هذه عبارة يرددها البعض، ولا شك أنكم سمعتموها تترد على ألسنة الكثيرين من الناس، ولم يقتصر ذلك على العامة، بل تعداهم إلى بعض العلماء كذلك!!
فما صحة هذا القول: "اليهود أولاد عمنا"؟؟ سؤال لا بد له من إجابة، والإجابة التقليدية عليه، كما يطرحها الكثيرون مفادها: إن إبراهيم -عليه السلام- الذي وجد نحو 1800-1900 ق.م - قد تزوج سارة أو (ساراي) والتي لم ترزق بأطفال، وفي رحلته -عليه السلام- معها من فلسطين إلى مصر، أهديت لها جارية مصرية اسمها هاجر، فتزوجها إبراهيم فأنجبت له ولدا أسماه إسماعيل، ولما حملت الجارية ، أصابت الغيرة سارة فحملت بإسحاق، فذهب ذلك مثلا " لولا الغيرة ما حملت الأميرة"، ولما رأت سارة إسماعيل يلعب في صحن الدار قالت لإبراهيم: "خذ هذه المرأة وابنها وأبعدهما عني"، فحملهما إبراهيم من فلسطين إلى الجزيرة العربية وتركهما في واد قاحل عرف فيما بعد باسم مكة، ربما ليس لهذه الأسطورة أي سند تاريخي، سوى ما يدعيه كتبة التوارة[1]، لكن الثابت إسلاميا أن إبراهيم عليه السلام رزق بإسماعيل وبأمر من الله – وليس من سارة - حمله وأمه وقال: "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ "[2] أين يقع هذا الوادي ؟ الجواب "عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ" فالبيت كان موجوداعندما كان إسماعيل طفلا صغيرا، ولكنه غير قائم، وهذا دليل على أن إبراهيم ليس أول من بنى الكعبة، ولكن عندما شب إسماعيل، أمره الله - تعالى - أن ترفع القواعد التي كانت ظاهرة منذ طفولة إسماعيل، } وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل{ وما تركهما إبراهيم إلا لهذا الهدف وذلك في قوله : " رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ"[3]. ومن نسل إسماعيل ولد النبي العربي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
لنعد مع إبراهيم إلىفلسطين،فنجد إسحاق ابن الأميرة سارة، يافعا قد شب في بلاد ليست بلاده كذلك، فأبوه جاء إلى فلسطين لاجئا من العراق، هاربا من قومه الذين حاولوا قتله، لكن الإشكالية حسب النصوص التوراتية التي تروي القصة منذ بدايتها من منظور عنصري، محض، فإسماعيل ابن الجارية، أما إسحاق فهو ابن الأميرة الحرة، ولأن فلسطين قد أعطاها الله – تعالى - حسب زعمهم - لإبراهيم ونسله من بعده، فأولى الخطوات، هي أن تحرم إسماعيل من ميراث أبيه، وذلك بإخراجه منها وخارج حدودها، ولكن لماذا لم يتركه في الأردن مثلا؟ ببساطة لأن "أرض إسرائيل" ستتوسع، فتصبح لاحقا من النيل إلى الفرات[4]، ويجب أن يكون إسماعيل خارج هذه الحدود، وهذه أوصاف مكة المكرمة.
