اكاد اجزم، انه إذا ما كتب في يوم ما عن تحليل للشعوب، سيكون تعريفنا بمُنْجِزي البدايات ومُدَمّري إنجازاتها.
استطاعت الحكومة الفلسطينية ان تتغذى على نشوة التكاتف الشعبي حولها بسبب استباقية اعلان حالة الطوارئ عن العالم المتحضر والمتطور. ونجحت بكسب إنجازات على مستوى القبول الشعب لم تحظ به منذ قدومها واسلو. كان هناك فرصة استثنائية تكاد تكون تاريخية في التفاف الشعب من كل فئاته اليها مقدما ولاء كاملا في محاولة لكسب فرصة حقيقية بمنح الثقة لهذه السلطة من جديد.
كلنا نريد ان نصدق هذه السلطة مهما تنحينا عنها، ومهما اعترضنا عليها، ومهما اختلفنا معها، ومهما عارضنا وجودها. لأننا بالمحصلة نريد ان نضفي شرعية لوجودها.
هل ما جرى من تمديد لحالة الطوارئ غريب او مفاجئ؟
بالتأكيد لا. فالأمر لا يحتاج الى محلل ولا الى صاحب اختصاص.
فكما فهمت السلطة بأربابها المختلفين قبول الشعب والتفافه نحوها بحالة الطوارئ، والاندماج في تلميع اربابها كما من يدخل في سباق انتخابات متناسين ازمة الكورونا الا من تعداد ارقام تشد من وزر تحملنا فتعطنا جرعة امل او توجس من خطر يقترب. وتركنا زمام الامر لثقتنا العمياء التي منحناها متأملين ان هذه الفرصة ستكون فرصة لإصلاح ذات البين. فلا شك ان السلطة تعتقد ان بقاءها بإنجاز البداية وهو هنا- اعلان حالة الطوارئ ـ هو الإنجاز الابدي!
تعاملنا مع السلطة كشعب، يشبه تعامل الزوجة المعنفة مع الزوج السيء. تضرب وتهان وتخان وتقرر الحرد وتعود من جديد بعد وعودا على فنجان قهوة بان يصلح نفسه، ثم تعود لتضرب وتهان وتخان أكثر. ثم تحرد، ثم تعود بعد ان يعدها من جديد، ويسحبها الى هذا القرار جميع من حولها لأنه لا بد انه تغير، واعتذاره هو حسن نية يجب الا تضيعها والا تخرب بيتها.
وهذا هو حالنا مع السلطة… نعود كالمرأة التي لا حول لها، لأن الصلح خير، والزواج سترة.
ولكن في مبادئ التعامل مع الرجال السيئين، هناك قاعدة اكيدة، المعطوب لا ينصلح! فلا يمكن ان نصلح ما هو فاسد.
أردنا هذه المرة إعطاء السلطة فرصة. صدقنا كلامهم المعسول، ورضينا بلبس عباءة المتحدث الرسمي كوسيط ليصلح ذات البين بيننا، ونصبناه شيخ عشيرة.
ما الذي جرى، لينقلب الشعب من جديد على السلطة؟
وما الذي جرى ليبرر استمرار حالة الطوارئ، في غياب صارخ عن التشريع والقانون. فما الذي يمكن ان نتوقعه من حكومة أدت حلفان اليمين عند توليها الحكومة بطريقة خاطئة. فهل نستغرب خطأ دستوريا بغفلة كلمة تمديد وتصليحها فيما بعد بتعديل؟ ولقد أبلغنا من قبل وزير العدل بأننا يجب الا “ندق عالقوانين”.
نحن مجرد شعب غافل بالنسبة لهم. نأخذ ما يقولونه ونصدقه ونبلعه ان لم يعجبنا بمسح رأس وفنجان قهوة من وجه عشائري يهدئ من روعنا وينسينا الهم بنكتة او مديح واية من الذكر الحكيم ووصية من حديث شريف.
ولكن لنرجع لمبررات التمديد او التجديد بعيدا عن شرعية ما جرى. فنحن كذلك نعيش تحت سلطة حكومتها انتقالية مؤقتة بانتظار ترتيب لانتخابات مستقبلية مرتجاة ربما. يعني لن يكون من الصعب تبرير ما يقومون به وشرعتنه بتخريجة قانونية. فكل القوانين في جيب الحكومة، فالتشريع والتنفيذ في قلب رجل واحد.
