كتابات على هامش زمن الـ «كورونا»(4) «كورونا المستجد» في دول العالم..ناصر القدوة

السبت 25 أبريل 2020 03:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
كتابات على هامش زمن الـ «كورونا»(4) «كورونا المستجد» في دول العالم..ناصر القدوة



إيران برزت كساحة مكشوفة لفيروس كورونا. وسبّب الفيروس الكثير من الآلام وأطاح بأرواح كثيرة، بمن في ذلك مسؤولون كبار في الدولة، أعضاء مجلس نواب وآخرون على كل المستويات. بدت إيران غير قادرة على تبني استراتيجية واضحة وبالتالي غير قادرة على مواجهة الوباء. وفي لحظة قاتمة أجابت الأحداث عن سؤال لم يكن قد طُرح بعد. ماذا عن جثث الوفيات بالوباء؟ هل يمكن التعامل مع الجثامين بشكل طبيعي من تغسيل، دفن..إلخ. بطبيعة الحال نحن لا نتحدث عن جنازات طبيعية بسبب الخطر على التجمعات. في إيران تواردت الأنباء عن قبور جماعية مغطاة بمواد كيماوية للقضاء على الفيروس الذي ما زال يعبث بالجثامين. هذا الأمر المرعب وبكل أسف تكرر في أماكن أخرى ما كان يمكن أن تخطر على بال. في نيويورك مثلاً وربما في البداية ..الصين. حاولت إيران أن تلعب بورقة «الكورونا» لتخفيف العقوبات الأميركية أو إنهائها، وكان ذلك تصرفاً ذكياً لكنه ومع هذه الإدارة لم يحقق النتيجة المرجوة. بعض الدول الأوروبية قامت بالرغم من ذلك بتقديم بعض المساعدة لإيران. لو كان هناك قيادات حقيقية، ربما كان كل ذلك فاتحة لنمط مختلف من العلاقات والاستراتيجيات في المنطقة، ولكن وحتى إشعار آخر إيران متروكة للقدر.
الجنوب بشكل عام بدا وكأنه ليس مكاناً جذاباً للفيروس، بشكل خاص بقيت الأماكن المنكوبة دون خسائر كبيرة: أماكن مخيمات اللاجئين السوريين مثلاً، قطاع غزة، اليمن، العراق، الصومال. ربما لسخرية القدر أن هذه الأماكن لا تتمتع بحركة كبيرة منها وإليها... وربما لأسباب أخرى، إلهية ربما.. هذه الأماكن المنكوبة لا تحتاج إلى مزيد من العقاب.
أوروبا كانت قصة أخرى. بدأ فيلم رعب في إيطاليا وتحديداً في شمال إيطاليا، ترددت الحكومة قليلاً في إجراءاتها بداية، ولكنها سرعان ما بدأت في إجراءات مثل عزل مناطق كاملة ومنع التجمعات.. وفرض البقاء في البيوت وصولاً إلى فرضها على كامل إيطاليا. الروح الإيطالية المرحة وغير المنضبطة ربما لم تساعد كثيراً، وعانت إيطاليا بالرغم مما يمكن أن يُعرف بالنموذج الإيطالي في مكافحة الفيروس على الأقل فيما يتعلق بالمسلك البشري، عانت من أرقام من حيث عدد الإصابات، وعدد الإصابات الحرجة، وعدد الوفيات، هذا بالرغم من وجود نظام صحي عام جيد على الأقل في شمال إيطاليا وأفضل من الكثير من الدول الأوروبية الأخرى، هذا ناهيك عن الدمار الاقتصادي وقتامة المستقبل. الألم الإيطالي لم يخفف عنه إلا بعض المساعدات المحدودة من الصين ومن روسيا. نفس التطورات في إيطاليا حدثت كلها تقريباً وإن بتأخير حوالى أسبوعين إلى ثلاثة في إسبانيا، وأصبحت الدولتان وكأنهما في حال تنافس على الأرقام.
فرنسا لم تتأخر كثيراً عن الموقع الثالث في القارة الأوروبية تليها ألمانيا، وإن كانت الأخيرة أظهرت قدرات غير عادية في مقاومة الوباء وانضباط المواطنين.. ألمان كالعادة. بالطبع باقي الدول الأوروبية لم تنجُ تماماً وعانى الكثيرُ منها من «كورونا» وإن بدرجات مختلفة.
الحالة مثلت تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي وبمُثل التعاون والتضامن. وظهر غضب كبير في إيطاليا تحديداً من الاتحاد، بما في ذلك في الشارع ضد الاتحاد المتقاعس عن مساعدتهم. جرت مناقشات كثيرة بين مسؤولي الدول الأوروبية حول المشاركة الجماعية في تحمل العبء، وظهر عندها نفس خط القسمة بين دول الشمال ودول الجنوب، وهو جنوب نسبي بطبيعة الحال. دول الجنوب كانت أكثر تضرراً من غيرها بسبب الفيروس وهي أيضاً الدول التي لم تنضبط لقواعد الميزانية والعلاقات الاقتصادية المشتركة، بالرغم من ذلك، وربما بعد أن فهمت ألمانيا تحديداً أن الخيار هو بين اتخاذ موقف مشترك وتقاسم العبء من جهة وإنهاء الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، اعتمدت الخيار الأول واتفقت دول الاتحاد على نصف تريليون يورو لمواجهة الأزمة.
