كشف معهد الأبحاث التطبيقة "أريج" في تقرير موسع له أن سلطات الاحتلال وزعت أوامر عسكرية في تموز ونيسان الماضيين تستهدف ما مساحته 6011 دونمًا، وشملت أولاً توسيع مناطق نفوذ المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، التي كان لها النصيب الأكبر من الأوامر بواقع 2098 دونمًا، أي ما مساحته 35% من المساحة الكلية للأراضي المستهدفة بالأوامر الصادرة.
ومنذ عام 1991 أصدرت ما تُسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية مخططات هيكلية للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، شملت مناطق توسع مستقبلية للمستوطنات القائمة، مع الأخذ بعين الاعتبار اعتماد مساحات إضافية لإقامة مستوطنات جديدة.
وبلغ مجموع مساحة المخططات الهيكلية الصادرة آنذاك 486 ألف دونم، وهي سبعة أضعاف مساحة المستوطنات الإسرائيلية التي كانت قائمة حتى العام 1991 والبالغة 69000 دونمًا.
وعقب توقيع اتفاقيتي أوسلو الاولى والثانية في الأعوام 1993 و1995 على التوالي وتصنيف الأراضي الفلسطينية إلى مناطق أ، ب، ج، تجاهلت سلطات الاحتلال إصدار مخططات هيكلية للتجمعات الفلسطينية في المناطق المصنفة "ج" لتلبية احتياجاتها العمرانية ومواكبة الزيادة السكانية، بصفتها الجهة المخولة لتسيير الأمور الإدارية والأمنية.
وجعل هذا التجاهل الممنهج التجمعات الفلسطينية تحت خطر الهدم لعدم مقدرتها على إصدار التراخيص اللازمة التي تجنبها عمليات الهدم والتشريد بسبب فرض سلطات الاحتلال إجراءات طويلة ومعقدة ومكلفة على الفلسطينيين المتقدمين للحصول عليها، عدا رفض معظم الطلبات المقدمة بزعم عدم موافاة المخططات الشروط اللازمة للبناء.
والجدير ذكره أن مساحة نفوذ المستوطنات تتخطى مساحة المخططات الهيكلية الاسرائيلية الصادرة في العام 1991 للمستوطنات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وجاءت هذه الزيادة من خلال أوامر عسكرية إسرائيلية تمنح مجالس المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية السيطرة على أراض فلسطينية جديدة في الضفة، إضافة إلى تلك التي تحتلها وتلك التي تأتي تحت إطار المخططات الهيكلية الاسرائيلية لتصبح ضمن حدود المستوطنات الإسرائيلية المستقبلية، حتى بلغت المساحة التي تأتي ضمن مناطق نفوذ المستوطنات إلى 541516 دونمًا مع نهاية العام 2019، أي بزيادة مقدارها 55379 دونماً عن مساحة المخططات الهيكلية الإسرائيلية الصادرة في العام 1991.
كما شملت الأوامر العسكرية الإسرائيلية توسيع عدد من البؤر الاستيطانية في الضفة بواقع 1860 دونمًا، أي ما نسبته 31% من مجموع مساحة الأراضي المستهدفة بالأوامر، إضافة إلى الاستملاك لأغراض المنفعة العامة بواقع 1285 دونمًا أي ما نسبته 21% من مساحة الأراضي المستهدفة، إلى جانب تغيير تصنيف الأراضي من غابات إلى مناطق سكنية بهدف البناء والتوسع في المستوطنات بواقع 662 دونمًا، وأيضًا شق الطرق الالتفافية الإسرائيلية الجديدة في الضفة منها شارع حوارة الالتفافي والشارع الالتفافي رقم 60 - المقطع الجنوبي (مقطع العروب ومقطع حوسان).
القوانين العنصرية الإسرائيلية
وأشار تقرير معهد أريج إلى أن إسرائيل اعتمدت في الغالبية العظمى من الأوامر الصادرة على عدة قوانين عنصرية لتسهيل عمليات المصادرة، منها: أولاً: "أمر بشأن إدارة مجالس إقليمية (يهودا والسامرة) (رقم 783)[3], 5739-1979" الذي بموجبه تم الإعلان عن تشكيل خمسة مجالس إقليمية يهودية تشمل الضفة الغربية المحتلة (المستوطنات الاسرائيلية القائمة في الضفة الغربية المحتلة)، وثانيًا: "أمر بشأن إدارة مجالس محلية (يهودا والسامرة) (رقم 892), 5741-1981”[4] والذي تم بموجبه إنشاء مجالس محلية في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية". وثالثًا: "الاستملاك من خلال الإعلان عن الأراضي لاستعمالات عامة بأمر عسكري رقم 321 للعام 1969" والذي يفوض العسكرية الإسرائيلية الصلاحية في مصادرة أراضٍ خاصة لاستخدامات عامة (لم يتم تحديد معنى استخدامات عامة) ومن دون تقديم تعويضات للجهة المتضررة.
