أثار الاعتداء على أفراد من عائلة وشاح في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة أمس الخميس 18 حزيران (يونيو) 2020 كثيرا من الغضب والسخط والرغبة في الثأر والانتقام واستذكار الماضي الأليم.
وبغض النظر إن تعرضت الأسرى، أمنا، أم جبر، أو ابنها الأسير المحرر المناضل والحقوقي جبر وشاح، لاعتداء مباشر من قبل رجال الشرطة التابعة لحركة "حماس"، أو لسوء معاملة، أم لا، فإن ما حدث يعكس ثقافة سائدة لدى أجهزة الأمن التابعة لحركة "حماس"، والسلطة الفلسطينية، والدول العربية، وحتى في العالم المسمى "الأول" زورا.
فالطريقة التي تعالج فيها الشرطة وأجهزة الأمن أي احتجاجات أو اعتراضات أو حتى مشاكل بسيطة، من قبيل تحصيل حقوق مالية ومعنوية، من أفراد أو جماعات، تشير بوضوح لا يقبل التأويل، أنها لا تحترم المواطن وكرامته وحقوقه الدستورية.
وأثبتت الشرطة والأجهزة الأمنية، المرة تلو المرة، أنها لا تُقيم وزنا للمواطن وكرامته وحقوقه، وأنها لا تقبل اطلاقا أن يناقشها أحد عند تنفيذ مهماتها، التي تنفذها، غالبا، وهي متحفزة ومتوثبة ومتوترة ولديها جاهزية ذهنية ونفسية وجسدية للاعتداء والضرب من دون أي تمييز.
إن ما حدث مع أم جبر وعدد من أفراد من عائلتها ووجعها وألمها وألم ابنتها يُمي القلب، ولا يمكن قبوله، فالصورة التي نحتفظ بها في أذهاننا عن هذه المرأة المناضلة صورة ناصعة، ويستنكر القلب والعقل ويدين أي شكل من أشكال الاعتداء الجسدي أو اللفظي عليها أو التسبب في معاناتها وبكائها، الذي أبكانا دما قبل دمع العين.
كثيرون طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق فيما جرى، وإعادة الاعتبار والاعتذار لأم جبر وجبر.
لكن بماذا يُجدي الاعتذار بعدما جُرحت القلوب، قلوبنا، وقلبها، الذي يتسع لكل الناس، وبعدما خزّنت الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني مشاهد للمرأة التسعينية تبكي ظلم وسوء معاملة من تعتبرهم جميعا مثل أبنائها.
وبماذا يُجدي تشكيل اللجنة، التي ستكون مثلها مثل عشرات قبلها، وربما عشرات بعدها، من دون أي نتائج، وإن توصلت الى تلك النتائج، فلا يتم تنفيذها، والدليل أن نتائج لجان كثيرة سابقة ظلت حبرا على ورق، وظلت الشرطة وأجهزة الأمن "تستمتع" باستخدام القوة، وفائض القوة المتجمع لديها عبر سنين من عدم الاحتجاج أو الرفض، أو حتى مقاومة الظلم جمعيا، سواء هنا في القطاع أو هناك في الضفة الغربية.
أعتقد أن على حركة "حماس"، والأمر نفسه مطالبة به السلطة الفلسطينية، أن تُعيد النظر في بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية والشرطية، وتربية أبنائها على تعزيز ثقافة احترام حقوق الانسان، وكرامته وحقوقه، والدستور وسيادة القانون، والعدالة، وقيم الاسلام والتعامل برفق مع المواطن، الذي احتمل عذابات وظلم وسياسات واجراءات لا يقبل بها بشر على وجه البسيطة، إلا لأنه يعرف أن معركته الأساسية مع عدوه، وليس شقيقه.
إن عدل الحاكم وحده ما يُصلح أحوال الناس، وليس الظلم والقهر والعدوان والتمييز الفاضح والفساد، وهذا ما يُرضي ام جبر، التي تنشد العدل والحرية والسلام.
أول مرسوم اتخذه الخليفة الراشد العادل الزاهد عمر بن عبد العزيز عندما تولى الخلافة عام 99 هجرية كان عزل الوزراء الخونة الظلمة الفاسدين، الذين كانوا في عهد سليمان (ابن عمه وسلفه)، استدعاهم أمامه وقال لشريك بن عرضاء: اغرُب عني يا ظالم. رأيتك تُجلس الناس في الشمس، وتجلد أبشارهم بالسياط، وتُجوّعهم وأنت في الخيام والإستبرق.
وفي أحد المواقف كتب إليه واليه على خراسان الجراح بن عبد الله يقول إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك؟ فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام.