ماذا عن اليوم التالي للضمّ ؟عبد المجيد سويلم

الخميس 14 مايو 2020 09:50 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ماذا عن اليوم التالي للضمّ ؟عبد المجيد سويلم



يستهل الكثيرون من المراقبين والمحللين، بمن في ذلك بعض الفلسطينيين، والعرب، كما هي الحال بالنسبة للمتابعين الإسرائيليين قضية "الضمّ"، ويرون أنه سيمرّ كما مرّ نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ويعتبرون أن رفض المجتمع الدولي بما في ذلك الموقف الإقليمي لن يتجاوز ما هو معتاد ومعهود من أشكال الشجب والإدانة والاستنكار.
وتعتقد أغلبية كبيرة من هؤلاء ـ وليس بالضرورة من نفس الزاوية والمنظار ـ أن ضعف الحالة الفلسطينية الداخلية، والانقسام، وهشاشة الأوضاع المعيشية، خصوصاً في ظل جائحة كورونا، وكذلك غياب الإرادة السياسية والقرار السياسي بالمواجهة الشاملة والجذرية مع مشروع الضمّ سيسهّل على إسرائيل والولايات المتحدة تمرير الضمّ، وأن ردود الأفعال مهما بلغت فإنها لن تتجاوز بأي حال السقف أو السقوف التي يمكن لإسرائيل التعامل معها، والتأقلم مع مفاعيلها وتبعاتها و"التعايش" مع الحدود القصوى لها.
هذه "الأجواء" تغري اليمين في إسرائيل بالمضي قدماً في مسار "الضمّ"، كما تشحن هذا اليمين الأكثر تطرفاً نحو الضغط المتواصل لاستثمار ثلاث فرص لن تتكرر أبداً إذا ما تمّ "التراخي" في هذا المسار.
الفرصة الأولى: وجود إدارة الرئيس ترامب والتي تتبنّى الحل الإسرائيلي والرؤية الإسرائيلية للحل.
هذه "الفرصة" تحوّلت في ضوء تضعضع الرئيس ترامب وفي ظل النتائج الحالية، والنتائج المتوقعة لجائحة كورونا إلى فرصة وحيدة وفريدة واستثنائية، ليس من المتوقع تكرارها، ما يجعل قضية الضمّ عاجلة وبما لا يتجاوز الشهر التاسع أو العاشر من هذا العام.
واقع الحال على صعيد هذه الفرصة يمكن تلخيصه بالشعار التالي: [إمّا الآن أو أبداً].
الفرصة الثانية: الحالة العربية.
هنا أدّعي ومستعدّ للمحاججة، أن العرب منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا لم يكونوا على هذه الدرجة من المهانة والهوان. فهذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها العرب بالتنازل الطوعي عن تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم كله، مروراً برهن كامل إرادتهم لحليف يُجاهر ويُفاخر بدعم إسرائيل التوراتية والعنصرية والعدوانية التوسعية.
بل ويطلب منهم هذا الحليف غضّ الطرف عن كامل الحقوق الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل تحت الطاولة إلى حين إنضاج الظروف كاملة لإشهار وترسيم هذا التطبيع.
الفرصة الثالثة: الحالة الإسرائيلية.
لم تعش إسرائيل الأزمة السياسية التي كانت عليها منذ تأسيسها وحتى اليوم. فبعد أن كاد الاستقطاب السياسي فيها يودي بكامل نظامها السياسي، وبعد أن كاد اليمين الحاكم فيها ينهار برنامجياً وعلى مستوى بنيته الحزبية والسياسية، وفي ظل وجود لوائح اتهام خطيرة ضد الزعامة الوحيدة لهذا اليمين، تمكن هذا اليمين في "الدقيقة تسعين" من إنقاذ نفسه وبرنامجه وبنيته بوساطة الصفقة التي عقدها مع غانتس، كما تمكن من تحييد دور ليبرمان وتجنّب دور وتأثير القائمة العربية المشتركة في رسم الخارطة السياسية في إسرائيل وتخطّي سعيها (أي القائمة المشتركة) نحو إسقاط نتنياهو وتحالف اليمين الحاكم.. بعد هذا الاختراق الهائل أصبح أمام هذا اليمين فرصة قد لا تتكرر أبداً وبالمطلق.
قاعدة الارتكاز لهذه الفرص الثلاث هي ضعف وهشاشة الحالة الفلسطينية، وخصوصاً في ظل تفاقم واستفحال حالة الانقسام. في ظل مفاعيل جائحة كورونا والانقلابات التي أدت إليها حتى الآن هذه الجائحة وانشغال العالم بما في ذلك العربي منه بالأخطار السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الجميع من دون استثناء تبدو الفرص الثلاث المرتكزة أساساً على ضعف وهشاشة الوضع الفلسطيني مواتية للإقدام على "الضمّ"، وتبدو كل الظروف "مهيّئة" للتعجيل بتبنّيه وتنفيذه.
هذا هو بالضبط ما يجعل الكثيرين من المحلّلين والمراقبين والمتابعين الفلسطينيين والعرب والأجانب، أيضاً، يستسهلون "الضمّ".