طبعا، أفضل للحكومة بغض النظر عن احقية وجودها وشرعيتها ان تكون مقبولة من قبل الشعب الذي يسكت عن كل ما يجري. وان هبّ كانت هبته مؤقتة محددة، وان اعترض فهناك من سيسكته او يقمعه او يهدده. وعلى مدار شهرين نجحت الحكومة بمسك زمام حقننا بجرعات الحب والامل لدرجة احسستنا فيها اننا كتلك الزوجة التي تعودت الحرد والرجوع، ان زوجها بالفعل تغير. فكم الدلال والكلام الطيب طال امده المعتاد.
كشف المستور صدفة، عندما عرف الشعب عن القرارات التي تم تمريرها بلا أدنى مبرر وفي وقت ينشغل الشعب بالفعل من اجل مواجهة خطر الموت والجوع بين وباء وأزمة اقتصادية تودي بالفعل بأرزاق الشعب بفعل حالة الطوارئ.
بين وعودا وتطمينات، كان الشعب مستعد ان يتحملها ويحملها مع الحكومة، وبين تكشف ان الحكومة تحاول بلع ما يمكن بلعه من موارد في خزينة الحكومة الممتلئة من قوت الشعب لمصلحة حفنة محددة تمثل اربابها، لم يتبق ما يمكن تصديقه مهما امتلأت الإجازات الحكومية بالنكات والسجع والتطمينات ولو حتى وصل الى كل بيت صينية قطايف أعدتها خصوصا ام شادي واستثمرت به الحكومة لتطعمنا جميعا مما طاب من ايدي “الحجات” الماجدات من بيوت فلسطين المحجورة بفعل الكورونا.
وهنا، بينما نحاول التفتيش عن مبرر تقدمه الحكومة باستمرار حالة الطوارئ، التي أصبح للجميع تقريبا توجسا من مخططات تسعى الحكومة لتنفيذها بينما حالة الطوارئ تسمح بما لا يسمح به بالعادة. وبين حقيقة الخطر الذي تشكله الكورونا في تفشيها وعودة العمال الى إسرائيل حالما فتحت إسرائيل أبواب العمل من جديد، والمشهد الذي نراه من انتهاء وعدم التزام وتكاثف في كل مرافق الحياة اليومية تعكس نفسها بالشوارع والمحلات والأزمات التي تملأ الشوارع.
فهل تستغل السلطة اليوم حالة الطوارئ لتفرض علينا حالة البطش العلنية بالإضافة لتمرير القوانين بغفلة منا بعدما سقط قناع الطيبة والسماحة ووقفة العز و”محدّش” بموت من الجوع؟
ما جرى بمدينة الخليل من قمع وضرب واتلاف لأرزاق الناس من أصحاب البسطات، ينافي بالإضافة الى ما شاهدناه من قمع وعسكرة، حقيقة ان هؤلاء أناس يعيشون في قطع لأرزاقهم منذ ستين يوم. فهل هذا هو وقت إضفاء القانون وترتيب الشوارع وتجميلها؟
ما جرى مع الزميل الصحفي في وكالة وطن للأنباء من اعتداء اثناء الايجاز الحكومي اليومي بينما صاحب أحد النشطاء من ذوي الإعاقة لإسماع صوته، خصوصا بعد الحلقة المخجلة التي بثها تلفزيون فلسطين الرسمي، تزامنا مع يوم الصحافة، يؤكد ان ما تسعى اليه الحكومة من استمرار حالة الطوارئ لا يرتبط الا ببسط نفوذ من السطوة والقمع لمنع أي صوت او حركة تخرج مما تريد ان تفرضه الحكومة من تصرفات وردود أفعال او حراك.
ويبقى السؤال، هل تستعد الحكومة لمرحلة ضم إسرائيل لبعض مناطق الضفة بضمان مستحقات يفرضها أولى السلطة لأنفسهم إذا ما وصل الامر الى خناق أكبر عليها؟
كم مرة ممكن ان نقول كم مؤسف وضعنا؟
ولكن هل نلوم الحكومة ام نلوم أنفسنا؟
كاتبة فلسطينية
http://nadiaharhash.com