النقاش العام حول الضم جرى بتأخر كبير. بداية بسبب التشكيك في جدية العملية، وبعد ذلك بسبب الـ"كورونا".
الوقت القصير الذي تبقى لإجراء نقاش يزيد خطر أن يقوم الجمهور باستيعاب أخطاء وتضليل فيما يتعلق بمغزاه.
وهاكم مثالاً على ثلاثة أخطاء سادت لدى الجمهور، عدد منها أيضا في اليسار العميق.
الخطأ الأول والأكثر خطورة هو الادعاء بأنه فعليا الضم لن يغير أي شيء؛ لأنه "أصلا هناك ضم فعلي".
وحتى "دون ضم هناك إضرار بالفلسطينيين". هذا الفهم يقود إلى طفرة يسارية خطيرة – تأييد هادئ للضم من أجل "إزالة الأقنعة".
هذه المقاربة يشوبها عوار فهم تداعيات فرض القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية.
الضم سيؤدي بالضرورة إلى مصادرة كثيفة، جزء منها بشكل أوتوماتيكي، لأراضٍ وممتلكات فلسطينية، وإلى عملية تهجير قسري لأشخاص وعائلات وتجمعات كاملة من المناطق التي ستضم، وإلى زيادة دراماتيكية للقوة الموجودة في أيدي السلطات المحلية للمستوطنين، التي هي الآن كائن إداري ضعيف تتم السيطرة عليه من قبل الجيش.
الضم سيشعل عملية سلب الأراضي من الفلسطينيين وتطوير إسرائيلي فيها بحجم ووتيرة لا يمكن تحققها دون عملية الضم.
هذه العملية ستكون للمرة الأولى مرتبطة بصورة أقل بالحكومة وسياستها، وبدرجة أكبر بزعماء المستوطنين.
على سبيل المثال، نتنياهو قال عن غور الأردن في المقابلة التي أجراها مع "إسرائيل اليوم" في الأسبوع الماضي: "البلدات الفلسطينية في الغور ستبقى كجيوب فلسطينية. أنت لا تضم أريحا، هناك تجمع واحد أو تجمعان".
هذه الأقوال لم يتم قولها بالصدفة. فعلياً هناك في الغور يوجد نحو 50 قرية وتجمعاً للرعاة الفلسطينيين.
بالنسبة لإسرائيل معظمها غير قانونية، لذلك عند الضم ستتحول إلى جيوب. آلاف الأشخاص الذين يعيشون فيها سيتحولون إلى مقيمين غير قانونيين في إسرائيل. لذلك، سيكونون معرضين للتهجير والنقل القسري إلى خارج الغور. وعملية مشابهة ستكون في القدس.
صيغة متطورة لادعاء "الضم لن يغير أي شيء" تحذر من أن النضال ضد الضم مع التأكيد على كل الشر الذي يجلبه، يظهر الوضع القائم وكأنه غير فظيع جدا.
صحيح، لا شك في أن الوضع سيئ جداً حتى دون الضم. ولكن من هنا يجب عدم الاستنتاج بأنه لا يمكن أن يكون الوضع أسوأ. يمكن ويجب معارضة الاحتلال والضم أيضا.
خطأ آخر وجد مكاناً له وهو أنه حسب خطة ترامب، في المنطقة غير المخصصة للضم الإسرائيلي، ستقام دولة فلسطينية.
قوموا بقراءة الخطة وتجاوزوا اللغة الكولونيالية التي تتناول الشروط التي يكون فيها الفلسطينيون متطورين بما فيه الكفاية من أجل الحصول على دولة، وستصلون إلى المقطع الذي يصف ما الذي سيحصلون عليه.
فقط باللغة الأورويلية للرئيس الأميركي فإن ما هو مقترح في الخطة على الفلسطينيين يسمى "دولة".
الحديث يدور عن كيان ليس له سيطرة على حركة الأشخاص والبضائع، منه وإليه (إسرائيل توجد لها سيطرة)، وليس له سيطرة على مجاله الجوي (إسرائيل يوجد لها)، وهذا الكيان غير مخوّل بالتوقيع على اتفاقيات ومواثيق من أنواع معينة، الذي حقه في الانضمام إلى مؤسسات دولية محدود، وحتى صلاحياته في مجال التخطيط والبناء تخضع للفيتو الإسرائيلي في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل (تقريبا في كل مكان).
هذه دولة مثل أن الدجاجة هي طائر. توجد لها أجنحة ومنقار ولكنها في الحقيقة لا يمكنها الطيران.
نتنياهو يعرف ذلك. وفي نفس المقابلة مع "إسرائيل اليوم" قال: "يجب عليهم الاعتراف بأننا نسيطر أمنيا على كل المنطقة. وإذا وافقوا على ذلك، فليكن لهم كيان خاص بهم، يعتبره ترامب دولة. وقد قال سياسي أميركي: لكن، يا بيبي، هذه لن تكون دولة. وأجبته: لتطلق على ذلك ما شئت". وفقط متعصبون مثل رؤساء المستوطنين الذين يقدسون الرموز يمكنهم معارضة خطة ترامب لأنه يسمي البنتوستان الفلسطيني الذي اخترعه "دولة".
الخطأ الثالث، الذي تحول إلى أرضية مشتركة، هو الاتفاق على أنه إذا نجحنا في منع الضم فإن سياسة النزاع ستعود إلى النقطة التي كانت فيها قبل فرض السيادة التي اقتحمت حياتنا، أي صراعا بين من يؤيدون الدولتين وبين من يؤيدون الضم.
هذا التحليل يتجاهل الردع السياسي الذي أحبطه الضم. في السنوات التي مرت كان لليمين حظ مجنون: ترامب دخل إلى البيت الأبيض وأوروبا ضعفت نتيجة أزمات ونتيجة خروج بريطانيا، وملفات نتنياهو غيرت حساباته السياسية والـ"كورونا" عتمت على الخطاب قبل لحظة من قيام إسرائيل بتنفيذ حركة تكتونية أحادية الجانب.
وبالنسبة لمعسكر الضم، فإن جميع النجوم اصطفت في صف واحد، وما ظهر قبل لحظة كأمر خيالي تحول إلى أمر واقعي.
الآن تخيلوا أن الضم تم إحباطه. من ناحية نشطاء اليمين، هذا يعني أن المسيح قد وصل وهو يطرق الباب. ولكنهم لم ينجحوا في فتحه. كم من الوقت سيمر إلى أن يتم تحقيق تنسيق كامل كهذا مرة أخرى بين جميع المكونات المطلوبة؟.
هل الضم لن يخرج إلى حيز التنفيذ في الأشهر القريبة القادمة؟ يمكن جداً أنه سينزل عن الأجندة لسنوات كثيرة وسيتحول إلى خيار غير ذي صلة.
في اليوم الذي سيتلو إحباط الضم، الاحتلال سيكون نفس الاحتلال القديم والسيئ الذي يجب النضال ضده، ولكن الوضع السياسي سيكون وضعا جديدا.
ومثل أي تغيير هو يمكن أن يفتح ثغرة لإمكانيات لم تكن موجودة من قبل.
عن "هآرتس"


