أيام قليلة تفصلنا عن انتصاف عام 2020 والعالم لازال يترنح منهكا في مواجهة جائحة قيل أنها بدأت نهايات العام 2019 تحديدا في مدينة ووهان الصينية، حيث تجاوز إجمالي عدد ضحاياها حتى الساعة 235 ألف وفاة وما يناهز الثلاثة ملايين إصابة حول العالم والإعداد في ازدياد مضطرد. هذا فيما يتعلق بخسارة الموارد البشرية أما فيما يتعلق بنواحي الحياة الأخرى من خسائر اقتصادية فادحة تمثلت في شلل شبه تام أصاب عجلات الصناعة والتجارة والسياحة والنقل بكافة أشكاله طال جميع دول العالم بلا استثناء، وتبعات اجتماعية نفسية أخرى وتأثيراتها السلبية على قطاعات التعليم والصحة وغيرها لم يتم إحصاءها بعد، هذا أن أمكن حصرها بشكل دقيق في المقام الأول. كما من المبكر أساسا معرفة الآلية التي سيتعامل بها العالم لمحاولة تدارك الانهيار المحدق بالاقتصاد العالمي وكيفية التخفيف من وطأة هذه الكارثة. وهنا من الممكن النظر لجائحة كورونا من عدة محاور أهمها:
هل ضللت الصين - منشأ الفيروس- العالم فيما يتعلق بتوقيت ظهوره ومدى تفشيه فيها؟
يطرح العالم اليوم تساؤلا قادته الولايات المتحدة الأمريكية وانضمت إليها العديد من دول أوروبا، بل وذهبت السويد لأبعد من ذلك بدعوة الاتحاد الأوروبي في إطلاق تحقيق شامل حول أصل وحيثيات ظهور فيروس كوفيد 19. كما انضمت منظمات دولية كثيرة لهذه الدعوات وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية التي دعت على لسان مسئوليها لان تكون جزءا أصيلا في أي تحقيق تقوم به الصين فيما يخص جائحة كورونا. ولعل كل الأطراف السابق ذكرها تشترك في طرح تساؤل جوهري مفاده أن تعامل الصين مع ظهور فيروس كوفيد 19 المستجد كان تعامل متراخي أن صح التعبير مع الفيروس مما أصبح سببا في انتشاره المتسارع في العالم وتحوله لجائحة تقف أمامها الإنسانية جمعاء عاجزة متخبطة.
هذه الجائحة بكل تفاصيلها المرعبة تثير عددا كبيرا من التساؤلات المفتوحة حول كيف؟ ومتى؟ وأين في الصين تحديدا ظهر هذا الفيروس؟ وعن حقيقة ما إذا كان هذا الفيروس طبيعيا أم مخلقا؟ هل علمت به الصين في مرحلة مبكرة من نوفمبر من العام 2019 واخفت ظهوره عن العالم فعاد تقاعسها هذا بويلات على البشرية اجمع؟ هل كان بالإمكان احتوائه والسيطرة عليه أن تعاملت معه الصين بجدية وشفافية أكثر إبان ظهوره فيها؟ كل ما سبق هو غيض من فيض أسئلة كثيرة قد لا يكون المستقبل القريب مكان لإجابتها، على الرغم من تصاعد الدعوات الدولية لإنشاء تحقيق شامل في ظهور الفيروس وأسباب تحوله لجائحة أنهكت العالم حيث دعت منظمة الصحة العالمية خاصة أن فيروس كوفيد 19 المستجد هو من عائلة فيروسات كورونا التي ظهرت من قبل في أوبئة مثل السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، لكنها على حدتها لم تتحول لجائحة بهذا الشكل المرعب الذي شل العالم.
