ايها الحقيقة كما من الهيفات تقال باسمك.
الأستاذ : الحقيقة .. قول الحقيقة وما تفتكر ان احنا مش عارفين الحقيقة ، أنا عرفها كويس .. بس عاوز اسمعها منك..
: حضرتك متصور انى ببالغ شوية؟
يابني ما حدش بيقول يا غوله عينك .
حتى لو ضربه الظلم والقهر والشعور بالعجز وقلة الحيلة؟
انا قلت كل حاجة .. وكل اللي عاوز اقوله كتبته.
الأستاذ : لسه فيه حاجات..
: زى ايه؟ زى ناس يغرقون في الضحك هكذا، تحت حكم ليس اقناع، ولكن اخضاع ، قال حاكم مستبد ( تسعة موطنين يكرهونني من اصل عشرة ، ولكن ما اهمية ذلك ان كان العاشر وحده مسلحا ) يقول الدكتور عبد الفتاح امام في كتابه بعنوان "الطاغية ": يختار الطاغية الفاسدين من البشر في نظام حكمه ليكونوا له ، فهم عبيد النفاق والتملق ، فالطاغية تسره المداهنة ، وينتشي من النفاق ويريد من يتملقه ؛ وهنا يكون الدور الفعال للأدب الفكاهي ، و النكتة مثل الحب في المأثور العربي، أوَّله هَزْلٌ، وآخره جِدٌّ ، وقيل ان البؤس داء.. والفكاهة دواء ، كأن الطبيعة التي تداوي نفسها بنفسها، رأت البؤس داءً، فعالجته بالنكتة دواء"
وانتشرت في عصر "الرايخ الثالث" نكتة تقول إن جنديًّا ألمانيًّا مصابًا في المعارك كان يصارع الموت في المستشفى الميداني على الجبهة، وسأله قائده: هل لك وصية؟ قال الجندي: نعم يا سيدي، ضَعُوا على يميني صورة "هتلر"، وعلى يساري صورة " جوبلز" حتى أنتهي كالمسيح مصلوبًا بين لِصيَّن.
وألقى البوليس السياسي في عهد "ستالين" القبضَ على أحد المتشرِّدين في شوارع موسكو، فسألوه: مَن أُمُّك؟ قال: روسيا، ومَن أبوك؟ قال: ستالين، وما هي أمنيتك؟ أجاب: أن أصبح يتيما .
وعن الصحفي الأجنبي ، الذى اراد ان يكتب تقرير صحفي عن حائط البراق ، طلب من سائق التاكسي قائلا : اريد الذهاب الى المكان الذي يبكى عنده اليهود ليلا نهار ، فذهب به الى مصلحة الضرائب .
لكنه بعد ذلك اوضح له وبناء على تقرير اللجنة الملكية البريطانية الصادر عام 1929 والذى اعترف بان الحائط الغربي البراق هو من املاك المسلمين ، وباستغراب كبير وتعجب اضاف : ما جاء ايضا في الموسوعة اليهودية ، ان هذا الحائط ، هو الحائط الغربي لمدينة القدس ، وانه لا يشمل بقايا أي معبد مقدس ولا يحزنون.
ويميِّز الكاتب اللبناني أنيس فريحة بين النكتة والفكاهة بِدِقَّة: "إن النكتة، شديدة عنيفة تصدر عن تعمُّدٍ وتصميم وعقل ذكي، بينما نجد الفكاهة
سمحة رَحْبَة، تَصْدُرُ عن عفويَّةٍ وبساطة. والنكتة سريعة، حادَّة، مفاجِئَة، تستأنف إلى العقل مباشرة، بينما الفكاهة تسير ببطء ويُسر إلى أن تستأنف
إلى القلب. النكتة عَمْدِيَّة، والفكاهة عفويَّة".
ويكون الكاتب الساخر من أحب الأدباء ، الى جمهور القارئ ، وأكثرهم شهرةً وشعبية ، فقد كان الناس يتلقفون كتابات عمنا السعدني والعم على ؛ وغيرهم ويشغفون بقراءتها، ويجدون فيها لذة ذهنية لا تعدلها لذة، وترى الكتب والمقالات في أيدي القراء في كل مكان في المقاهي، والمحطة والحافلات ، وعربات القطار، ويتحدث الناس عن مقالاته التهكمية الساخرة، ويَرْوُونَها لبعضهم البعض، وهي قصص حقيقية حدثت فعلاً. مثل حكام وجماعات تحكم واصبح حكمهم. نفسها نكتة كبيرة ، حيث أحاطت خُطبهم واجتماعاتهم الكوميدية ، بعيدا عن كل النظريات السياسية المتعارَف عليها في العالم، بما في ذلك نظرية الكاتب الإنجليزي "برنارد شو": "إن حُكْمَ أمَّةٍ أسهل من إضحاكها"
واكتشفوا أنهم أمام مسؤول أُمِّيٍّ سياسيًّا، لا يعرف في السياسة شرقها من غَرْبِه، قليل الذكاء إلى حَدِّ الغباء. كما قال مسؤول : إذا بلغ سعر برميل الجهل أربعين دولارا، فإنني أود الحصول على حق التنقيب في رأس ترامب.
لقد أبقت النكتةُ السياسية على روح المقاومة حَيَّةً، في مجتمعات تتضاءل فيها مساحة حرية التعبير، أو تنعدم تمامًا، وحافظت على استمرار هذه الروح. وما زالت النكتة تساعد ملايين البشر على التعايش مع ما يحيطهم من عبثية وإحباط ورداءة يرى أن "الفكاهة أداة لبناء الوعي العام، ونموذجًا وأداة فعَّالةً في مواجهة القمع .
كما تحذَّر الفكاهة ، من تَغَوُّل بعض المتسلقين او المنتفعين الكبار والصغار، على كل شيء في الحياة العامة، وحاشية المرتزقة، إلى آخر كل هذه البلاوي المعروفة، والجاثمةً على صدر قضية شريفة وملكوا كل شيء فيها .. السياسة والجاه وصدارة المجتمع والقصور والأموال ، وعن وناس بلا إنسانية، ومواطنون بلا وطنية" ؛ والأدب الساخر يقطع الطريق على السماسرة، ولو كان في السمسرة متسع للجميع.
هذا هو الوضع الغريب الذي يفسره الكاتب الساخر، بنَزْعَةً ساخِرةً أصيلة؛ حاضِرَ النُّكْتَة، حاضِرَ البديهة، وأمَّا الموضوعية فيبسطها -ويُبَسِّطها- كما قال شاعرنا العربي الحكيم "في فمي ماءٌ... وهل ينطق مَن في فِيهِ ماءُ"؟ ولكنه نطق مع الفكاهة .