يُعتبَر رئيس الموساد الأسبق، مئير داغان، من أشرس القادة الأمنيين في تاريخ كيان الاحتلال الإسرائيليّ وأكثرهم دمويّةً، ولكنْ مع ذلك، قبل وفاته بعدّة أشهرٍ في العام 2017، كتب على صفحته الشخصيّة في موقع التواصل الاجتماعيّ (فيسبوك): أنا إنسانٌ مريضٌ، أعرف أننّي سأموت، لا توجد لي أيّ مصلحةٍ، ولا أطلب أيّ شيءٍ لنفسي، من ناحيةٍ شخصيّةٍ لا يوجد ليّ ضدّ نتنياهو أيّ شيءٍ، ولكن ما يقُضّ مضاجعي هو مُستقبل إسرائيل، وتابع: شاركتُ في جميع الحروب الصعبة، لم تعد لديّ عدم ثقة بمُستقبلنا وقوّتنا، ولكن في السنوات الأخيرة، تحت قيادة نتنياهو، بدأت أشّكُ في مُستقبل الدولة العبريّة، وهذا الأمر يقتلني.
وكانت تقارير عبرية قالت في وقتٍ سابقٍ إنّ داغان كان يفتخر أمام الزائرين الأجانب الذين يصلون إلى مكتبه بالقرب من مدينة تل أبيب بالهدايا التي تلقاها من الزعماء العرب. وأضافت التقارير أنّه منذ تسلمه منصبه في العام 2002 تمكّن الموساد من اختراق العديد من الدول العربية، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ الملوك والرؤساء العرب قاموا بإهدائه الكثير من الهدايا، وأكثرها كانت عبارة عن سيوف مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة.
وكانت محكمة إسرائيليّة سمحت بنشرٍ جزئيٍّ لشهادةٍ أدلى بها داغان، الرئيس الأسبق لجهاز (الموساد) في قضية الضابط دانئيل عوكيف، الذي قتل سائحًا بريطانيًا بدمٍ باردٍ وأدعى أنّه أقدم على فعلته بسبب خدمته في وحدة الاغتيالات (ريمون) التي أسسها أرئيل شارون وقادها داغان.
ويتبيّن من الشهادة إنّ داغان اعترف بأنّه عندما وصل إلى قطاع غزّة كانت قائمة المطلوبين الفلسطينيين لجيش الاحتلال تشمل 300 مطلوب ويتفاخر بأنّه تمكن من قتل 290 فلسطينيًا، وبقي 10 مطلوبين فقط، وتابع: “لم أقم بإحصاء الفلسطينيين الذين قتلتهم”، وأضاف “على كل فلسطينيّ تمّت تصفيته كانت الوحدة تعتقل مئات الفلسطينيين”.
أمّا رئيس الموساد الحاليّ يوسي كوهين (59 عامًا) فيُوصَف في المُستوى السياسيّ بعارض الأزياء، حيثُ يقوم أقطاب دولة الاحتلال بدعمه على أعماله الخطيرة والكثيرة، التي قام فيها الجهاز منذ توّليه المنصب، ولكن، بحسب صحيفة (ذا ماركر) العبريّة فإنّ الكثيرين من المسؤولين الإسرائيليين يُشدّدون على قدرته في التحّبب لأصحاب رؤوس الأموال والشخصيات المؤثرة والمُقررة في الدولة العبريّة، لافتين في الوقت ذاته إلى أنّ طريقه لرئاسة الموساد تمّت بواسطة العلاقات الحميمة والانصياع الكامِل لتوجيهات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، بالإضافة إلى علاقاته الوطيدة مع الملياردير أرنون ميلتشين، والأخير تحوّل إلى شاهدٍ ضدّ نتنياهو في قضايا الغش والخداع وخيانة الأمانة وتلقي الرشاوى، كما قالت الصحيفة العبريّة.
وانتقدت الصحيفة العبريّة بشكلٍ حادٍّ قيام الموساد بحملة علاقاتٍ عامّة خلال فترة فيروس الـ”كورنا” في إسرائيل، لافتةً إلى أنّه يجِب تغيير لقب رئيس الموساد الحاليّ من عارض الأزياء إلى رجل العلاقات العامّة، الذي لم يتورّع عن إرسال مسؤولٍ كبيرٍ في الموساد لبرنامج التحقيقات الاستقصائيّة في القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ ليتحدّث عن بطولات الموساد في جلب المُعدّات الطبية وأجهزة التنفّس الاصطناعيّ من دولٍ خليجيّةٍ وأخرى عربيّةٍ لم يُفصِح المسؤول عن اسمها، علمًا أنّها لا تُقيم علاقات دبلوماسية مع كيان الاحتلال.
عُلاوةً على ما ذُكر آنفًا، لفتت الصحيفة إلى أنّه كان من الغرابة بمكان أنْ يقوم نتنياهو بتكليف الموساد باستجلاب المُعدّات الطبيّة لعلاج مرضى الـ”كورونا”، والأخطر من ذلك، أنّه قبل أسبوعٍ من الكشف عن الأمر قامت مصادر سياسيّة رفيعة للغاية بتسريب معلومات لوسائل الإعلام العبريّة عن المُهّمة الجديدة التي أُلقيت على الجهاز السريّ، علمًا أنّ قسم المُشتريات في وزارة الأمن يملك التجربة الكافية الوافية والشافية للقيام بهذه المُهّمة، مُضيفةً إنّ إقحام الموساد في قضية فيروس الـ”كورونا” كان هدفه توجيه رسائل حادّةٍ كالموس للإسرائيليين وللعالم أيضًا بأنّ الموساد يملك قدرات خارِقة في مجال العمليات السريّة، كما أكّدت الصحيفة العبريّة.
وتابعت الصحيفة قائلةً، نقلاً عن مصادر سياسيّةٍ وأمنيّةٍ رفيعةٍ في تل أبيب إنّ شراء المعدات الطبيّة ليست بحاجةٍ للموساد أوْ الجواسيس، ونقلت عن مصدرٍ رفيعٍ قوله: تكليف الموساد بهذه المُهّمة هو أمرٌ عبثيٌّ، لأنّ قسم المُشتريات في وزارة الأمن يملك الخبرة والقدرات للقيام بهذه المهمة، ومن نوافل القول، تابع المصدر، إنّ الموساد لن يقوم باستخدام قدراته الإستراتيجيّة من أجل المعدّات الطبيّة لمرضى الـ”كورونا”، على حدّ تعبير المصدر الإسرائيليّ الرفيع.
وخلُص كاتب المقال بالصحيفة العبريّة إلى القول: ما الفائدة للموساد ولإسرائيل ولكلّ مَنْ كان مُشاركًا في هذه العملية، عندما يقوم أحد المسؤولين الكبار في الجهاز السريّ بالتباهي والتفاخر بالتلفزيون بإنجازاتٍ لا يُمكِن لكائنٍ مَنْ كان أنْ يفحص مصداقيتها؟ وما الفائدة من الاعتراف بأنّ قسمًا من المُعدّات الطبيّة تمّت سرقتها، أيْ أنّها جاءت على حساب حياة آخرين في دولٍ أخرى، ليست من أعداء إسرائيل، إنمّا تلك الدول التي ربمّا قررت الانصياع للقانون، أوْ أنّها لا تملك الميزانيات؟ مَنْ قام بعرض الأزياء هذا؟ ولمَنْ أرادت إسرائيل أنْ تقوم بحملة علاقاتٍ عامّةٍ؟، على حدّ تعبير الكاتِب الإسرائيليّ بالصحيفة العبريّة.