هل ستنجح مجازفة الرجوب وفرصة العاروري في تحقيق المصالحة الفلسطينية؟ العميد: أحمد عيسى

السبت 04 يوليو 2020 10:43 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هل ستنجح مجازفة الرجوب وفرصة العاروري في تحقيق المصالحة الفلسطينية؟ العميد: أحمد عيسى



الكاتب هو المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

إستقبل الشعب الفلسطيني يوم الخميس الموافق 2/7/2020، إعلان حركتي فتح وحماس عن عزمهما على بدء مسار جديد لتحقيق المصالحة التي إنتظرها الشعب طويلاً،بعبارات تظهر من جهة الدعم والتأييد لهذا الإعلان، ولا تخفي من جهة أخرى اللامبالاة والشك بجدية الطرفين هذه المرة على تحقيق المصالحة، لا سيما وأن الحركتين لم تستجبن لدعوات ونداءات الشعب المتكررة بإنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية، إذ فشل الطرفين في معالجة أسباب الإنقسام وتنفيذ ما اتفقتا عليه أكثر من مرة منذ حدوث الإنقسام العام 2007.

من جهتهم لم يخف مهندسي هذه الجولة من جولات المصالحة الصعوبات والعقبات التي حالت دون تحقيق المصالحة في الجولات السابقة، والتي قد تُفشل محاولتهم هذه، ولذلك صارحوا الشعب هذه المرة منذ البداية بوصف سعيهم لتحقيق المصالحة تارة بالمجازفة طبقاً لوصف السيد الرجوب، وتارة أخرى بالفرصة طبقاً لوصف السيد العاروري، الأمر الذي يكشف أن الفجوة بين الطرفين لا زالت كبيرة وواسعة.

وكانت وثيقة المصالحة المصرية التي قُدمت للطرفين العام 2009 قد لخصت هذه الفجوة بستة محاور، دارت حول منظمة التحرير الفلسطينية، والإنتخابات، والأمن، والمصالحة الوطنية، واللجنة المشتركة، والمعتقلين.

وتختلف هذه المقالة مع توصيف هذه المحاولة لتحقيق المصالحة بالمجازفة، وترى بالمقابل ان تحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية في هذه اللحظة من الزمن التي يسعى فيها الإحتلال الإسرائيلي بالشراكة مع الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب إلى حسم صراعه مع الشعب الفلسطيني من خلال فرض الإستسلام عليه، هي ضرورة وحاجة وطنية، لا يجب البتة أن يجري التعامل معها من منطلق التجربة والخطأ، وذلك وفقاً للقاعدة المعروفة فلسطينياًبأن تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية يحتاج إلى حد أقصى من الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ولما كانت عبرة المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم الخميس الماضي تكمن في مقاصده وليس في الألفاظ والمباني التي وظفها الأخوين الرجوب والعاروري خلال مداخلاتهم وإجابتهم على اسئلة الصحفيين، ترى هذه المقالة أن الحركتين قد توصلتا الى استنتاج مفاده أنهما في مواجهة تحدي إثبات أهليتيهم في قيادة الشعب الفلسطيني وتحقيق غايتهبالتحرر والإستقلال وإقامة الدولة، مما يجعل من الفشل في تحقيق المصالحة هذه المرة، قرينة لا تقبل الدحض على أنقيادة الحركتين إنما تغتصب كل منهما موقع القيادة إغتصاباً وإدعاء، الأمر الذي يفرض عليهما الإعتراف بالفشل وإخلاء موقع القيادة لجيل أكثر أمانة في استجابته لنداء الشعب وحفظ تضحياته ومعاناته.  

وتأسيساً على ذلك فلا خيار أمام قيادة الحركتين في هذه الجولة من جولات تحقيق المصالحة، إلا النجاح والتأسيس لعلاقات فلسطينية - فلسطينية لا تسمح بعودة الفرقة والإنقسام مرة أخرى، وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة أن هذه الجولة تنطوي على أسباب شكلية وموضوعية للنجاح لم تكن متوفرة في الجولات السابقة.

فمن حيث الشكل تتجلى الأسباب في سرية الحوار الذي سبق مؤتمر يوم الخميس، ثم في فلسطينية جهود تحقيق المصالحة دون أية تدخلات خارجية، وأخيراً في المنهجيةالمستخدمة في معالجة أسباب الإنقسام.

