ثورة تكنولوجية جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي

الخميس 23 يوليو 2020 12:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
ثورة تكنولوجية جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي



وكالات / سما /

نشرت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن النموذج الجديد للبرمجة الحاسوبية المعروف بـ"GPT-3" والذي انتشر مؤخرا وأثار الكثير من الجدل.

وقالت الصحيفة، إن هذا النموذج الجديد من التعلم الآلي، أي تعلم أجهزة الكمبيوتر تلقائيًا من تجاربها دون الحاجة إلى البرمجة، فاق التوقعات حول قدراته وحدوده، حتى أنه فاجأ مطوري النموذج أنفسهم.

وأكدت أن مواقع التواصل الاجتماعي ضجت خلال الفترة الماضية بالجدل حول نموذج "جي بي تي 3" الذي تم إطلاقه في حزيران/ يونيو، والذي أظهر قدرة فائقة على إنتاج النصوص وتقديم المعلومات للمستخدمين.

لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة حسب الصحيفة، هو أن مطوّري النموذج أنفسهم لم يكونوا على علم بقدرته على تنفيذ كل تلك المهام، ولم يقوموا ببرمجته أساسا للقيام بها.

وقد طوّرت هذا النموذج شركة أوبن أيه آي، وهي شركة أبحاث غير ربحية متخصصة في الذكاء الاصطناعي مقرها في كاليفورنيا، وساعد في تأسيسها رجل الأعمال الكندي الشهير إيلون ماسك.

ويُعتبر "جي بي تي 3" الجيل الثالث من النماذج التي طورتها أوبن إيه آي لمعالجة اللغات الطبيعية، وهي نوع من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تركز في الأساس على دراسة اللغات الطبيعية وإنتاج نصوص معقدة.

نموذج فاجأ العالم

يقول الخبير في برمجيات "التعلم الآلي" كارلوس سانتانا، إن جي بي تي 3 "هو أكبر نموذج من نوعه وقع إنشاؤه حتى الآن. والنقطة الأكثر إثارة للاهتمام هي أنه جرى تزويده مسبقا بأكثر من 175 مليار معلمة".

وحسب سانتانا، فإن قاعدة البيانات الضخمة التي يحتوي عليها هذا النموذج تجعله قادرا على القيام بمهام لا يُمكن توقعها، بل يكتشفها المستخدم عند اختباره.

ويواصل سانتانا موضحا: "يقع إنشاء هذه البرامج لمعالجة اللغات الطبيعية، وهي قادرة على كتابة نصوص مثل الإنسان، والتحدث مع الأشخاص عبر 'روبوتات الدردشة التفاعلية' وتطوير الأفكار والاستفادة من المعارف المكتسبة وتحليل البيانات. لكن الحقيقة هي أننا لا نعرف ما يتعلمه النموذج الآن، وكيف يختار المصطلحات، ولا نعرف حدوده على وجه الدقة".

وتؤكد الصحيفة أنه كان من الطبيعي أن يشكل هذا النموذج القادر على تطوير الأفكار والترجمة وإنتاج النصوص الطويلة وتقديم الإجابات على كل ما يُطرح عليه من أسئلة، مفاجأة لعامة الناس مثلما فاجأ الخبراء.

لكن الباحث المتخصص في علوم الكمبيوتر والبرمجة اللغوية العصبية خوليو غونزالو يرى أن هناك قدرا كبيرا من المبالغة في الثناء على قدرات نموذج جي بي تي 3، ويؤكد أن هذا التطور الأخير لا يعني أننا اقتربنا من الحدود النظرية للذكاء الاصطناعي.

ثورة "التعلم العميق"

يرى كل من سانتانا وغونزالو نموذج جي بي تي 3 مثالا جديدا لثورة أعمق وأكثر تعقيدا بدأت منذ سنوات. ويصفها غونزالو "بالخطوة الجديدة في عملية تطبيق التعلم العميق على معالجة اللغات الطبيعية، وهو يعد ثورة في هذا المجال".

من جانبه، يشير سانتانا إلى أن ما حدث مع إمكانات برمجة نموذج جي بي تي 3 يُطلق عليه في هذا الفرع من المعرفة اسم "التعلم من خلال لقطة واحدة". ويُفسر ذلك بأنه إذا كانت الشبكات العصبية شبيهة بالدماغ البشري، فينبغي أن تكون قادرة، مثل الإنسان، على تصنيف كائن ما دون رؤيته آلاف المرات.

ويُظهر هذا النموذج أنه حين يتلقى معلومات جديدة، فإنه يلجأ إلى ذاكرته الهائلة بهدف العثور على استجابة مناسبة، على الرغم من أن البرمجة لم تشمل هذا الخيار.

ويتساءل سانتانا قائلا: "لا أعلم ما إذا كانت هذه النماذج ستسلبنا وظائفنا على المدى القصير، لكن الأمر المؤكد هو أنها ستغير طريقة عملنا".

أما غونزالو فيبدو أكثر تشككا حول مدى فاعلية هذه التكنولوجيا: "نحن لا نعلم حدودها، ولكن من الواضح أن هذه الأنظمة ليست قريبة حتى من مفهوم الذكاء الاصطناعي العام. فهي تقلد ما بُرمجت عليه بشكل متطور جدا، دون ربط ذلك بلغة أو معنى أو دافع حقيقي. على سبيل المثال، فشل نموذج جي بي تي 3 فشلا ذريعا في إنتاج نص مفهوم".

انتقادات

يؤكد سانتانا أن الشركات الكبرى مثل فيسبوك وغوغل بدأت ترصد تمويلات ضخمة لتطوير هذه النماذج، لكن ذلك يترافق مع الكثير من الأسئلة والانتقادات.

على سبيل المثال، أنفقت شركة أوبن أيه آي حوالي خمسة ملايين دولار لتطوير نموذج جي بي تي 3. وبالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية، تُطرح مشكلة بيئية، لأن تطوير هذه البرمجيات يتطلب استهلاك كميات كبيرة من الطاقة، وهو ما يؤثر حتما على البيئة حسب ما يقول غونزالو.

كما أن هناك تحفظات وانتقادات حول استخدام هذه الأدوات في إنتاج النصوص، وهي المسألة التي أثارت جدلا واسعا. فإذا كنت قادرا على كتابة نصوص معقدة فما الذي سيحول دون انتحال صفة شخص آخر، أو تأليف قصص سيعتقد الجميع أنها صحيحة؟