دبابات إسرائيل في الضفة للإجهاز على «السلطة»: على حلم الدولة الفلسطينية ومنع أي تواصل بين مدنها

الثلاثاء 25 فبراير 2025 08:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
دبابات إسرائيل في الضفة للإجهاز على «السلطة»:  على حلم الدولة الفلسطينية ومنع أي تواصل بين مدنها



القدس المحتلة/سما/

استعراض عسكري لا حاجة له، وليس من أجل محاربة مجموعات المسلحين في شمال الضفة، الذين لا يملكون جنوداً مدربين، وطائرات ودبابات ومدرعات، ولا حتى قذائف مضادة، مثل قطاع غزة، وإنما في سياق بدأته إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويستهدف الوجود الفلسطيني برمته، سلطة وفصائل وشعباً، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

وظهرت الدبابات الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية، الأحد الماضي، للمرة الأولى منذ 22 عاماً، حين اجتاحت الدبابات مناطق الضفة في استعراض قوة آنذاك، لم يكن يهدف إلى هدم السلطة وترحيل الفلسطينيين، كما هو عليه الوضع اليوم.


تغيرت أشياء كثيرة في 22 عاماً، منذ عملية «السور الواقي»، ثم عملية «السور الحديدي»، عند الفلسطينيين والإسرائيليين؛ تراجعت قوة ودور ووظيفة السلطة الفلسطينية، وخسرت قطاع غزة، لصالح «حماس» التي كانت تقوى، وسيطر اليمين المتطرف على الإسرائيليين، وأمسك مقاليد الحكم هناك، قبل أن يأتي صباح السابع من أكتوبر، ويغير كل شيء.

 

واليوم بعد عام ونصف العام من الحرب المدمرة في قطاع غزة، يرفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شعارات واضحة ويتبنى وائتلافه المتطرف خطةً من أجل «القضاء على حماس» و«تهجير الغزيين». لكن من بين شعارات أخرى يتمسك نتنياهو بشعار «لا حماسستان ولا فتحستان في غزة في اليوم التالي»، أي لا «حماس» ولا سلطة، من دون أن يقول إذا ما كان يريد للسلطة أن تبقى في الضفة أم لا، وهل يريد تهجير الفلسطينيين في الضفة أم لا.

لكن ما يحدث هنا في الضفة يجيب عن كل شيء. وقد حذر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، الاثنين، من أن ما يحدث في الضفة هو استكمال لما حدث ويحدث في قطاع غزة.


وقال أبو ردينة: «نحذر من خطورة استكمال سلطات الاحتلال لما بدأته في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية، في الضفة الغربية، واقتحام وقتل واستيطان ومحاولات ضم وتوسع عنصري وعزل مناطق».

 

وجدد الناطق الرئاسي رفض الفلسطينيين التهجير والوطن البديل.

لقد اختصر الناطق الرئاسي ما تريده إسرائيل، التي دمرت عدة مخيمات في شمال الضفة، وهجرت 40 ألفاً من سكانها في بداية عملية واسعة وممتدة، يعتقد أنها تهدف في نهاية الأمر إلى التخلص من السلطة على غرار «حماس» وتهجير الفلسطينيين هنا (الضفة) وهناك (غزة).

ولم يكن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، متحفظاً حين أرسل دباباته إلى الضفة، مؤكداً أنه أوعز للجيش الإسرائيلي بالبقاء في مخيمات الضفة الغربية لمدة عام على الأقل، مضيفاً: «لن نعود إلى الواقع الذي كان في الماضي».


لم يقل كاتس ما هو الواقع الذي لا يريده أن يعود، لكن مسؤولاً أمنياً كبيراً قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يريد سلطة فلسطينية ولا يريد فلسطينيين ولا يريد لاجئين ولا حق عودة ولا أي شيء، وأضاف: «لقد خرج نتنياهو وقال بنفسه إن أكبر خطأ وقعت فيه إسرائيل كان أوسلو. أوسلو أنتج سلطة وطنية مهمتها نقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، واليوم يريد نتنياهو التخلص من أوسلو وما نتج عنه».

 

هل تستطيع إسرائيل التخلص من أوسلو؟

كان يفترض أن يكون «اتفاق أوسلو» أصلاً مؤقتاً ينتهي بإقامة دولة فلسطينية بعد 5 سنوات من توقيعه، أي في عام 1998 منهياً الصراع للأبد، لكنه حتى اليوم، أي بعد 32 عاماً، لم ينته، ولم يحقق مراده، لم يجلب الدولة للفلسطينيين ولا الأمن للإسرائيليين.

لم تطبق إسرائيل بنوده السياسية، وخلال السنوات السابقة دمرت إلى حد كبير ما تبقى منه، قلصت مساحات الضفة وحاصرت القطاع، وأطلقت العنان لجيشها، وللمستوطنين في كل مكان، ولم تلتزم حتى بالاتفاقات المالية، وبدأت حملة ضد السلطة وأموالها، ثم أحيت الإدارة المدنية التي كانت تحكم الضفة الغربية قبل وصول السلطة.


وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «الحاكم الحقيقي اليوم في الضفة هو نتنياهو»، وأضاف: «منذ وقعت إسرائيل أوسلو لم تطبقه، كانت انتقائية جداً، وعملياً لم تعمل به، وخطتها اليوم هو التخلص من السلطة بعدما تخلصت منه».

 

الانقلاب على السلطة بدا واضحاً جداً بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة، مضيفاً: «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

ويفسر هذا لماذا صعدت إسرائيل في الضفة منذ السابع من أكتوبر، ثم انتظرت نهاية الحرب على غزة، ووضعت الضفة على قائمة أهداف الحرب، وأطلقت تصعيداً أوسع.

لكن لماذا تقوض إسرائيل السلطة التي وقعت معها اتفاق سلام؟

بالإضافة إلى ما قاله نتنياهو، لا تريد إسرائيل أي كيان يمثل الفلسطينيين، وهي تحلم بالتخلص منهم. وقد وضعت الحكومة الحالية فعلاً خطة من أجل ذلك، اعترف بها الوزير الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي قال إنه يعمل ضد السلطة في الضفة، لمنع إقامة دولة.

وفي تسجيل مسرّب تحدث سموتريتش عن خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية.

وخطة سموتريتش المستمرة، التي تشمل أيضاً ضم مناطق، تعني تفكيك السلطة بشكل تلقائي. وعملياً ثمة خطة جاهزة في إسرائيل منذ عام 2020 لفرض السيادة الإسرائيلية بدل الفلسطينية على أجزاء واسعة من الضفة.

وسيعني هذا إذا ما تحقق حشر السلطة في «كانتونات» صغيرة وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية، وأي تواصل بين مدنها.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو، أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، الاثنين: «إنني قلق للغاية إزاء تصاعد أعمال العنف والانتهاكات الأخرى التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة، وإزاء الدعوات للضم».