ما الذي تبقى من حريات في هذا البلد؟نادية عصام حرحش

الأربعاء 13 مايو 2020 01:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما الذي تبقى من حريات في هذا البلد؟نادية عصام حرحش



هل الموضوع مرتبط بما يتعلق بكلمة فلسطين او القدس مثلا؟ يعني هل يمكن ان يكون أولئك المستخدمين لاسم فلسطين او القدس كما في هذه الحالة  معتقدين ان الاسم يعطيهم صلاحيات التحكم؟ يعني السلطة الفلسطينية بمنشآتها وكذلك بنك القدس؟

لا تزال الفرقعة بردود الفعل ضد البنوك الفلسطينية حامية الوطيس، فلم تنته الازمة بين إيقاف حسابات الاسرى وبين عمولة الشيكات الراجعة.
عندما شاهدت الوثيقة الموقعة من البنوك الفلسطينية بعنوان “طلب الجيش الإسرائيلي” لم أفكر بالرد ولا التعليق ولا الكتابة، فكرت للحظات قائلة، ما هو المتوقع منهم؟ كل شيء يتحول الى ماكينة مكرسة لخدمة الاحتلال كل من موقعه الكبير في مؤسسات السلطة المختلفة. يعني نعيش أجواء ضم محتمل قادم، واقصى ما يتم تقديمه هو تنديد وتهديد بسوف واذا.
للحق، رد وزير المالية بتوصيف الوضع على ما هو عليه بشأن الجيش الإسرائيلي بانه “جيش احتلال” يحسب له في هذا الزمن ، الذي وصلنا فيه الى هذا التردي من الانصياع والتطويع من اجل ما يخدم ديمومة الاحتلال مباشرة او غير مباشرة، لتصبح عبارة وزير المالية  البديهية بوصف جيش الاحتلال وكأنها فعل قومي بطولي عظيم.
هل يخشى البنك على مصالحه، وعلى زبائنه وعليه خاف من مواجهة امر “الجيش الإسرائيلي” ورأى من امره واجب التنفيذ؟، وقام بالتبليغ للوزارة وكأن العتب قد رُفع عنه؟
هذا كذلك لا يمكن استغرابه.
استهجنت بالبداية موضوع التعدي على البنوك وواجهاتها والصرافات الالية، واعترف انني ارفض وبشدة هذه الممارسات، لأن من يقوم بهذه التصرفات يقوم كمن “لم يقدر على الحمار قدر على البردعة”.
قبل اندلاع هذه الازمة الحقيقية، والتي ليست الا استكمالا للمشهد السلطوي الايل للانهيار، فحقيقة الامر ان البنوك ليست الا أحد أطراف تتحرك نحو ما تقرره إسرائيل من أوامر وتطبقها عنوة وطواعية على السلطة الفلسطينية. فالبنوك لا تتحرك وسط صلاحياتهم الموجودة، لأنه لا صلاحيات حقيقية موجودة أصلا.
كان هناك ازمة الشيكات الراجعة والعمولات المفروضة عليها، في خطوة تعتبر استباحة لقرارات رئيس الوزراء وتصريحات محدثه اليومي. فمنذ بداية ازمة الكورونا وإعلان الطوارئ كانت تصريحات رئيس الوزراء بتعليمات من رئيس السلطة الفلسطينية واضحة، مما طمأن الناس بشأن الشيكات ودفعات القروض. لتضرب البنوك الامر في عرض الحائط وتتغول على الانسان المسكين. وكأن يدهم اشد من يد الحكومة وكلمتهم هي الكلمة الأخيرة… فتركوا الحكومة تقول ما تقول، ومحدثها يطلق الوعودات وينصح من رجع شيك له بأن يأتي اليه.
بينما كان افول التصريحات الحكومية قد بدأ، خرجت اغنية مثيرة للسخط، ربما اساء صانعيها التقدير في التوقيت التي كانت الأمور قد بدأت فيه بالتكشف. فلقد رأينا العجب خلال الشهرين الماضيين من ابطال خارقين ومخلوقات اسطورية، وزعماء وقادة بحجم الوطن. اغنية “حكومتنا جميله” على غرار “بيلا تشاو الإيطالية” التي كانت رمزا للجماهير الثائرة ابان الحرب العالمية للطبقة العاملة في إيطالية، وصارت الاغنية كنشيد وطني تستخدم في المناسبات المثيرة للاهتمام. اخذ بعض الافراد الاغنية وتدويرها بكلمات لا يمكن وصفها الا “بالتسحيجية” بالمطلق لأفراد الحكومة بأسمائهم بالخصوص والعموم، وكأن ما يجري كإنجاز واستحقاق وطني دخلنا في تاريخ التحرر. اعتقد ان رد الشعب كان واضحا، فلم يكن بعيدا اوبريت السيد الرئيس الذي اثار السخط الجمعي كذلك في توصيف ما لا يصفه الانسان الفلسطيني كما حكومتنا الجميلة التي اجلست الشعب في حوض نعنع كما يقول المثل الشعبي.
