يا سيادة الرئيس.. أصدقنا لكي نُصدِّقك!! د. أحمد يوسف

الأحد 17 مايو 2020 12:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
يا سيادة الرئيس.. أصدقنا  لكي نُصدِّقك!! د. أحمد يوسف



في ظل المخططات الإسرائيلية لضم الكثير من الأراضي الفلسطينية التي تستحوذ عليها المستوطنات وكذلك مناطق الأغور بدعم وتشجيع من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن الموقف الفلسطيني يحتاج إلى أكثر من تحرك في العديد من الاتجاهات والساحات، حيث لا يكفي إشعار الأطراف العربية وبعض الدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي بمدى خطورة هذه الخطوة على مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته، وبما تشكله من تدمير لكافة الاتفاقيات، التي تمَّ توقيعها في حينه بضمانات بعضهم وشهود بعضهم، لحفظ حقوق الفلسطينيين، وتقييد يد المحتل الإسرائيلي الغاصب من التمادي في توغله بمصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات فوقها، ضاربين عرض الحائط باتفاقية أوسلو من ناحية، وبكل القرارات التي اتخذتها المنابر الأممية كالأمم المتحدة بعدم شرعية هذه المستوطنات.

وتطرح خطوة الضم من جديد إشكالية أن إسرائيل (الدولة المارقة) لا تحترم المجتمع الدولي، ولا تلق بالاً لما يصدر عن مؤسساته من إدانات، لأنها تجد في الحليف الأمريكي السند الذي يؤمِّن لها صمت الجميع من عرب وعجم.

وعلى مستوى الموقف الفلسطيني، فإن المأمول والواجب من الرئيس أبو مازن وحكومته الموقرة العمل على جمع الصف الفلسطيني من تنظيمات وفصائل، وأخذ القرار الذي يحقق توافقاً وإجماعاً وطنياً ويشكل السياسة أو الرؤية الاستراتيجية لما يمكن القيام به للتصدي لمثل هذه السياسات والخطوات التي تشكل تهديداً وجودياً للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بحيث يصبح مستقبل إقامة دولة فلسطينية ضرباً من الخيال.

أخي يا سيادة الرئيس.. لقد تناديت إلى اجتماع يلتقي فيه "الكل الفلسطيني" في رام الله، ولكن لا يبدو أن الأخوة في قيادات الفصائل متحمسون لمجاراتك في صيغة وآلية الاجتماع، وهم في موقفهم أقرب للتحفظ منه للرفض، إذ أشار أكثرهم إلى أهمية "الاجماع الوطني والموقف الموحد" في مواجهة هذه السياسة الإسرائيلية، وأن على الرئيس أن يغير طريقته في التعامل وأخذ القرارات؛ لتكون بطريقة تحترم التعدد في الساحة الوطنية فيما يرى الفلسطينيون أنفسهم ليسوا أحجار شطرنج ليلعب بها.. لقد توافقت القيادة الفلسطينية في أكثر من مرة، ووقفوا إلى جانب الرئيس منتصرين لما اجتمعوا عليه من قرارات توافقوا عليها، إلا أنهم - ولأسفي - قد خذلوا واستهزئ بهم وبمن يمثلونهم من قطاعات واسعة من الناخبين، لا سيما فيما أجمعوا عليه أمرهم من خطوات لمواجهة السياسة الإسرائيلية ووضع حدٍّ لتجاوزاتها. لقد واصلت مؤسسة الرئاسة بدوائرها القريبة والبعيدة - بعنجهية واستكبار- العبث بكل المحرمات، من خلال التنسيق الأمني مع المحتل، والرضوخ لإملآت أجهزة الاحتلال بتجويع غزة ومعاقبة أهلها، وحرمان الشهداء والأسرى من حقوقهم ومخصصاتهم المالية، والقيام باستخفاف بحل المجلس التشريعي ووقف رواتب النواب من كتل برلمانية مختلفة ممن عارضوا سياسات الرئاسة، والتي رأوا أنه لا يمكن فهمها أو تفهمها في سياق أدوات المشروع الوطني.