ولنختصر قليلا، ونقول :إن اسحاق تزوج من ابنة خاله وتدعى (رفقة) من العراق ولم يتزوج من الفلسطينيات حسب وصية إبراهيم له، وأنجبت له زوجته في بطن واحد ولدين :أولهما اسمه "عيسو" الابن الأكبر ثم الذي جاء عقب عيسو فقد اسموه يعقب، أو يعقوب، أي التالي، عندما شاخ إسحاق فقد بصره وأراد أن يورث النبوة لكبير أبنائه وهو عيسو، فأمره أن يذهب ليصطاد ويقدم هديا لتسليمه خاتم النبوة، في غيابه ذبحت أمه شاة وطبختها وطلبت من يعقوب الذي أحبته أكثر ؛لأنه الأصغر والأجمل ليقدم الهدي لأبيه على أنه عيسو، ولأنه كان أمردا على عكس أخيه، فقد ألبسته جلد الماعز، فقال إسحاق:" الملمس ملمس عيسو والصوت صوت يعقوب" ورغم شكه إلا أنه أعطاه ختم النبوة، ولما عاد عيسو بصيده، قدم الهدي فقال له ابوه :لقد أعطيت الختم لعيسو فقال له: إنه عيسو وأن هنالك خديعة حصلت، لم يعترف والده وقال له: إن الامر قد انتهى، غضب عيسو وترك العائلة هائما على وجهه، ولجأ إلى الفلسطينيين فعاش معهم وتزوج منهم واختفت آثاره من التوراة، وكذلك وهو الأهم حُرم من الميراث، تلاحظون هذا الكم الهائل من الكذب الخداع والتضليل الذي تمارسه التوراة وتدعيه بحق النبي اسحاق عليه السلام.[5]
بقي يعقوب الذي سار على خطى أبيه وجده، فذهب إلى العراق وتزوج من ابنة خاله (لابان) بعد أن رعى عنده سبع سنين مهرا لعروسهالصغيرة (راحل)، أو راشيل، كما تنطق باللاتينية، ولما أدخل عليها اكتشف صباحا أنها (ليئة)، وقد كان يريد الزواج من راحل التي احب، لكن خاله برر ذلك "لا يفعل هكذا في مكاننا أن نعطي الصغيرة قبل البكر، أكمل أسبوع هذه فنعطيك تلك أيضًا نظير الخدمة التي خدمتني أيضًا سبع سنين أخر"[6].، أي إن اردت راحل فعليك أن ترعى سبع سنوات أخرى، وقد فعل وعاد بزوجتين أختين، أنجبت له ليئةستة من الأولاد، وأنجبت له راحل يوسف عليه السلام وبنيامين،وهو الابن الوحيد لسيّدنا يعقوب الذى وُلد في فلسطين. وكذلك تزوج من الجارية (زلفة)فأنجبَ منها ولدين. وبعدهاتزوج من (بلها)فأنجب ولدين. وبذلك يتضح أنه كان لسيدنا يعقوب أربعُ نساء، وأنجب منهنّ اثنى عشرَ ولداً.
يعقوب وإسرائيل
حسب النصوص التوراتية، تحول اسم يعقوب إلى إسرائيل بين عشية وضحاها، فنقرأ في سفر التكوين 32 : 24 ،29 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.[7]
باختصار كما قرأتم، جاء الاسم نتيجة مصارعة مع الله ربح فيها يعقوب النزال، وحاز على اللقب "إسرائيل". أي صرع الله أو قوة الله، يشار أن (ايل) الواردة في كثير من الأسماء هي كلمة كنعانية تعني الله، فبت إيل، أي بيت الله، وهو أول مكان استقر فيه إبراهيم عليه السلام عندما لجأ إلى فلسطين.
إسرائيل هذا، له كما رأينا اثنا عشر ابنا، هم بنو إسرائيل، وهنا يجب أن نتوقف قليلا ونعود لكلام الله الحق في قوله تعالى :" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ"[8] ، فبني إسرائيل، أي ابناء يعقوب، والتفضيل هنا لأولاده في نسبهم دون غيرهم، إي أبناء النبي يعقوب وجدهم النبي إسحق، وجد جدهم النبي إبراهيم- عليهم السلام-، فأي تفضيل أكثر من ذلك، حين يكون نسب الشخص حتى جده الرابع من الأنبياء؟، وقد أطلقت كلمة "بنو اسرائيل" لاحقا على العموم دون تخصيص، ولكن دون تفضيل.
