد استخدم ترامب خلال السنوات الأربع الماضية سلاح العقوبات ضد إيران وبشراسة غير مسبوقة. ففي يوم واحد عام 2018 فرضت إدارته 700 عقوبة على إيران. وكان عمق واتساع حرب العقوبات واضحا على صادرات النفط الإيرانية التي أصبحت بالقطارة، وقطع إيران عن المؤسسات المالية الدولية وأدخل الاقتصاد الإيراني إلى مستويات عالية من البطالة والتضخم وحرمها من المنافذ للحصول على الإمدادات الطبية الضرورية لمحاربة كوفيد-19. وكان ترامب واضحا بأن قدرة واشنطن على التسبب بالألم لطهران لا تضاهيها قوة في العالم. ولن يثمر كل هذا الاستعراض للقوة بل وسيقلل من القدرة على منع إيران من الحصول على السلاح النووي.

وأصبح استخدام ترامب العقوبات بدرجات عالية بمثابة تجاوز للسياسة أثار قلق حلفاء أمريكا وأعدائها على حد سواء. وأدى هذا ليس إلى مقاومة دبلوماسية منسقة فقط بل واستثمارات في إجراءات اقتصادية مضادة تهدف للتحايل على تفوق الدولار في السوق العالمي.

ففي الشهر الماضي شجعت الصين، مثلا، البنوك الصينية لتخفيض اعتمادها على شبكة “سويفت” التي تستخدم في العادة للقيام بالتعاملات المالية والتحويلات والتي تظل تحت السيطرة الأمريكية. وتتطلع الصين إلى الحد من قدرة الولايات المتحدة للضغط على أعدائها وحرمانهم من استخدام الشبكات المالية العالمية. ويعلق نصر أن المقاومة الدولية المتزايدة للعقوبات الأمريكية ستحد من قدرة واشنطن على حشد الدعم الدولي لضغوطها على إيران، لأن الضغط يحتاج إلى عقوبات أمريكية قليلة وليس كثيرة. فقد استخدمت إدارة باراك أوباما العقوبات لدفع إيران إلى طاولة المفاوضات.

وتوقع ترامب استخدام نفس الصيغة والتوصل لنفس النتيجة وسريعا. وفي هذه المرة أعطت الضغوط المتزايدة إيران محفزا للمقاومة. ورغم الضغوط الاقتصادية الضخمة فقد شجع ترامب إيران على مضاعفة استثماراتها في برنامجها النووي. وقررت التراجع عن عدد من التزاماتها بالاتفاقية النووية واستأنفت نشاطات التخصيب. وهناك إجماع في إيران على أنها أساءت التقدير المرة الفائتة وأنها مضت نحو طاولة المفاوضات مع الحكومة الأمريكية مبكرا وبدون أن تكون لديها ورقة نفوذ. ولهذا السبب اعتقد مسؤولو إدارة ترامب أن من السهولة الخروج من الاتفاقية النووية سريعا واللجوء إلى فرض عقوبات قاسية على إيران. ولم تتنازل واشنطن إلا عن القليل لتأمين اتفاقية 2015 وما حصلت عليه بسهولة استعادته سريعا من خلال إعادة فرض العقوبات.

ولو كان البرنامج النووي الإيراني في مراحل متقدمة لكان بإمكان طهران المطالبة بتنازلات ولأبدت واشنطن رغبة الالتزام بالمعاهدة. فالدرس الذي تعلمته إيران أن الصفقة ستنجح لو كان لدى إيران النفوذ الكافي لإجبار الولايات المتحدة لرفع العقوبات ومواصلة الالتزام بما اتفق عليه. فلم يكن 20 ألف جهاز طرد مركزي و20 طنا من اليورانيوم كافيا. وفي المرة المقبلة على إيران الذهاب إلى طاولة المفاوضات بعدد أكبر.

ويعتقد الإيرانيون أنهم التزموا بجانبهم من اتفاقية 2015. ويشيرون لعدد كبير من التقارير التي أكدت التزامها وأعدتها وكالة الأمم المتحدة التي تراقب وضع الطاقة النووية وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتعتقد إيران أن الولايات المتحدة وحتى قبل ترك المعاهدة كانت تجرجر قدميها للوفاء بشروط المعاهدة. ولم يلتفت المفاوضون الإيرانيون إلى التعقيدات القانونية في العقوبات الأمريكية وفشلوا بالحصول على ضمانات لتخفيفها وتضمينها في الاتفاقية.

أما الدرس الأكبر من الصفقة فهو أن إيران تخلت عن الكثير من الأرصدة التي بنتها وأنفقت عليها كثيرا مقابل موافقة الولايات المتحدة على إلغاء قوانين قد تصبح يوما سارية المفعول. ولم يكن هناك أي ثمن لرفع العقوبات أو إعادة فرضها، وهو ما غير الحسابات عندما قاومت إيران الضغط وطالبت أخيرا بتعويضات أمريكية لخروجها من الاتفاقية النووية وما تسببت به من الآلام اقتصادية.

وبالنسبة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي فليبيا هي درس موضوعي. فعندما وافق معمر القذافي للتخلي عن برنامجه النووي، أخبر خامنئي مستشاريه أنه ارتكب خطأ فظيعا وقد يعجل بنهاية الزعيم الليبي. ونظرا للدور الذي لعبه الغرب في الإطاحة بنظام القذافي فقد اقتنع خامنئي أن التخلي عن البرنامج النووي لا يعني إلا أنك اشتريت معاهدة لتغيير النظام في بلدك. وبات المرشد الأعلى مقتنعا أن الهدف الرئيسي من سياسة “أقصى ضغط” هي تغيير النظام. وربطت الحكومة الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية بالتدخل الخارجي. وافترضت أن إستراتيجية واشنطن تريد زيادة الضغط على الجماهير ودفعهم للتظاهر ثم دفع عملائها في الداخل لإشعال الفتيل. ويعتقد حراس الجمهورية الإسلامية أن الولايات المتحدة لم تكن لتتجرأ على استخدام هذه الإستراتيجية لو لم توقع إيران اتفاقية نووية. ومن هنا فبقاء النظام هو بمثابة الحاجز لأي تنازلات في الملف النووي إلا في حالة خفتت حالة الخوف من إستراتيجية تغيير النظام في طهران.

وفي النهاية علمت إدارة ترامب إيران وكل الدول الطامحة لدخول النادي النووي كل الدروس الخطأ. وعليها أن تنشئ برنامجا نوويا كبيرا وقويا قبل التفكير بالجلوس على طاولة المفاوضات والتخلي عن أرصدتها بشكل بطيء وإلا عادت العقوبات. وبالنسبة للولايات المتحدة فليس لديها طريق سهل نحو اتفاقية نووية أوسع مع إيران. وكل ما لديها هو العودة لاتفاقية 2015 والتعاون مع الصين وروسيا وإعادة بناء الثقة والزخم نحو اتفاقية جديدة ولإدارة الطريق الطويل للأمام.