أخي سيادة الرئيس.. دعني فقط أُذكِّرك بأن حركة حماس، بينما هي خصم سياسي، قد سلحتك بدعمها ووقفت إلى جانبك في أكثر من تحرك وقرار، حتى لا تبدو كمن هو ذاهب إلى الهيجا بغير سلاح، ولكنك سرعان ما تنكرت لهم، واستمرت سياساتك العقابية ضدها، والتي طالت بشكل قاطع كل كوادرها الحكومية وأسراها المحررين. لقد تساوى موقفك هذا - للأسف - مع آخرين لطالما كانوا جزءاً منك ثقافة ورؤية وتنفيذاً؛ لأن بعضهم أظهر مهنية وشفافية في الاعترض على ما اعتبروه تجاوزاً للصلاحيات، وتفرداً لا حق لك فيه، بحسب تقاليد الثورة والنظام الأساسي الفلسطيني.

يا سيادة الرئيس.. إن سياسة "شاورهنَّ وخالفوهنَّ" التي تتبناها مع الفصائل لا يصلح العمل بها مع الرجال، وخاصة من أظهروا قدرة وانتصاراً في الميدان. لذلك، جاءت ردة فعل حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وآخرين قوية، ولتقول لك: يا سيادة الرئيس كفى توظيفاً واستهتاراً بنا، فلسنا "شُرابة خُرج" أو "خيال مآته" للتلاعب بنا واستخدامنا وقت الحاجة لخدمة هذا الشكل من (السلطة الوطنية)، والتي أذهبت بخنوعها كرامة وعزة وأمجاد ورثناها عبر تضحيات مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين والأسرى.

لقد أدركت الكثير من قيادات الفصائل عدم جدية مواقفك، وغياب الإلتزام  بقرارات المؤسسات القائمة، وأن ما تهدر به من نبرة عالية على المنابر وفي المجالس ليس له  في الحقيقة والواقع أثراً على الأرض، ولسان الحال هو ما قاله معروف الرصافي في قصيدته الشهيرة (الدين والوطن) "القوم في السر ليس القوم في العلني". باختصار يا سيادة الرئيس، هذا المشهد ليس له من توصيف إلا ما قالته العرب عن مثل هذا الحال: "أوسعتهم سبَّاً وأودوا بالإبل".

يا سيادة الرئيس.. لماذا لن تطاوعك الفصائل هذه المرة؟ سأعرض لك رأي بعض الشخصيات التي تمثل نبض الشارع الفلسطيني وتيارته الإسلامية والوطنية، وأختار منها ثلاثاً متباينة التوجهات، وهي:

- الأستاذ عبد الرحمن شهاب؛ حركة الجهاد الإسلامي، والذي عبر عن المزاج العام لهذا التيار بالقول: إذا تتبعتم المرات التي حاولت السلطة التقرب فيها للفصائل المقاومة في غزة تجدها كلها تأتي في سياق التقاط أنفاسها لتبييض صفحتها, وغسل اسمها بشرف غزة، وهذا يدعوننا إلى أن نرفض أن نكون جزءاً من استمرار هذا النزيف، والتعامل معها كجسم يسعى إلى تصفية القضية وعدم منحها تلك الأنفاس, وإبلاغها بأن أي لقاء من قِبل الفصائل معها يجب أن يسبقه خطوة اثبات الوطنية، مثل: الافراج عن مستحقات الجبهة الشعبية من المنظمة والغاء لجنة اشتيه التي تشكلت لإيجاد حلول لموضوع الأسرى وإلزام البنوك بعدم الاستجابة لقرارات الاحتلال والتزامها بقراراتها المعلنة التي أصبح الحديث فيها ممجوجاً كايقاف التنسيق الأمني وإلغاء التقاعد المالي، وإعادة الرواتب المقطوعة، وتحويل حصة القطاع من المساعدات الطبية التي تلقتها, يقيني إن أي شي من هذا لن يتحقق، فلماذا إذاً السعي خلفها.

- السفير السابق عدلي صادق؛ كاتب سياسي مخضرم، كتب يقول:  نحو اجتماع ما يسمى "الإطار القيادي".. لن يمثل الإجتماع الذي دعا إليه عباس يوم السبت المقبل في رام الله؛ علامة فارقة بين سياق عقيم وآخر إيجابي؛ لأن شكل وفحوى هكذا اجتماعات لن يُنتج سوى المزيد من العجز والتفرد والعُقم. ومن عين الصواب، عدم التماشي مع الدعوة إليه، لأنه لا يجري في إطار بُنية مؤسسية، ولا يضبطه نظام داخلي مُلزم، ولا تصويت فيه، ولا يشهد نقاشاً فيه الحد الأدنى من الحرية والموضوعية. فإن كانت اجتماعات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، بكل أكلافها وضجيجها، وما اتخذته من قرارات، ظلت مجرد جلسات لا قيمة لها، وقراراتها حبر على ورق، فما الذي سيكون حال اجتماع، يجلس عباس على رأسه متقمصاً إهاب الديك، فيقاطع وقتما يريد، ويزجر من يريد، ويبوبخ صاحب كل ذي رأي لا يعجبه، والمشهد كله يكون تحت قبضة الإحتلال، الذي سيتلقى بث الوقائع على الهواء مباشرة! ويظل هدفه ينحصر في إصدار بيان يفيد أن عباس جمع ممثلي الشعب الفلسطيني وأدى الواجب!!