واستخدم الجيش الإسرائيلي القانون أعلاه بشكل رئيسي لبناء شبكة طرق للجيش في داخل المناطق الفلسطينية المحتلة، وكذلك الحال للمستوطنين الإسرائيليين الذين وفر الجيش الإسرائيلي لهم طرقاً بديلة بعيداً عن التجمعات السكنية الفلسطينية في المناطق المحتلة.
أما رابعًا: "الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 1539 للعام 2003، أمر بخصوص مبانٍ غير مرخّصة (تشريع مؤقت) (يهودا والسامرة) (رقم 1539) - 2003"، حيث أُعد هذا الأمر العسكري في الأصل لإخلاء المستوطنين الاسرائيليين من بؤر استيطانيّة أقيمت بشكل غير قانوني (بحسب التعريف الإسرائيلي) في أرجاء الضفة الغربية المحتلة، ولكنّ دولة الاحتلال الاسرائيلي تقريبًا لم تستخدم هذا الأمر لهذه الغاية إلا في حالات قليلة جدًا بل سخرته ضد المباني والمنشآت الفلسطينية التي تعتبرها إسرائيل "مباني غير مرخصة" باعتبار أنها شُيدت في المناطق المصنفة "ج"، ويسمح هذا الأمر للقائد العسكري الإسرائيلي بإعلان منطقة في الضفة الغربية "منطقة متاخمة"، وأن يأمر بإجلاء جميع الممتلكات الموجودة فيها. واستنادًا إلى هذا الأمر تم إصدار أوامر تهجير عديدة للتجمّعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
خامسًا: "الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 363 للعام 1969، الذي يخول ما تُسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية" بالإعلان عن أيّة منطقة في الضفة الغربية المحتلة "كمحمية طبيعية" أو "كمناطق طبيعية" بموجب أوامر تصدرها. وعادة يتم فرض قيود صارمة على البناء واستخدام الأراضي على هذه المناطق للمطالبة بحماية البيئة. ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967 استخدمت إسرائيل هذه الطريقة لمصادرة الأراضي التي يتم بناء المستوطنات عليها لاحقًا. علاوة على ذلك، لم يتم تحديد أي تعويض عن الأضرار، على الرغم من أنه من المفترض أن تكون المحميات الطبيعية لحماية البيئة، إلا أنها في الواقع تعتبرها السلطات الإسرائيلية جزءًا محوريًا من برنامج الاستيلاء على الأراضي، الذي يتم بناء المستوطنات عليه لاحقًا.
سادسًا: "الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 373 للعام 1970 الذي يعطي صلاحية للقائد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة بالإعلان عن مناطق معينة حدائق عامة (كما في الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 363) بشأن المحافظة على المحميات الطبيعية، إذ يخوّل هذا الأمر القائد العسكري الإسرائيلي وما تسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، بالإعلان عن منطقة ما في الضفة الغربية كمحمية طبيعية بموجب أمر يصدره في تلك المنطقة. وسخرت إسرائيل هذا الأمر العسكري الإسرائيلي لمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية بالإعلان عنها محميات طبيعية وحدائق طبيعية بحجة "الحفاظ على المناطق الطبيعية"، إلا أن هذه الإجراء جاء بهدف منع الفلسطينيين من استغلال هذه الأراضي التي تحولت خلال أعوام الاحتلال الإسرائيلي لمناطق مستوطنات إسرائيلية.
القرارات جميعها تصب في الطاحونة ذاتها
واختتم أريج تقريره بالإشارة إلى أنه منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967 استخدمت إسرائيل آلية قانونية وبيروقراطية معقدة تخطت إجراءات العدالة الطبيعية للسيطرة على جزء كبير من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، حيث أصبحت هذه الأراضي فيما بعد جزءًا من المستوطنات والبؤر الاستيطانية والقواعد العسكرية، وتكريس مساحات أُخرى لتوسيع هذه المستوطنات في المستقبل.
كانت الأداة الرئيسية التي استخدمتها إسرائيل للسيطرة على الأراضي الفلسطينية هي الأوامر العسكرية العنصرية لمصادرة الأراضي، منها لأغراض عسكرية، وأُخرى إعلان الأراضي أملاك غائبين، وأُخرى لمصادرة الأراضي لتلبية احتياجات العامة، وإعلان أُخرى محميات وحدائق طبيعية، وغيرها من الأوامر العنصرية التي استندت كل منها إلى أسس قانونية مختلفة.
وأوضح التقرير أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تسعى وبشكل ممنهج لفرض وقائع جديدة على الأرض وتوسيع مستوطناتها ومشاريعها التوسعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ضاربةً بعرض الحائط حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعيشه بحرية على أرضه.
وأكد التقرير أن ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي ما هو إلا ترجمة لمخطط الضم الاسرائيلي على أرض الواقع وتطبيق رغبة إسرائيل في التسلل بعمق، والسيطرة على المناطق الاستراتيجية والحيوية في الضفة الغربية المحتلة، وإحكام قبضتها على ومواردها وخيراتها وضمها في نهاية المطاف حتى تضمن ديمومتها كدولة احتلال، نظراً لمساحة الأراضي التي أصبحت تسيطر عليها، وما زالت تسعى للسيطرة على المزيد منها من خلال القوانين العنصرية.