كان المواطن حسن يحيى (62 عاما) من قرية العرقة المحاذية للخط الأخضر غرب جنين، على يقين أنه لن يكون بإمكانه رؤية نجله سليمان (21 عاما) في عش الزوجية، وهو حلم بدأ يتلاشى منذ إعلان حالة الطوارئ لمواجهة خطر تفشي فيروس "كورونا" المستجد في فلسطين، حتى تحقق ب"قدرة قادر" كما قال الأب، بعد أن قدمت هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية مكرمة لنجله مكنته من استكمال إجراءات الزفاف.
وبحسب الأب، فإن ابنه يعاني منذ فترة طويلة من مرض "الصرع" وتأتيه الحالة مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، ولم تسمع العائلة عن أي طبيب في فلسطين أو الأردن مختص بعلاج داء "الصرع" حتى توجهت إليه وعرضت عليه ابنها.
وقال يحيى: "توجهنا إلى أطباء معروفين في الأردن والضفة على أمل التوصل إلى علاج يشفي سليمان من مرضه ويمكنه من مواصلة مشوار حياته، فدفعنا مبالغ مالية طائلة للأطباء والمستشفيات، وازداد وضعنا الاقتصادي والمعيشي سوءا مع زيادة نفقات العلاج والمراجعات الطبية".
وعندما استقر وضع سليمان على هذا الحال، وفقدت العائلة أي أمل بإمكانية شفائه تماما، قررت البحث له عن فتاة تشاركه حياته حلوها ومرها، فارتبط بابنة عمه.
إلا أن هذه الفكرة، اصطدمت بصخرة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، كما قال الأب الذي أشار إلى أنه عامل بنظام المياومة، وبالكاد يستطيع الإنفاق على بيته، وعندما أعلنت حالة الطوارئ، تراجع عمله كثيرة، لدرجة أصبح فيها عاجزا عن توفير مستلزمات واحتياجات أسرته.
وفي ظل تراجع دخل الأب كما هو الحال بالنسبة لعمله، أصبح غير قادر على استكمال إجراءات زفاف نجله في الموعد المحدد، فقررت العائلة تأجيلها، تحت وطأة عدم القدرة على تحمل نفقات استكمال الزفاف.
وأمام كل هذا الضغط الذي عانت منه عائلة يحيى، كادت تفقد أي أمل في إمكانية تمكينها من تغطية نفقات حفل زفافه، كم قال الأب الذي أكد، أن العائلة توجهت إلى مقر هيئة الأعمال الخيرية الرئيس في مدينة جنين، وشرحت لها ما تمر به من ظروف، وسرعان ما أبلغتها الهيئة بموافقتها على توفير غرفة نوم والأجهزة الكهربائية اللازمة للعريس، وهو ما حفز العائلة على التسريع بعقد حفل الزفاف، قبل حلول شهر رمضان المبارك بيومين.
ووفق مفوض عام هيئة الأعمال الخيرية لمكتب فلسطين إبراهيم راشد، فإن الهيئة قدمت مكرمة للشاب يحيى حتى يتمكن من استكمال زفافه في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني في ظل حالة الطوارئ المعلنة لمواجهة خطر تفشي فيروس "كورونا".
وقال راشد إن عائلة يحيى طرقت باب هيئة الأعمال الخيرية على أمل الحصول على أية مساعدة تمكنها من إجراء حفل زفاف نجلها، وهو طلب لم تتوانى الهيئة ولو للحظة واحدة عن الاستجابة له وتلبيته، نظرا لطبيعته الإنسانية بالدرجة الأولى، وجاء منسجما مع سياسات وتوجهات الهيئة في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني في كل الظروف.
وأشار إلى أن هذه المكرمة جاءت في إطار برنامج "زواج ذوي الهمم" للأشخاص من ذوي الإعاقة غير القادرين على استكمال الزواج بسبب سوء أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والتي تحول دون تمكينهم من تحقيق حلمهم بالزواج، فجاء هذا البرنامج ليسهم في تشجيع هؤلاء على الزواج، وذلك من خلال تقديم مساعدات عينية بالدرجة تشكل احتياجا أساسيا لاستكمال الزفاف.
ورأى أن هذا البرنامج يسهم في تعزيز ثقافة قبول ذوي الهمم ويعزز النماء والبركة في ذرية أبناء الشعب الفلسطيني، وفي ظل استمرار إعلان حالة الطوارئ لمواجهة خطر تفشي فيروس "كورونا" أصبح يكتسب أهمية خاصة في الانتصار لذوي الهمم.
ولفت إلى برنامج "زراعة الأجنة لغير القادرين على الإنجاب"، والذي يعتبر إلى جانب برنامج "زواج ذوي الهمم"، من المشاريع الواعدة التي تنفذها الهيئة منذ عدة سنوات، في محاولة منها لمد يد العون للمتزوجين من الفقراء والذين ليس بإمكان زوجاتهم الإنجاب والحمل بالشكل الطبيعي، وتمكينهن من تحقيق أحلامهن وأزواجهن.
ورأى أن هذا البرنامج من أكثر المشاريع والبرامج تأثيرا في المجتمع لما له من أثر فاعل على حياة كل أسرة تمنت سماع صوت طفل يلعب في بيتها ويدب الحياة فيه.
وقال: "أن يكون لك دور ولو بسيط في تكوين أسرة، فإن هذا إنجاز إنساني من الدرجة الأولى، خصوصا وأنه يسهم في الحفاظ على النسيج الاجتماعي، حيث يلجأ بعض الأزواج إلى الزواج مرة واثنتين أو ثلاثة أملا بالإنجاب".
وأوضح راشد أن هذا البرنامج يستهدف الحالات الإنسانية المحرومة من الإنجاب، وخاصة المتأخرين عن الإنجاب لسنوات عدة من الفقراء والمهمشين، حيث تجري هيئة الأعمال الخيرية بحثا ميدانيا لضمان الشفافية في العمل والاستفادة لمن هو أحق وبحاجة للبرنامج من غير القادرين ماديا.
وبين أن العمل في هذا البرنامج يتم بداية من خلال تسجيل وحصر الحالات المتقدمة وإجراء البحث الميداني، ومن ثم مراجعة الطبيب المعالج وفق المراكز الطبية المتعاقد معها لتنفيذه، وتتم آلية تنفيذ البرنامج العلاجي وفق ما يراه الطبيب المعالج الذي يقوم بمتابعة الحالات في المركز ويعمل للحالة جدولا زمنيا للمراجعة والمتابعة الطبية ومتابعة نتائج الفحص والحمل وحتى المرحلة الأخيرة وهي الولادة.
وأكد أن هذا المشروع يسهم في التخفيف عن كاهل الحالات مصاريف العلاج والزراعة الباهظة والتي لا تتمكن معظم الحالات من دفعها للمراكز المختصة، مؤكدا أن الهيئة ومن خلال هذا المشروع تحرص على الإسهام في إدخال السعادة إلى حياة المستفيدين من الفقراء والمحتاجين، عدا عن أهمية الاهتمام بالأسر المحرومة من نعمة الإنجاب.
وبين أن زراعة الأجنة مكلفة للغاية من الناحية المادية، حيث يضطر الزوجان في حالات كثيرة لإجراء عدة عمليات زراعة حتى تنجح حالة واحدة منها، وهي تكاليف ليس باستطاعة معظم الأسر المستهدفة تحملها، في وقت لا تشتمل فيه محفظة التأمين الوطني تغطية نفقات مثل هذه العمليات.