الحجر الصحي ما بين ضرورات حصر الفيروس وتبعات اقتصادية كارثية:
من الممكن الإجماع حتى يومنا هذا بأن العالم لا زال يتخبط فيما يمكن تبنيه من آليات لمحاولة حصر وإنهاء هذه الجائحة، في ظل تقارير تفيد بامتلاك هذا الفيروس القدرة السريعة على الانتقال مما يجعل مكافحته أكثر صعوبة. فما أن تتنفس بعض الدول الصعداء في انحسار عدد المصابين، حتى تظهر موجة جديدة تعيدنا إلى مرحلة الصفر ثانية ونجد منظمة الصحة العالمية تقول بأن التراجع الطفيف في عدد الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد مرحب به، ولكنه لا يمثل حدثا يستدعي الاحتفال، في إشارة إلى أن الجائحة ليست على مشارف الانتهاء بعد. هذا الظرف الضبابي جعل الكثير من الدول تجد في الحجر الصحي الكامل أسلوبا غير قابل للاستمرار مع ما يمكن أن تحمله هذه الاجراءات من تبعات اقتصادية كارثية. وهنا ظهر الجدل المحتدم ما بين دعاة استمرار النشاط الاقتصادي مصحوبا بتدابير احترازية تضمن الحد من الاحتكاك البشري قدر الإمكان وبالتالي تحجيم انتشار الفيروس، وفريق يرى أن أي عودة للحياة الطبيعية حتى مع أخد تدابير التباعد الاجتماعي المطلوبة في هذه المرحلة هو مقامرة قد لا تقوى الدول على تحمل تبعاتها. وهذا النقاش لم يقتصر على الدول الغنية أو الفقيرة، المتقدمة أو النامية لكنه إلى يومنا هذا لا زال الطرح الأكثر جدلا في تداعيات هذه الجائحة. وخرجت لنا إحصائيات البطالة وطلبات الاعانة وإفلاس شركات ضخمة وانهيار أسهم في البورصات العالمية وتدني أسعار البترول وغيرها لتقول لنا أن العالم اقتصاديا حتما ستختلف ملامحه ولو لحين في حال انتهاء هذه الجائحة. وهذا الجدل أيضا بكل جوانبه سينسحب على كل ما يتعلق باستئناف نشاطات الحياة الاعتيادية من تعليم وسياحة وترفيه وغيرها تتعلق باختلاف أنماط الاستهلاك البشرية ما بعد الجائحة.
الخطاب الملتبس:
منذ ظهور فيروس كوفيد 19 المستجد والعالم بكافة شرائحه يعاني تخبطا واضح في الخطاب المتصل بهذه الجائحة. فمنذ البدايات لم يكن من الواضح مدى خطورة الفيروس وكيفية انتشاره وآليات التعامل معه، مما جعل الكثير من الجهات الرسمية تصدر خطابات ملتبسة حول طبيعة الفيروس وما يترتب على الإصابة به وكيفية التعامل معه. هذا التخبط بدأ في عقر دار الفيروس في الصين نفسها، حيث خرجت تقارير صحفية مفادها بأن الصين عاقبت كل من نشر أي معلومة تخص هذا الفيروس المستجد، وبالمقابل لم يكن الخطاب الرسمي الصيني واضحا وافتر للشفافية والصدق في نقل تفاصيل ما كان حينها وباء. ومن ثم أصاب هذا التخبط الكثير من قادة العالم حيث قام الكثير منهم وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والذي ظهرت في إدارته تقديرات تفاوتت بشكل كبير حول نشأة الفيروس ما بين أجهزة المعلومات والمخابرات، أسفرت في البدء عن التقليل من حجم خطورة الفيروس في مراحله الأولى والدعوة إلى استمرار الحياة بشكل طبيعي إلى أن ضرب الفيروس بقسوة ولاية نيورك حينها تغير خطاب دونالد ترمب ليتسم بشدة أكثر وجدية في التعامل مع الجائحة. هذا النموذج كان مكررا في ايطاليا واسبانيا في بدايات انتشار الفيروس إلى أن احتد الموقف و تفاجئت حكومات هذه الدول بضراوة الفيروس وصعوبة التعامل مع سرعة انتشاره. فتغير الخطاب الرسمي ليكون أكثر حزما مصحوبا بحزمة تدابير حادة من اجراءات غلق وحجر صحي وتقييد حركة
العلاج المنتظر:
اليوم تتجه أنظار العالم نحو شعاع قد يرى في نهاية هذا النفق المظلم متمثلا بإيجاد لقاح لهذا الفيروس يجعل من الممكن القول بأن العالم قد أفاق من كابوس فيروس شل كافة مناحي الحياة في كل أنحاء الكرة الأرضية. الأبحاث تسير على قدم وساق، واقتراحات لاستخدام بروتوكولات مختلفة في العلاج ترتكز على لقاحات سابقة وأخرى طور التجارب السريرية. لكن حتى الجدول الزمني للوصول إلى هذا اللقاح ليس متوفرا إلى يومنا هذا، أضف إلى هذا التحدي هو في حال إيجاد اللقاح المنشود متى سيكون بالإمكان توفير ما يلزم منه لسد احتياج العالم بأسره، وكيف سترتب أولويات توفي اللقاح في حال إيجاده.
ختاما يدور في فلك الجائحة سؤال يطرح بقوة إلا وهو أن هل سيعود العالم كما كان؟ وهل تخرج البشرية بدروس مستفادة من هذه الجائحة فيما يخص التعامل مع كوكب الأرض الذي عرضته الممارسات البشرية غير المسؤؤلة والمتمثلة بإهدار مقدراته الطبيعية وتلويثه بمعدلات غير مسبوقة وانتهك توازنها على أصعدة كثيرة أدت إلى كوارث بيئية وصحية لعل هذه الجائحة منها ولن تكون آخرها إن استمر النهج البشري على ما هو عليه، لا بل قد يكون ظهور فيروس كوفيد 19 إنذارا بقادم أسوأ بكثير؟