حتى هذه اللحظة لا وجود لمسمى يهود، فبعد أن خرج بنو إسرائيل من فلسطين إلى مصر بوجود يوسف- عليه السلام -على خزائن الأرض هناك، تكاثروا خلال مئات السنين حتى أصبح لكل واحد منهم قبيلة، هذه القبائل أصبحت تسمى فيما عرف بالأسباط، ومفردها سبط أي الحفيد، فهم أحفاد يعقوب. وأحفاد أحفاده، من المهم أن نعلم في هذا المقام، أن يوسف -علي السلام- قد بيع لأحد ملوك الهكسوسأو ملوك الخيل (عزيز مصر)، وهم ليسوا من الفراعنة بل قوم يرجح المؤرخون أنهم عماليق من الكنعانيين، ونلاحظ أن يوسف وأخوته لم يواجهو مشكلة لغوية، لأن الهكسوس كانوا يتكلمون داخل القصور لغة فلسطين السائدة في ذلك الوقت، كما أن أسماء ملوكهم كنعانية واضحة بجلاء (خيان وأوسر رع أبوفيس)وتظهر في أسماء بعض ملوكهم مقاطع معروفة في الأسماء الكنعانية مثل أيل وعنات،[9] وقد استمروا في حكم شمال مصر وليس كلها، حتى انتهى حكمهم سنة 1540 ق. م، الذي استمر حوالى 300 عام وقيل 409، وبعد أن استرد الفراعنة المصريون البلاد منهم استعبدوا بني اسرائيل الذين رأوا فيهم أنصارا للحكم البائد. استمر حال استعبادهم إلى أن بعث الله فيهم موسى نبيا، فبعد خروجهم من مصر بدأ القرآن الكريم يطلق عليهم يهودا، وفي ذلك قوله تعالى على لسان موسى- عليه السلام-: "وَاكْتُبْ لَنَا فِي هذه الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ"[10] فمفردة (هدنا) تعني عدنا إلى تعاليمك وتبنا إليك، أي نتبع تعاليمك وشريعتك التي أنزلتها في التوراة، وقال تعالى أيضا وبنفس المعنى: "وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا"[11]، هدنا أي أصبحنا هودا أو يهودا"بمعنى عدنت من الشرك إلى الإيمان،لكن هناك من يقول : إن موسى لم يبعث لليهود بنص القرآن ، ففي قوله تعالى: " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ"[12] وليس لليهود، وبعودتنا للمعاني نجد أن هناكمن قال :إنها (أي اليهودية ) مشتقة من اسم يهوذا أحد أبناء يعقوب -عليه السلام-. ومعروف كذلك أن مملكة يهودا وعاصمتها القدس كانت تمثل سبطين أو ثلاثة من بني إسرائيل، هم سبط يهوذا وسبط بنيامين وبعضهم يضيف سبط شمعون،[13] وهذه المملكة الجنوبية التي تم تدميرها في السبي البابلي علي يد نبوخذ نصر سنة 597 ق . م،[14] وأما مملكة الشمال والتي تسمى السامرة ، وكانت تشمل بقية الأسباط واتخذت من سبسطيا أو شخيم(نابلس) عاصمة لها كما يدعون.
يقول بعض أهل التاريخ: إنه لم يطلق عليهم يهوذا إلا بعد عودتهم من السبي سنة 538 ق.م،علي يد الملك الفارسي قورش بعد أكثر من 380 عاما من السبي، وكان قد تحول عدد كبير منهم في بابل إلى الوثنية وفقدوا التوراة من بين أيديهم، فكتب أحبارهم ما يعرف بالتلمود البابلي، بين كتب أحبارهم ممن بقي في شمال فلسطين ما يعرف بالتلمود الفلسطيني أو الصفدي،وهو عبارة عن تشريعات وفتاوى لحاخاماتهم تعج بالعنصرية والتمييز بين من هو يهودي وبين الأغيار من غير اليهود.[15]
ما الفرق بين بني اسرائيل واليهود؟
بداية بنو إسرائيل هم أبناء يعقوب الاثني عشر- كما سبق أن قدمنا-، لكن التسمية لاحقت أحفادهم من بعدهم، غير أن القرآن الكريم عادة ما ذكر بني إسرائيل بالصلاح والخير في 42 آية قرآنية ، لكنه فرق بينهم وبين اليهود بطريقة جلية، وفي تسع آيات من كتابه الكريمـ، ففي آية مفصلية من سورة الصف، يتم التفريق في المعنيين: "فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ﴿14 الصف﴾ هذه الطائفة التي كفرت، وهم من أطلق عليهم القرآن اسم (اليهود) فلا تكاد تجد آية في كتاب الله - تعالى- تمدح اليهود أو تصفهم بالخير، انظر إلى مجموع الآيات "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ" وأشدها في تأكيد كفرهم، هي الآية الكريمة " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ﴿٣٠ التوبة﴾ وفي سورة المائدة تشديد على عداوتهم "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا"﴿82 المائدة﴾، وقد ذكروا بالاسم تسع مرات كلها ذم في كفرهم وفساد عقيدتهم.