بين كل هذه المآسي خرجت اغنية معبرة، على غرار اغنية قامت بها شابة لبنانية بداية الكورونا لفيروز استبدلت الكلمات بكلمات خاصة بالوضع الكوروني. ولاقت الاغنية استحسانا واسعا في وقت حاكت الوضع بطريقة لطيفة وصوت معبر.
هنا في الاغنية الفيروزية التي تحاكي الازمة الفلسطينية، خرج شاب خلّاق ومبدع اسمه مجد سمارة وغنى “شو كانت حلوه الليالي” في محاكاه لموضوع البنوك وأزمة الرصيد. واعجبني فكرة التمرين العقلي الذي تخلل الاغنية بشأن القروض والشيكات الراجعة والارصدة المصفرة.
كنت أتوقع ان الشاب- مجد-  الذي قدم الاغنية ستنزعج السلطة منه، في وقت يتم الكثير من الحجر الذاتي على الحريات، ليختار المعظم ان يسكت. ابعدها ظننت ان المتحدث سيضحك مع جمهور المتفرجين من الاغنية. فلقد رأينا كيف كان المتحدث يتناول ما كان يكتبه الكوميديان الفلسطيني علاء أبو دياب من انتقادات اثناء ايجازاته. وبغض النظر عن رأيي بشأن ما كان يجري من ايجازات تحديثية للكورونا، كان المتحدث بلا شك، قادرا على امتصاص غضب الشعب واستيائهم بنكتة هنا ودعابة هناك بتلطيف عام للجو.
وكأن سكوت المتحدث عن الايجازات انتهى به عهد الحريات الموعودة او المسموحة او المتروكة للتداول. وان لم يكن يكف للمواطن الفلسطيني ما يناله من قمع لصوته من الجهات الأمنية كل على حسب حظه وسوء طالعه، خرج بنك القدس ببيان ليتهم صاحب الاغنية التي تكلمت عن البنوك وعن الأرصدة الفارغة وعن وجع الناس من حمل القروض، بانه خارج عن الصف الوطني بعد ان اغلق بنك القدس  حساب الرجل وشركته بطريقة ابعد ما يقال عنها بانها قانونية واقل ما يمكن ان توصف به انها بلطجة رسمية. لأتذكر فعل البعض غير المسؤول من حرق وتخريب للممتلكات. فما الفرق بين من يرمي واجهة البنك بزجاجة حارقة او يكسر الزجاج وبين البيان الذي أصدره بنك القدس؟
المصيبة بالبنك الذي يقرر ان شخصا ما هو خارج عن الصف الوطني أي يصفه بالعمالة، بينم البنك ذاته هو من يكتب في مراسلته “جيش إسرائيل” ويعلن بلا خجل انصياعه لأمر الحاكم العسكري.
أي مهزلة هذه التي نعيشها؟
أي مسخرة هذا التي تمر فوقنا وتحتنا ونحن نتلقف هذا الكم من الازدراء وكأنها صارت طريقة حياتنا.
هل يريد رأس المال المتمثل بالبنوك تنفيذ دور الاقطاعي على المواطنين؟ هل البنك يخوّل نفسه القانون ومنفذه وصاحب صك الغفران لمن هو وطني ومن هو خارج؟
لو كان هناك قانون لفكر من سمح لنفسه بكتابة هذا البيان ضد صاحب الاغنية مليون مرة لما سببه من تشكيك وتهديد لحياة انسان وصفه بالخارج عن الصف الوطن، وكأنه يصدر ضده حكما هو صاحب الامر فيه.
ولكن.. كما قال وزير العدل” ما تدقوا على القانون!
لن ندق على القانون وسنستمر بالغناء النشاز كما هو حالنا الذي بات يصم اذاننا من شدة تكرار وتعدد الأصوات الناشزة والتي صارت هي من يحكم كما يجول لها من قوة ويصول.
لو كان هناك قانون، او بالأحرى لو كان لهذه السلطة هيبة، لما سمحت للبنك بالتعدي على حرية الافراد بهذه الطريقة الخطرة.
لو كان هناك ذرة عدل تحاول السلطة رشها لتحفظ ماء وجهها لأحالت البنك ورئيسه الذي كتب البينا الى التحقيق الفوري وطالبته بالاعتذار والتعريض لهذا الشخص.
ولكن… نحن نعيش في سلطة رأس المال، البنك عل ما يبدو اهم من رئيس الحكومة ورئيسه.
والله صرنا في اخر زمن.. عندما يستطيع المواطن الفلسطيني ان ينتقد الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء ولا يستطيع ان ينتقد البنوك!!
حزننا، واستهجننا ما حصل في مصر قبل أيام قليلة من موت او مقتل لشاب قضى في السجن سنتين ليموت بسبب اغنية بلحة التي تنتقد كلماتها النظام الحاكم في مصر… نحن نخاف ان ننتقد البنك؟ فكيف لو غنى مجد اغنية لا قدر الله كان بها انتقاد لشركات التأمين؟ او لجهاز امن؟ او لوزير؟
كاتبة فلسطينية