أما من حيث المضمون فيتجلى الإختلاف في وصول مسيرة التسوية التي كانت سبباً كاشفاً للإنقسام الى نهايتها دون تحقيق غاياتها بالحرية والإستقلال، ثم في إدراك قيادة الحركتين أن اي منهما لا يمتلك الصواب لوحده، وفوق ذلكفي إدراك قيادة الحركتين لمدى تآكل الثقة الشعبية بهما.

فمن جهة السرية يدرك الفلسطينيون أن هناك أطراف غير فلسطينية وما أكثرها خاصة في هذه المرحلة من الزمنتحرص على دوام الإنقسام بين الفلسطينيين ولذلك أحاطوا جولات الحوار على بناء المصالحة بعيداً عن رادارات هذه الأطراف لتفادي ما قد تضعه من قيود وعقبات أمام تحقيق المصالحة، لا سيما وأن العالم العربي الآن مقسم إلى محاور متصارعة فيما بينها، مما يجعل المصالحة الفلسطينية خارج أولوياتها، وينبغى هنا التنويه أن فلسطينية الحوار الخاص بالمصالحة لا تعني البتة التشكيك بمصداقية نوايا كل الأطراف العربية وغير العربية التي بارت مشكورة بتحقيق المصالحة بين الفلسطينيين خلال الفترة الماضية.

أما من جهة منهجية معالجة اسباب الإنقسام فيبدو طبقاً لمداخلة السيد الرجوب في مؤتمر يوم الخميس الماضي أنهامختلفة كلياً عن المنهجيات التي طبقت في المحاولات السابقة، إذ أن المنهجية الحالية تبدأ من حيث اللحظة وتعود للخلف، بعكس المنهجيات السابقة التي حاولت معالجة الآنقسام ابتداء من الماضي وصولاً للحظة الراهنة.

وتجدر الإشارة هنا أن هذه المنهجية هي منهجية سليمة، لا سيما وأن هناك إجماع فلسطيني على رفض خطة الضم وصفقة القرن، مما يجعل من إتفاق الحركتين على مواجهتهماأمراً محتوماً، الأمر الذي بدوره يعزز الثقة ما بين الحركتين ويؤسس لوحدة وطنية راسخة في المجتمع الفلسطيني.

أما من جهة مسيرة أوسلو لتسوية الصراع سياسياً، فلا يخفى على أصغر الفلسطينيين سناً أنها لم تعد مسيرة لتسوية الصراع بعد كشف البيت الأبيض عن رؤية صفقة القرن وإعلان الحكومة الإسرائيلية عن ضم أجزاء من  الضفة الغربية لسيادتها، بل هي مسيرة لفرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني وإخراجه من مسرح التاريخ، وذلك على الرغم من عدم شروع الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ الضم في الأول من تموز الجاري كما أعلنت الحكومة، الأمر الذي رفضته كل المكونات السياسية الفلسطينية وعلى رأسها القيادة الفلسطينية كما تجلى في قرار التحلل من الإتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وكل من الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية وفقاً لإعلان السيد الرئيس محمود عباس في التاسع عشر من آيار/مايو الماضي.

ومن جهة إمتلاك الصواب وتآكل الثقة الشعبية بالقيادة، فقد بات واضحاً، لا سيما بعد مرور ثلاثة عقود على بدء مسيرة التسوية، وانقضاء أكثر من ثلاث عشرة عام على حدوث الإنقسام، أن أي مكون من المكونات السياسية الفلسطينية لا يمكنه الإدعاء أنه يمتلك الصواب لوحده، إذ أن الشعوب خاصة الشعوب التي تبتغي الترقي لا يمكنها الإدعاء بامتلاك الصواب إلا إذا أحسنت إدارة الحوار فيما بين مكوناتها تحت قبة برلماناتها، وفيما يتعلق بتآكل الثقة الشعبية فيظهر فحص الراي العام الذي يجري التعبير عنه عبر وسائل التواصل الإجتماعي أن الشعب الفلسطيني ليس بمقدوره الإنتظار ثلاث عشرة عام أخرى لتحقيق المصالحة.