وفي الحالة الشعبية الفلسطينية نرى الغالبية الساحقة تتبنّى هذه الأطروحة، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن هذا التبنّي هو حالة مطلقة أو يائسة، أو أنها انعكاس لإحباط لا رجعة عنه، أو استعداد للتخلي عن المجابهة إذا ما رأت هذه الحالة الشعبية أن هناك ما يدعو إلى الأمل والاستنهاض.
وفي ضوء ذلك تحديداً، بأنه وبالعودة إلى مقالنا السابق حول تطبيع الحالة الوطنية يصبح مطلوباً على الصعيد الوطني حالة استنهاض حقيقية.
أوضحنا في مقالات سابقة على مقال (تطبيع الحالة الوطنية) أن الضمّ هو جوهر "صفقة القرن"، وأن اقتصار هذه الخطة الأميركية على نقل السفارة ـ رغم خطورته الكبيرة ـ لا يشكل وحده أو بمفرده اختراقاً استراتيجياً لحقوقنا الوطنية الثابتة على الرغم من الضرر الكبير الذي ألحقه بهذه الحقوق.
والأهمّ الآن أن نوضح بأن خطة "الضمّ" قابلة للانكسار والكسر، وأن بمقدور الشعب الفلسطيني أن يحبطها في المراحل الأولى، وأن يهزمها في مراحل لاحقة.
هذه الإمكانية ليست نظرية، وليست وليدة حماسة وطنية، أو ذهنية، لفظوية وشعاراتية أبداً.
عندما تتولّد لدينا قناعة بأن خطة "الضمّ" تواجه استعصاءات كبيرة فإن من شأن ذلك أن يحفّز لدينا كل عناصر الاستنهاض التي نبحث عنها والتي من المفترض والواجب العمل عليها.
فالولايات المتحدة ليست موحّدة خلف هذه الخطة. وأصبح الحزب الديمقراطي الأميركي يعلن صراحةً ومن دون تردد الموقف المعارض لها.
وهذه ليست مسألة ثانوية أو هامشية في الحسابات الاستراتيجية لهذه الخطة.
كما أن أوساطاً متزايدةً من المجتمع الأميركي في شقه "اليهودي" أصبحت تنادي بوقف مسار هذا الضمّ، وتحذر من مغبّة الإقدام عليه.
وعلى الصعيد الدولي يرتفع صوت المعارضة الدولية لهذا الضمّ، وبدأت تلوح في الأفق المواقف التي "تهدّد" بالانتقال من مواقف الإدانة والشجب إلى مواقف التصدي والخطوات المقابلة، وربما العقوبات، أيضاً.
أمّا عربياً فإن المعارضة الأردنية الواضحة لهذا الضمّ ليست لا ثانوية ولا هامشية الدور والتأثير، حيث إن الثقل الأردني في هذه المعادلة هو ثقل حقيقي ولا يمكن تجاوزه بسهولة.
وليس مستبعداً أبداً أن تؤدي خطة الضمّ إلى "تمرّدات" عربية ليست بحسبان ترامب ولا نتنياهو.
الأمر المؤكّد أن الضمّ سينهي مرحلياً كل محاولات التطبيع وستتراجع اتجاهات التطبيع ولو مؤقتاً إلى الصفوف الخلفية في المشهد.
إن استعجال "الضمّ" من شأنه إحراج الحالة العربية، وأن من شأن الموقف الدولي المعارض للضمّ أن يضاعف من هذا الحرج و"يجبر" بعض العرب على اتخاذ مواقف يمكن أن تطيح بكل ما حاول بناءه كل من ترامب ونتنياهو على هذا الصعيد.
أمّا إسرائيلياً فإن معارضة الضمّ ـ حتى وإن كانت غير مبدئية ـ وتعود لأسباب تتعلق برؤية هذه المعارضة لمصالح إسرائيل الاستراتيجية، والتي هي أبعد في نظرها من مصالح اليمين ومن لعبة التشكيل الحكومي فيها.
أمام هذا الواقع، أي واقع أهمية وموقع عملية الضمّ في الخطة الأميركية، وكذلك الصعوبات التي تقف في طريق هذه العملية موضوعياً فإن الجانب الفلسطيني وحده هو المسؤول الأول والأخير عن حالة الاستنهاض، وعن مجابهة الخطة الأميركية.
وعندما تُستنهض الحالة الوطنية الفلسطينية وفي ظل ما أوضحناه من عقبات موضوعية أمام خطة الضمّ فإن إحباط وهزيمة الخطة ليس ممكناً فقط وإنما هو مؤكد، أيضاً.
وإذا فشلنا في استنهاض الحالة الوطنية فيجب ألا نلوم إلاّ أنفسنا، وإذا استطعنا الانتصار على ذاتنا والتفوق على واقع الهشاشة الوطنية فإن هذا الانتصار بالذات هو عنوان التغير الأساس في كل معادلة الصراع مع إسرائيل.