عن مستقبل الشركات بعد الجائحة..غازي أبو نحل

الجمعة 15 مايو 2020 04:48 م / بتوقيت القدس +2GMT



لم تكد تمرّ أسابيع على انتشار فيروس كورونا، حتى أصدر صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي ما سمياه «رسالة تضامن مشتركة» تتضمن استعدادها لمساعدة «دولنا الأعضاء» عبر «تمويل حالات الطوارئ وتقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة التقنية».
من جهته، طلب البنك الدولي من الحكومات تجنب السياسات الحمائية وفرض قيود على الصادرات من الأغذية والمنتجات الطبية والضرورية، مشجعاً البلدان النامية على مساندة القطاع الخاص والمصارف المركزية على التحرك لتهدئة اضطرابات الأسواق.
يمكن تفسير «النصيحة» الأخيرة بأنها دعوة لدعم الشركات والمؤسسات، فيما الفقراء ينصح لهم بـ»تحويلات نقدية وخدمات مجانية للأشد احتياجاً».
وأقر البنك الدولي حزمة تحفيز بقيمة 12 مليار دولار أميركي للبلدان النامية من أجل تقوية الأنظمة الصحية.
أما صندوق النقد الدولي، فقد ركز على تنفيذ إجراءات جوهرية موجهة على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية والسوق المالية لمساعدة الأسر ومنشآت الأعمال المتضررة، مشيراً إلى التنشيط النقدي الأوسع نطاقاً، كخفض أسعار الفائدة الأساسية أو شراء الأصول، عارضاً استعداده لإقراض البلدان الناشئة والمنخفضة الدخل بقيمة 50 مليار دولار.
وباء كورونا يضرب العالم. يتوسع. يحصد مئات الآلاف من الأرواح... والأعين على الاقتصاد.
ما هو واقع الشركات بعد كورونا؟ وما هي تأثيرات هذا الفيروس على عملها وأدائها ومستقبلها؟
استدعت الضغوط السياسية والشعبية المتزايدة تساؤلات حول اعتماد دول الغرب على سلاسل التوريد البعيدة الموجودة في الصين وشرق آسيا. كما على المنتجات المستوردة، لاسيما الصينية منها، خصوصاً بعدما أرغم فيروس كورونا الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدراتها في مواجهة فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية.
لهذا من المحتمل، إلى حد كبير، أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين التي تأسست في أوائل القرن الحالي، لأنه من دون وجود حافز لحماية المكاسب المشتركة من سلبيات الاندماج الاقتصادي العالمي، ستتدهور بسرعة بنية الحوكمة الاقتصادية العالمية التي تأسست في القرن الماضي، وحينئذ سيتطلب الأمر من القادة السياسيين جهداً هائلاً للحفاظ على التعاون الدولي وعدم الانزلاق من جديد إلى المنافسات الجيوسياسية.
الشركات العابرة للقارات إذاً. المتعددة الجنسيات. المتفاعلة مع العولمة وشروطها ستتعرض لخسائر وستشهد تراجعاً في أعمالها.
بعضها سيتلقى دعماً للاستمرار، بفعل الحاجة، وبعضها الآخر سيُترك لمصيره، بحيث تتراجع أعمالها وقدراتها على التأثير الداخلي والخارجي، كما سنشهد إعادة تموضع لمؤسسات وشركات عالمية مراعاة للوقائع الجديدة.
في المقابل، أدى هذا الوباء إلى تقوية نفوذ الدولة وعزز الاتجاهات القومية ودفع نحو تبني الحكومات إجراءات استثنائية لإدارة الأزمة منها تعزيز اقتصاداتها الداخلية والدفع في اتجاه توفير المقومات اللازمة لقيام مؤسسات وشركات وقطاعات إنتاجية محلية قادرة على تلبية احتياجات الأسواق الداخلية، في ظل إقفال الحدود وشلل وسائل النقل العابرة للقارات.
هكذا أعلنت الحكومات والمصارف المركزية عن رزم تحفيزية وقروض ميسرة لقطاعاتها الاقتصادية لمساعدتها على الصمود والعودة إلى الإنتاج. مع التنويه إلى أن بعض أوجه العمل والتنظيم ستتبدل نهائياً عند الخروج من الوضع الحالي، وستُخلى الساحة للشركات والمؤسسات المتمتعة بالملاءة المالية والقدرات البشرية المتميزة، كما سنشهد تنمية لقطاعات معينة على حساب قطاعات أخرى، ناهيك عن الحاجة إلى إعادة رسملة شركات وضخ سيولة في أخرى والغَرْفِ من الاحتياطات المتوافرة في عدد منها... بما يرتّب من تحديات على أصحاب الشركات والمساهمين فيها.
وفي كل الأحوال، فإن دور الشركات في دعم الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية، وكذلك في استحداث فرص العمل والتشجيع على الابتكار وتحفيز مبادرة الأعمال للشباب... بات ملازماً للتطور النوعي في عملها واستمرارها.
لقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية للشركات أحد المفاهيم الحديثة التي تساعد على خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية.
هذه المسؤولية ستزداد بعد انتهاء أزمة كورونا، لاسيما على ضوء نتائجها المدمرة على بنية المجتمع وقدراته.
وبين الحالين، فإن الأمر لن يتغير، هو الطبيعة المتصارعة في السياسة العالمية، إذ إن الأوبئة السابقة التي حلّت بالعالم مثل الإنفلونزا الإسبانية عامي 1918 و1919 لم تُنهِ النزاع بين القوى العالمية المتصارعة ولم تبشّر بعصر جديد من التعاون العالمي.
ولن يؤدي فيروس كورونا إلى نمط مختلف في العلاقات الدولية، إذ من المرجح أن يشهد العالم مزيداً من التراجع في العولمة المفرطة، لأن المواطنين سينتظرون حمايتهم من حكوماتهم الوطنية وستسعى الدول والشركات إلى الحد من إمكانية تعرضها لهجوم مماثل أو انتكاسات مشابهة في المستقبل!
وفي كل الأحوال، سيخلق وباء كورونا عالماً أقل انفتاحاً وحرية وازدهاراً. وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن بهذا السوء، فإن الجمع بين فيروس قاتل وتخطيط غير ملائم وإدارات غير كفؤة وضع البشرية على مسار جديد مثير للقلق.
---
*رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات Nest Investments (Holdings) L.T.D.