من هنا نجد أن اليهود بنص القرآن عبارة عن صفة كفرية لجماعة من بني اسرائيل، تاهوا في الأرض، عبر آلاف السنين، فمنهم من اتبع الحق فأسلم، وفي التاريخ الإسلامي أسماء معروفة، وبعضهم تحول لديانات وعقائد أخرى حيث أقام، وفي نفس الوقت بقي منهم من بقي على ضلاله.
من هو اليهودي، وكيف ينظر اليهود لأنفسهم؟
واضح مما سبق أن اليهودية عقيدة باطلة، وأن اليهود جماعة دينية وليست عرقية، ول كانت كذلك لوجنا أنا البشر على الأرض عبارة عن خمس أو ستة شعوب رئيسية، فالؤمنون أخوة، فهل يعني هذا أنهم أخوة بالدم أم أخوة في العقيدة!!
ورغم ذلك حاول أحبار اليهود ومن خلال التلمود أن يفرقوا بين اليهودي وغير اليهودي. فكما ورد في الشريعة (هالاخاه) تم تعريف اليهودي: بأنه من ولد لأم يهودية أو من تهود.فكيف إذا تهود يصبح يهوديا بالدم، خاصة أن أمه ليست يهودية،يجيب اليهودي المناهض للصهيونية الدكتور نورمان فلكنستاين في محاضرة له في مونتريال /كندا- وكنت أحد حضورها-، حيث سأل سؤالا لليهود أنفسهم ممن كانوا في القاعة، من هو اليهودي؟ فأجابوا: ذلك الذي أمه يهودية، فسأل، كيف أصبحت هذه الأم يهودية؟ أليس لأن أمها يهودية؟!! قالوا: أجل، وجدتها يهودية؟؟ نعم..حتى عاد بالتاريخ، إلى أن وصل معهم سارة زوجة إبراهيم -عليه السلام-، فهل كانت يهودية؟ حسب اعتقاد اليهود، قالوا: أجل، فقال لهم: هل أم سارة كانت يهودية؟، وهنا خيم الصمت، لأن الجواب لا، بل لا كبيرة، إذا فاليهودية ممارسة وشعائر وطقوس دينية وليست نسبا وعرقاً وعشيرة. وهنا تكمن المشكلة، ففكرة تحويل اليهودية إلى قومية هي فكرة خاطئة بالأساس، ولا تقوم على أي ركيزة علمية أو تاريخية، وبعض اليهود أنفسهم يقولون ذلك، فعلى سبيل المثال،تجدون جماعة ناطوري كارتا[16] وتعني باللغة الآرامية (حراس المدينة)لا تعترف بإسرائيل، ويقولون أن اليهود مهمتهم التبشير، وإقامة شرع الله،فهم يحملون قومية البلد التي يعيشون فيها، ولا يحق لهم إقامة كيان سياسي خاص بهم.
فاليهود غير متفقين على سؤال البحث هذا، أنظر مثلا لليهود الغربيين، أو الذين يطلق عليهم اسم الأشكنازية، والذين يشكلون اليوم أكثر من 90% من اليهود حول العالم، ومنهم جاءثيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية، وكل قادة الكيان الصهيوني حتى اليوم،فمن أين جاء هؤلاء؟ ربما سمعت أو لم تسمع بمملكة يهود الخزر وعملية تهوّيد القبائل الخزريّة، التي سكنت قرب بحر قزوين عندما اعتنق أحد ملوكها اليهودية ثم اعتنقها كل قومه سنة 740 للميلاد،[17] يعتقد المسعودي أن إمبراطور الخزر قد اعتنق اليهودية في عهد خليفة المسلمين هارون الرشيد. وقد تدمرت هذه المملكة بعدما خاضت حروبا عديدة مع الكثير من الممالك والإمبراطوريات المحيطة بها، حتى تم القضاء عليها لاحقا وتوزع سكانها في أنحاء أوروبا وخاصة الشرقية منها، فأي علاقة تربط هؤلاء ببني اسرائيل؟ لا ارتباط يذكر لا من ناحية العرق والدم ولا من ناحية العقيدة.
