"حلوى الإدمان": عملية عسكرية تكشف رذائل إسرائيل بتجنيد العملاء

الخميس 21 مايو 2020 07:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
"حلوى الإدمان": عملية عسكرية تكشف رذائل إسرائيل بتجنيد العملاء



القدس المحتلة / سما /

انتهى الأمر بضابط المخابرات الإسرائيلية، عَميت (اسمه الشخصي يحظر نشره)، بمستشفى "مِزْراع" للأمراض العقلية شمالي مدينة عكا، في نهاية سبعينيات القرن الماضي، على خلفية قضية استخبارية، يحظر النشر عنها حتى اليوم بأمر من الرقابة العسكرية، ويطلق عليها تسمية "حلوى الإدمان". وأشار الصحافي المتخصص بالشؤون الأمنية، يوسي ميلمان، في موقع صحيفة "هآرتس"، أمس الأربعاء، إلى أن عميت لعب دورا ثانويا في هذه القضية، المرتبطة بالوحدة 504 المتخصصة في تجنيد العملاء خارج حدود إسرائيل، وتابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان").

وأضاف ميلمان أن "’حلوى الإدمان’ هي إحدى القضايا المظلمة والبشعة في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية، وتشمل أفعالا غير قانونية، ارتكبت بشكل منهجي، ومن شأن النشر عنها إلصاق العار بجهات عديدة في جهاز الأمن". وإثر ذلك، طلب عميت الخروج من الخدمة في هذه الوحدة، لكن "جهاز الأمن تخوف من جانبه ألا يحفظ عميت السر".

على هذه الخلفية، حسب ميلمان، اتهم عميت بالتجسس، وأنه تحدث حول بعض تفاصيل القضية مع زملائه في الوحدة "الذين ليسوا شركاء في السر". كما اتهم بالمتاجرة بالمخدرات. وبعد ذلك، اقترحت عليه سلطات الجيش الإسرائيلي إلغاء محاكمته إذا وافق على الدخول إلى قسم مغلق في مستشفى الأمراض العقلية. "ودخول المستشفى والضربات الكهربائية كانت جزءا واحدا وحسب من سلسلة تهديدات وإهانات مارستها الشرطة والشاباك، ووصلت أوجها في الثمانينيات، عندما اتهم عميت مرة أخرى بالتجسس، وهذه المرة بسبب اتصال مع عملاء CIA، وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما".

ويقول ميلمان أنه يرافق قصة عميت منذ عشرين عاما، وحاول النشر عنها مرارا وتكرارا لكن السلطات الأمنية وجهاز القضاء منعوه من ذلك. وهو يرى أن سبب المنع هو "الشعور بالعار" وليس لأسباب موضوعية. ورفضت المحكمة العليا السماح له بالنشر، مؤخرا، بعدما استمعت لإفادة رئيس "أمان"، تمير هايمان، بمثوله وحده أمام القضاة.

وقرر ميلمان أن ينشر الموضوع، استنادا إلى مقابلة أجراها مع عميت (75 عاما)، وإلى محادثات مع مجموعة كبيرة من الضباط والمحامين، الذين طلبوا جميعهم عدم ذكر هويتهم. ورغم أن ميلمان لم يدخل إلى تفاصيل القضية التي يحظر نشرها، إلا أنه تطرق إلى تفاصيل أخرى تسلط الضوء على أساليب عمل الوحدة 504 في تجنيد العملاء ومكافأتهم.

الاستخبارات والبضائع

تجند عميت لسلاح البحرية الإسرائيلي في البداية. وقال إنه "لم يكن سلاح البحرية ملائما لي. لقد شاركت في عدة عمليات عسكرية في لبنان، ومنذ اللحظة الأولى للإبحار كنت أتقيأ روحي. وفي نهاية الدورة، عندما عدنا من تدريب في منطقة برشلونة، قررت أن أغادر".

بعد ذلك تجند عميت إلى وحدة حرس الحدود، ثم تم تعيينه ضابط العمليات في سرية "إيغوز"، التي كانت تنفذ عمليات في الأراضي اللبنانية بين الحين والآخر. وقال إن "هذه كانت أجمل فترة في حياتي. واليوم أصبح كل شيء مختلفا. حينذاك، لم يتعين على الجندي الذهاب برفقة محام. وإذا أخذ الزملاء حذاء أو ساعة من مخربين مقتولين، لم يفتعل أحد قضية من ذلك".

وفي العام 1972، بعد عملية ميونيخ، شارك عميت في عملية عسكرية في لبنان وأصيب خلالها بجروح خطيرة، لكن عندما شفي منها قرر مغادرة الجيش. وعندها التقى صدفة بقائد المنطقة الشمالية للوحدة 504، يهوشع بار تيكفا، الذي جنده للوحدة.

وكتب ميلمان أن "504 اعتبرت طوال سنوات وجودها وحدة بدون كوابع وأثر. وفي السنوات الأولى بعد قيام الدولة، كانت الحدود مخترقة في كلا الاتجاهين. ورغم أن هذا الوضع سهّل تجنيد عملاء، لكنه سمح أيضا بتسلل جواسيس العدو ومهربي المخدرات إلى إسرائيل. وعمليات التهريب خدمت الوحدة بقدر معين، لأنها وفرت قصص تغطية للعملاء، لكن العلاقات بين المهربين وضباط 504 فتحت ثغرة لأعمال فساد. وانتشر ذلك في المنطقة الشمالية بالأساس".