- د. سعيد الحاج؛ كاتب ومحلل سياسي، أوضح ساخراً: سيخرج علينا أبو مازن مهدداً بتجميد الاتفاقات وسحب الاعتراف ووقف التنسيق الأمني.. وربما يشكل لجاناً لمتابعة "آلية تنفيذ القرارات"، وسنقول إنه لا مصداقية لقرار يتكرر عشرات المرات، وسيقول لنا بعض الأصدقاء الأعزاء: لا تتسرعوا في الحكم، فلعله يصدق هذه المرة. وهكذا!!

شهادة للتاريخ!!

في 22 يوليو 2011، جمعتنا استانبول كقيادات في فصائل العمل الوطني، حيث شارك الجميع في الكل الفلسطيني، بما في ذلك حركة حماس، وذلك في سياق اللقاءات التي أشرف على تنظمها مركز مسارات، بهدف تقديم رؤية للمصالحة الفلسطينية. في تلك الأيام، كان هناك اجتماع يعقد في مدينة استانبول ضم الرئيس محمود عباس ومعظم سفراء فلسطين حول العالم، بهدف تنسيق الموقف تجاه طلب السلطة الدخول في عضوية مجلس الأمن بصفة مراقب.

في ذلك اليوم، طلبت من سفيرنا في تركيا (أبو رامي) اللقاء بالسيد الرئيس، وقد تحقق لي ذلك، حيث كان في رأسي موَّال أن أتمكن من ترتيب لقاء للأخ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي آنذاك، معه، بأمل تحقيق اختراق في ملف المصالحة بين فتح وحماس، وتعزيز موقف الرئيس ومكانته وإظهاره أمام المجامع الدولي كرئيس للكل الفلسطيني.

وقبل أن أذهب في المساء لألتقي الرئيس في الفندق، اتصلت بالأخ خالد مشعل في دمشق، وأسررت له بما في نفسي، وأن يكون مستعداً في الغد إذا طلبنا منه الحضور للقاء الرئيس في استانبول. وكعادة الأخ أبو الوليد في أدبه وكرم أخلاقه وحرصه على المصلحة الوطتية، قال: يا أخ أحمد أنا جاهز.

جلست مع السيد الرئيس ما يكفي من الوقت لأشرح له الموقف داخل حركة حماس، وأن الجميع قد تغير، والرغبة في المصالحة هي توجه لا خلاف عليه، والأخ أبو الوليد مستعد للقدوم غداً للقاء بك، ولا أحد يضع شروطاً، وكلنا نريد له النجاح والتمكين في مهمته خلال اجتماع الجمعية العامة في شهر سبتمبر لمناقشة طلب عضوية فلسطين لمجلس الأمن.    

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي التقيه وأجلس معه بشكل منفرد، حيث سبقت ذلك العديد من اللقاءات في مكتبه على شاطئ البحر بمدينة غزة، والتي كانت تتم بمعية رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، الذي كنت أعمل مستشاراً سياسياً له.

انتظرت أن يقول الرئبس شيئاً مشجعاً، ولكنه اعتذر بدعوى أنه سيسافر ويمكنني استكمال المهمة والحديث في المبادرة مع د. صائب عريقات، الذي كان يتابع الحديث معنا. في الحقيقة، خرجت محبطاً؛ لأنني شعرت بأن الرئيس ليس مستعجلاً لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وأن عليه إرضاء أطراف أمريكية وإسرائيلية لا تريد لهذا الانقسام أن ينتهي.

وعليه؛ فإن قناعتي التي أصبحت جزءاً من ملتي وأعتقادي هي أن الرئيس أبو مازن كان وما زال هو جزءٌ من المشكلة، وليس هو - للأسف - رجل الحل.