بريطانيا، كالعادة، قصة أخرى، اختارت في البداية على قاعدة أنهم أذكى من غيرهم ما يسمى بمناعة القطيع، أي المناعة الجماعية للسكان، وبالتالي لم تتخذ أي إجراءات متعلقة بالحد من الاتصال والحركة، ولكنها اضطرت تماماً الى القيام بدورة كاملة وأن تغير الاستراتيجية تماماً، واعتمدت إجراءات شبيهة بما قامت به الدول الأوروبية وإن بشكل أقل قسوة.
بريطانيا بدت مكسورة، خرجت للتو من دراما «بريكست» لتدخل في دراما «كورونا». ومن المؤكد تقريباً أن البريطانيين اشتاقوا للمساعدات الأوروبية التي لن تأتي. مع فكرة مناعة القطيع وربما بسببها أصابت «كورونا» رئيس الوزراء الذي عزل نفسه في البداية ثم تم نقله للمستشفى ثم أُدخل العناية المركزة. يقال ونحن الآن نقترب من منتصف نيسان إنه يتعافى وسيخرج قريباً.
انتقل الفيروس إلى أميركا، بعد بضعة أسابيع من فتكه بأوروبا التي كانت في عين العاصفة. أميركا سجلت أرقاماً مرعبة في الضحايا تجاوزت أرقام أي مكان آخر، بلغت مثلاً أكثر من ألفي وفاة خلال 24 ساعة. الرئيس ترامب ولوقت أطول من اللازم كان مصراً على أنه لا يوجد خطر حقيقي، وأن «كورونا» والمبالغة بشأنه عبارة عن مؤامرة من الديمقراطيين ضده، ووقف مرة دون أن يرمش له جفن ليقول إن هناك 19 حالة فقط في الولايات المتحدة وإن العدد سيكون صفراً خلال عدة أيام. ترامب كان حريصاً أولاً على الاقتصاد والعمل والشركات وليس الأرواح. بالطبع اضطر الرئيس للتراجع تحت وطأة الحقائق، وكلف نائبه بترؤس المكافحة وشكل لجنة طوارئ عليا برئاسته كانت تعقد مؤتمراً صحافياً يومياً. المؤتمر الصحافي كان فعلاً هزلياً، الرئيس كان يقول شيئاً ويتراجع عنه بعد عدة أيام. في وقت ما قال إنه يريد إنهاء أي قيود على الحركة بحلول عيد الفصح، ثم قال بعدها بأيام إنه كان فقط يأمل بهذا. الكاريكاتير الحقيقي كان في التفاوت أو حتى في التناقض بين الرئيس وكبار الخبراء والأطباء المشاركين معه. الطبيب العلامة فوتشي كان دائماً في قمة الحرج وهو يحاول أن يبقى مخلصاً للأمانة العلمية دون أن يتناقض مباشرة مع الرئيس.
نيويورك كانت البؤرة الأولى في الولايات المتحدة، ربما لأنها تقاطُع طرق وبالنظر للكثافة السكانية في المدينة، وشن حاكمها تحت ضغط الحاجة الطبية هجوماً دائماً على ترامب، تبعه لاحقاً عددٌ من الحكام من الحزبين الذين طالبوا بسياسة وطنية واضحة لمقاومة الوباء في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى منع ترامب لأي تحرك جدي في وقت مبكر، أثار غياب النظام الصحي العام، النظام الذي حتى لم يكن يوماً معنياً بالصحة العامة وبالأوبئة، بل فقط بجمع المال، أثار مشاكل كبرى. النقص كان مذهلاً في أمور أساسية مثل الكمامات والقفازات وصولاً إلى أجهزة التنفس. بالمقابل عندما بدأ النظام بالتحرك كان قادراً على بعض التعويض، وأصبحت الولايات المتحدة مثلاً تُنتج ألف جهاز تنفس يومياً. المفارقة أن عدداً من الدول قدم مساعدة للولايات المتحدة لا العكس، منها الصين وروسيا وكان هذا إعلاناً درامياً عما سيأتي.
طوال المسلسل حاول الرئيس ترامب اتهام أي جهة خارجية وتحميلها المسؤولية. بدأ بالصين وسمى الفيروس بالفيروس الصيني، ما جعل الصينيين يستشيطون غضباً، إلى أن تراجع وطلب مساعدة الرئيس تشي. ترامب اتهم أيضاً منظمة الصحة العالمية بالتقصير ومحاباة الصين، بالرغم من أن الوجه الكئيب لمديرها العام أصبح معروفاً لكل العالم من كثرة ما حذر من الوباء ومنذ وقت مبكر. باختصار ترامب حاول أن يثبت أن «الحق على الطليان» بينما استمر في تهنئة نفسه على كل شيء. المذهل أنه وفي البداية على الأقل، ارتفع دعم ترامب بين الأميركيين، لكن هذا قد يكون نتيجة ظاهرة لجوء المواطن للدولة التي تحدثنا عنها، إذا ثبت غير ذلك فعلى البلاد السلام. مجموعات المسيحيين الإنجيليين المتشددين لعبوا دوراً سلبياً للغاية، ليس فقط على تأكيد دعم ترامب، وليس في عدم الالتزام بتوجيهات عدم الخروج وإنما بمعارضة هذه التوجيهات ورفع الشعارات ضدها. أثبت هؤلاء بشكل عام أن أجندتهم السياسية أهم من تعليمات الإنجيل، ناهيك عن حياة البشر.