ونقل ميلمان عن ضابط سابق في الوحدة 504 قوله إن "الوحدة عملت في تلك السنوات المظلمة في أمور على حافة الإجرام. وعلى ما يبدو أن ضباطا عملوا في التهريب فعلا. وينبغي أن ندرك أنه في الخمسينيات لم تكن هناك مشكلة بتجاوز الحدود والانتقال إلى لبنان، على سبيل المثال. وكان عمل الوحدة أمرا شديد الإغراء: كان بالإمكان استخدام معلومات استخبارية من أجل إحضار قطيع أغنام من لبنان إلى إسرائيل وبيعه في البلاد. وهذا العمل، الاستخبارات والبضائع، كان متداخلا جدا".

وأضاف ميلمان أن "سوق المخدرات في لبنان درّ مليارات الدولارات، وكان ضالع فيه كبار المسؤولين اللبنانيين. وعرفت عائلات الإجرام كيفية التعاون مع الحكومة المركزية في بيروت، ومع السوريين، ومع إسرائيل أيضا بعد احتلال الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان. وكانت الوحدة 504 مطلعة على تجارة المخدرات طوال عشرات السنين، وتعقبت نقلها في أنحاء الشرق الأوسط، واستغلتها لمصلحتها أيضا".

وكان عميت مسؤولا في الوحدة 504 عن المنطقة الممتدة من رأس الناقورة وحتى مدينة الخضيرة، وعمل على "تجنيد مصادر (لمعلومات استخبارية) جاؤوا من لبنان عن طريق البحر والبر". وحول كيفية تجنيد هؤلاء، قال عميت إنه "بالإمكان اقتراح مساعدات إنسانية، وبالإمكان مكافأته. كل شيء ممكن. ونحن نعيش في دولة إسرائيل، لكن إلى جانبها توجد دولة أخرى: دولة الاستخبارات. ودولة إسرائيل هي لا شيء قياسا بدولة الاستخبارات. وهم بإمكانهم الدخول إلى أي مكان وبإمكانهم أن يفعلوا كل ما يشاؤون".

مستشفى الأمراض العقلية

قال عميت إنه بعد تولي موشيه كريستال قيادة الوحدة 504، تبين له أنهما ليسا منسجمين. ولذلك طلب كريستال من عميت الانتقال إلى مقر الوحدة في تل أبيب. في البداية عارض عميت، لكنه عاد ووافق على الانتقال أملا بنقله لاحقا إلى العمل في الموساد أو الشاباك. وقد رفض كريستال إبلاغه مسبقا في أي منصب سيعين، وفقط بعد أن وقع عميت على نموذج الحفاظ على السرية، اتضحت له المهمة، وهي العملية السرية "حلوى الإدمان"، التي يحظر النشر عن أي شيء من تفاصيلها.

وقال عميت ملمحا إلى طبيعة عمله الجديد إنه "أدركت سريعا أنني أغوص في الأوساخ. وقد عدت منهكا وغاضبا من سفرات لمئات الكيلومترات، وكانت ملابسي نتنة. والتقيت مع أشخاص مشبوهين ومشكوك بهم. أردت التحرر من هذا العمل وتحدثت مع كريستال، لكنه رفض". إثر ذلك توجه عميت إلى ضابطتين، بأن "قولا لكريستال أن يخرجني من هذه الأوساخ".

ووفقا لميلمان، فإن طلب عميت بالتسرح من الخدمة، بعدما اطلع على أسرار، أثار شكوكا لدى سلطات الجيش. وصادف في الوقت نفسه أن ضبطت الشرطة 19 كليوغرا من الحشيش بحوزة سائق عميت، بوعاز يميني. اعترف يميني خلال التحقيق بحيازة المخدرات والتجارة بها، وأنه تاجر بالأفيون أيضا في الأشهر الماضية، لكنه قال أيضا أنه فعل ذلك بعلم قائده، عميت، وأن الأخير كان شريكه في تجارة المخدرات. ونفى عميت أقوال سائقه، بعد اعتقاله، لكنه اعترف أنه قال ليميني إن بإمكانه أن يفعل ما يشاء.

وتم تقديم لائحة اتهام بالمتاجرة بالمخدرات ضد يميني، بينما شملت لائحة الاتهام ضد عميت المتاجرة بالمخدرات وببنود تجسس، لأنه تحدث مع الضابطتين من دون أن يخول بالقيام بذلك وخلافا لالتزامه بالسرية.

واضاف ميملمان أنه في مرحلة معينة، "بعدم أدرك كريستال وأمان أن عميت مصر على النضال من أجل براءته، تخوفوا من أن محاكمته ستكشف معلومات تحرج الوحدة 504. وبين أمور أخرى، كان هذا السبب باتخاذ قرار الاقتراح على عميت إلغاء لائحة الاتهام إذا وافق على الدخول إلى مستشفى الأمراض العقلية".