ويقول لوثروبستودارد عالم الأجناس الشهير: إن الوثائق الموجودة لدى اليهود أنفسهم تقر بأن 82% من المنتسبين إلى الحركة الصهيونية السياسية هم من الأشكنازالمدعووين باليهود، ولكنهم ليسوا ساميين.ففي دراسة أجريت على 1000 يهودي بريطاني تبين أن 92% منهم لا يحملون أي حمض نووي DNA يمت للشرق الأوسط وسكانه بصلة. ففي عام 1966م قام أنثروبولوجي بريطاني هو (جميس فنتون) بدراسة على يهود إسرائيل انتهى فيها إلى أنّ 95% من يهود اليوم ليسوا من بنى إسرائيل، ناهيك عن آلاف القصص التي تناولتها صحف العالم عن عصابات صهيونية، تقوم بسرقة أو شراء أطفال من أمريكا اللاتينية ودول فقيرة أخرى وبيعهم لأزواج إسرائيليين، هكذا ببساطة يجمعون اللقطاء من حاويات القمامة في تلك الدول ويحولونهم إلى يهود.[18]
بل إن أكثر من 86% من المليون مهاجر الذين تم استقدامهم من الاتحاد السوفيتي السابق، لم يكونوا يهودا، فقد كشفت معطيات رسمية إسرائيلية، أن 86 بالمئة من المهاجرين الذين وصلوا إلى إسرائيل منذ عام 2012 "ليسوا يهودا".
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإثنين، إنها حصلت على وثيقة رسمية من هيئة السكان والهجرة التابعة، لوزارة الداخلية الإسرائيلية تفيد أن من بين 180 ألف مهاجر وصلوا إلى إسرائيل منذ عام 2012 وحصلوا على جنسيتها، هناك فقط 25 ألفا و375 (نحو 14%) مصنفين كيهود.[19].
ونفس النسبة أو أكثر من يهود الفلاشا الذين أحضروا من أثيوبيا كذلك، وقد اعترف لي –شخصيا- سائق تكسي منهم، عندما هممت بالنزول من سيارته، أنه ليس يهوديا، وأنه جاء وعائلته بسبب المجاعة التي ضربت منطقته من الحبشة في حينه، وعندما تم مواجهة أحد الحاخامات بهذه الحقائق، قال بكل صلف" نعلم ذلك، لكنهم سيحاولون إثبات أنهم يهود، سيذهبون للجيش ويقاتلون كالأبطال، ويموتون من أجل اسرائيل، وعندما يموتون لن نحزن أبدا، لأننا نعلم أن الذي مات ليس يهوديا"،
هنا من حقنا أن نتساءل، أي علاقة تربط هؤلاء ببني اسرائيل؟ لا ارتباط يذكر لا من ناحية العرق والدم ولا من ناحية العقيدة، فهذه الطائفة التي تحتل بلادنا من الأوروبيين، هم غرباء عن أرضنا وشعبنا دينيا وثقافيا وعرقيا، وهم مشروع استعماري غربي جاء ليفتت النسيج الاجتماعي العربي ويزرع في فلسطين وباء اسمه "اسرائيل"، ويسيطر على المنطقة لصال المشروع الاستعماري فتكون هذه الدولة المسخ بمثابة نقطة ارتكاز متقدمة، لتقويض أي تقدم في المنطقة، أو أي تحرر لشعوبها من براثن الاستعمار ووكلائه من الحكام المتسلطين على رقاب العباد.
اليهود في إسرائيل:
منذ نشأتها أصدرت إسرائيل عدة قوانين تعطي حقوقا لصاحب الهوية اليهودية، وكان قانون العودة (عليا)، أولها (عام 1950)، وينص على حق اليهودي أينما كان في الهجرة إلى إسرائيل والاستيطان فيها.
