كانت " مي" المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة "
ليس من باب الاسراف في التلطف والمجاملة ان نكتب في ذكرى ، بنت الناصرة الشاعرة والأديبة والكاتبة الفلسطينية ، وواحدة من رواد وأعلام النهضة الأدبية البارزين , في تاريخ الأدب النسوي العربي في النصف الأول من القرن العشرين, و جزء هام من التكوين الجمالي للبيئة الادبية والفنية الفلسطينية , و ما اكثر الذين كتبوا عن ( مي ) المفكرة والاديبة , روائية ، شاعرة ، كاتبة مترجمة, فقد كانت مي في خيال الناس اسطورة , وكانت في عالم الادب العربي حقيقة كبيرة , الهمت المفكرين والشعراء والكتاب.
وكل انسان مكلف بأن يبحث عن الحقيقة وان يساهم في كتابة التاريخ
فنحن لدينا ثروة قومية ندرك قيمتها ونحافظ عليها, وقيمة ادبية لا تتغير على مر التاريخ كمن يحافظ على صناديقه المليئة بالكنوز, وثروة انسانية فكرية لا ينبغي نسيانها خدمة للتاريخ وللحقيقة والاجيال.
بيّن أن مي أديبة اجتمعت لها كل أسباب الأديب من ذكاء الطبع وسلامة الذوق ولطف الحس وتنوع المعارف , إلى الشغف بالتحصيل ومثابرة على المطالعة، ولم تترك فنا من فنون الأدب إلا غرّدت على أفنانه وقطفت من ورده وريحانه فكتب في الجرائد والمجلات وألّفت الكتب والرسائل وألقت الخطب والمحاضرات وجاش صدرها بالشعر أحيانا. جادة العديد من اللغات كالإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والإيطالية، والعربية، كما درست وطالعت كتب الفلسفة، والأدب، والتاريخ العربي والإسلامي.
و لم تكن فتاة تنبض انوثة وتشع ذكاء فقط .. ولكنها كانت مفكرة ممتازة وصاحبة اسلوب في التعبير, اجمع الكثيرين على ادبها وذكائها وروحها وتدينها , وطريقتها في التعبير والاداء وحرصها على اتقان كل حرف تكتبه , فكانت برغم شعورها بالحياة , واحساسها العميق الصادق , وذكائها الوضاء وروحها الشفافة , ورقتها , تحرص ان تمارس هذه الحياة بعفة واتزان.
ولدت ماري إلياس زيادة، المعروفة ﺑ «مي زيادة»، في الناصرة بفلسطين شهر مايو عام ١٨٨٦م، وارتحلت مع ذويها إلى مصر، انفتحت على أجواء النهضة الثقافية والحضارية الموجودة في القاهرة آنذاك، فى جو مشبع بالفكر والذكاء والثقافة والادب والجمال فكانت تعقد ندوة أسبوعية باسم «ندوة الثلاثاء» وكان يحضرها الكثير من عظماء عصرها من أدباء وشعراء ونقاد، وكان من أبرزهم: الاستاذ الدكتور طه حسين عميد الادب العربي, وشيخ العروبة أحمد زكي , وشاعر الثورة اسماعيل فهمى , واستاذ الصحافة دواد بركات , وامير الشعراء احمد شوقي, واستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، ، وعملاق الادب العربي عباس العقاد، والمفكر شبلي شميل، والاستاذ الكبير الشيخ مصطفي عبد الرازق , وشاعر الاقطار العربية خليل مطران, وشاعر النيل حافظ ابراهيم , والشاعر الثائر ولي الدين يكن , والاديب المفكر الكبير مصطفي صادق الرافعي ,ويعقوب صروف, وغيرهم من اسياد الفكر وصناع الثقافة الحديثة في العالم العربي .
الاديبة مي تعتبر نصيرة ممتازة للأدب تكرم أهله وترعى جانبهم وتشجع نشائهم وتعقد للأدباء في دارها مجلسا ,لا لغو فيه ولا تأثيم ولكن حديث مفيد وحوار تتبادل فيه الآراء من غير جدل ولا مراء فهي أديبة جيل. وثقافتها متنوعة شاملة , درست الآدب والتاريخ والفلسفة والفنون وكثير من العلوم , واتقنت عدة للغات اجنبية فقد الفت بالفرنسية وكتبت مقالات بالإنجليزية ,والايطالية والالمانية , كانت اديبة كبيرة بل واديب عملاق.
قال واحد من كبار الادباء ومفكري القرن " شهدنا مشرق مي وشهدنا مغيبها , ولم يكن طويلا عهد مي , على ان مجدها الادبي كان طويلا . بين اهل الفكر واساطين الادب واعلام الكتابة وائمة الفكر, وتدل بما تمتاز به من ذكاء وبديهة حاضرة وفطنة , وذروة الرقة والذوق وصدق التعبير وقوة الاسلوب , وقد اجمعوا كل رجال الفكر والقلم المعاصرين, انها مرهفة الاحساس , عظيمة مروءة القلب رحيبة الافق وفوق ذلك أسلوبها سليم نقي , وايضا تشعر بالوحدة والحزن والاحباط , كما قال ارنست هيمنجواي : السعادة عند الناس الاذكياء هي اندر شيء اعرفه .