وصدر قانون تكميلي (عام 1952) هو قانون المواطنة الإسرائيلية الذي يمنح الجنسية الإسرائيلية لكل المهاجرين اليهود، ولكن كلا القانونين لم يعرفا من هو اليهودي ؛ لأنه ببساطة قد يولد الشخص لأم يهودية، ثم يعتنق ديانة أخرى أو يصبح ملحدا، ولحل هذه الإشكالية، صدر عام 1970 تعديل لقانون العودة حيث نص على أن اليهودي من ولد لأم يهودية بشرط أن لا يكون على دين آخر، ونص أيضا على أن اليهودي هو المتهود. ولا يزال هذا التعريف هو المعتمد.[20]
وأخيرا جاء قانون القومية عام 2018 الذي ينص على أن "حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط"، ويعرّف دولة إسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير، رغم كل ما سبق، فالذين يدعوهم القانون الإسرائيلي باليهود، لا يمتون لليهودية بصلة، وتشير تقديرات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيليةأنه بحلول عام 2027 ستكون نسبة الحيريديم (اليهود الارثودوكس)9% من المجموعة السكانية الكلية، ويعرف 44% من اليهود أنفسهم أنهم علمانيون، و24% أنهم محافظين غير متزمتين دينيا ، بينما يقول 12% أنهم محافظين متدينين ونسبة11% من الاسرائيليين فقط متدينين.[21]
هل اليهود أبناء عمومة؟
عادة ما تقوم العشائر العربية بالتخلي عن أحد أبنائها إذا ارتكب جريمة نكراء، فتعلن على الملأ براءتها منه ومن أفعاله، فكيف تجد بعض العرب يتشدقون بقربهم من مجموعة بشرية هي نفسها تعتبرهم أقل من مستوى البشر؟. بل وأن أباهم أي إسماعيل -عليه السلام -هو ابن الجارية، وعليه فهم كذلك عبيد لليهود إلى الأبد. كيف تعتبر أن اليهود أولاد عمومة لك، وهم أنفسهم لا يعرفون من هو اليهودي بينهم؟ ثم إن كنت عربيا مسلماً، كيف لك أن تتقرب من جماعة وصفها الله – تعالى- بأشد عبارات الكفر والعداء؟ فهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا.
فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم- قدوتك، فهل تجد في كل ما صح عنه عليه السلام، أنه قال: إن اليهود أولاد عمومتنا؟ وهو أقرب إلى إسماعيل بن إبراهيم منك من الناحية التاريخية على الأقل، لكن الوحي السماوي جاء حاسما في هذه القضية، فقال الله – تعالى-: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" (68)، فرب العزة يقول لنا: إن من يدعي قرابة بإبراهيم من الكفار، هم كاذبون، وأن أتباعه هم المؤمنون حقا، وهذا النبي العربي ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما من كفر من بني إسرائيل فأولياؤهم الطاغوت، فكيف بالذين تهودوا من غيرهم، هل هم أبناء عمومة أيضا؟ وهم يمثلون أكثر من 95 بالمائة ممن يدعون أنهم يهود.
هل يعلم الذين يعتقدون أن اليهود أبناء عمومتهم، يرفضهم اليهود أصلا، بل إنهم لا يعتبرونهم كائنات بشرية، فالناس بالنسبة لليهود هم من الأغيار، والأغيار مخلوقة من أرواح نجسة، وهم فقط دون غيرهم البشر الحقيقيون الذين خلقوا من روح الله المقدسة. فهل ما زال من بيننا من يصر على أن هؤلاء أبناء عمومته؟
أخير،إذا كان يربطنا بهم أي رابط - كما يدعي البعض- فهو قد بدأ بإبراهيم عليه السلام، وقد قطع الله هذا الرابط بآية محكمة من كتابه العزيز فقال في الآية 67 من سورة آل عمران "مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا ولكن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين" وعليه،فإذا كان إبراهيم ليس يهوديا لا بالعرق ولا بالعقيدة، فأولاده ليس كذلك، وأحفاده من بني اسرائيل ليسو يهودا، فكيف يصبح حثالة الشعوب اليوم أبناء عمومتنا!!
بعد كل ما تقدم، نستطيع القول أن من يردد عبارة (اليهود أبناء عمومتنا) إما أن يكون جاهلا بتاريخهم وحقدهم اللامحدود على البشرية جمعاء، وعلى المؤمنين منهم تحديدا، وقبل ذلك على نسل اسماعيل من العرب خصيصا، وإما أن يكون مريضا جبانا، ويحاول التساوق مع المفسدين في الأرض خوفا وطلبا لرضاهم، وتقربا منهم، وبهذا يكون قد اختار لنفسه أن يحشر معهم، ويقول رب العزة له ولأمثاله"قِيلَ ٱدْخُلُوٓاْأَبْوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ". (الزمر، 72)