هل تتكرر أحداث العام ٢٠١١؟! محمد ياغي

الجمعة 24 أبريل 2020 12:59 م / بتوقيت القدس +2GMT



الأزمة الاقتصادية العالمية التي يسببها انتشار وباء الكورونا أصبحت ظاهرة للعيان: شركات الطيران أعلنت إفلاسها، مصانع السيارات توقفت عن العمل، إنتاج شركات النفط الأميركية لم يعد له سوق، وبعض هذه الشركات أعلنت إفلاسها، شركات السياحة أصبحت بلا عمل، ومئات الأعمال الأخرى لم يعد لها مردود اقتصادي بسبب الإجراءات التي تتخذها الدول لحماية مواطنيها من الفيروس.
بعض الدول مثل ألمانيا والولايات المتحدة، يدرس إمكانية إصدار شهادات طبية لمن أصيبوا بالفيروس وأصبحت لديهم بالتالي مناعة منه، للسماح للشركات بتوظيفهم. بلغة أخرى، من لدية مناعة من المرض، سيتمكن من العمل ومن ليس لدية مناعة منه، سيبقى في بيته لوقت أطول.
باختصار الأزمة تسببت في مئات الملايين من العاطلين عن العمل.
بعض الدول غنية ويمكنها الاعتماد لفترة أطول على مصادرها وحماية مواطنيها الى أن يتم اكتشاف تطعيم للفيروس. وبعض الدول فقيرة لا يمكنها الاعتماد على ما تمتلكه الدولة لمساعدة مواطنيها، لكنها في النهاية يمكنها الاعتماد على ما طوره الناس أنفسهم خلال تجاربهم السابقة من وسائل لاستمرار الحياة بما فيه اعتماد الناس على بعضهم البعض.
بطريقة أو بأخرى، الدول، سواء كانت غنية أم فقيرة، ستتمكن من النجاة، لكن بعضها سيخسر أكثر من بعضها وستكون لهذه الخسائر نتائج اجتماعية وسياسية كبيرة.
مصادر دخل العديد من دول العالم العربي غير النفطية قادمة من مصادر محددة أهمها: ضريبتا الدخل والمبيعات، السياحة، عائدات المغتربين، والمساعدات المالية التي تقدمها الدول الغنية.
ثلاثة مصادر من هذه العائدات في العالم العربي ستكون في أسوأ حالاتها:
- السياحة لن تعود كما كان عليه الحال في السابق قبل سنة أو أكثر بسبب مخاوف الناس من المرض، ولأن العديد من السائحين استخدم مدخراته خلال الأزمة الحالية ولم يعد في وضع اقتصادي يسمح له بالسفر.
- عائدات المغتربين ستنخفض الى حد كبير.
أغلب هذه العائدات مصدرها دول الخليج العربي. في ظل الكساد العالمي وبالتالي قلة الطلب على البترول، فإن هذه الدول ستكون أمام خيارين: ترحيل الملايين ممن يعملون فيها بسبب ضعف النمو الاقتصادي لديهم أو ترحيل أعداد أقل مع خفض أجور وفرض ضرائب جديدة على من ستبقيهم. في الحالتين، لن يكون بإمكان المغتربين إرسال الأموال كالسابق الى دولهم وذويهم.
- المساعدات الخارجية القادمة من أوروبا وأميركا ودول الخليج العربي ستتوقف.
الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي أقرت حزماً مالية بتريليونات الدولارات لن تكون مستعدة لتقديم المساعدات لدول العالم الثالث كما كان عليه الوضع في السابق.
بالطبع هذه المساعدات كانت أداة سياسية لتحفيز دول العالم الثالث للقيام بما تريده منها الدول الغنية المانحة. لكن السيولة كانت متوفرة للدول المانحة وكانت قادرة على استخدامها. في الوضع الحالي، هذه الدول تعيش أزمتها، وهي أزمة ستمتد لبعض الوقت حتى بعد الخلاص من الوباء، وهي بالتالي لن تكون قادرة على تقديم «المنح» كالسابق حتى لو كانت مشروطة.
دول الخليج العربي لن تكون أيضا في وضع يسمح لها بالمساعدة لأن دخلها من عائدات النفط يتوقف على حجم الطلب عليه، وليس متوقعاً أن يكون هناك طلب على البترول بنفس  حجم ما كان عليه الحال قبل انتشار الوباء.
الاقتصاد العالمي بعد الوباء يحتاج لوقت حتى يتعافى، وهو وقت قد يطول إذا لم يتم اكتشاف تطعيم ضد الفيروس. وحتى لو تم اكتشاف التطعيم اليوم، فإن اختباره وإنتاجه وتوزيعه سيحتاج الى أكثر من ثمانية عشر شهراً، وفق تقديرات المختصين.
عندما تخسر دول العالم العربي نصف دخلها، ماذا سيكون عليه الحال؟
في العام ٢٠١١ خرجت الناس الى الشوارع للمطالبة بإسقاط أنظمة ونجحت في أماكن وفشلت في أخرى. لكن الاتجاه الذي ساد كان الانتصار المدوي للثورات المضادة -باستثناء الحالة التونسية، سواء أخذ هذا الانتصار شكل الحرب الأهلية أم عودة النظام السابق للحكم لكن بقناع جديد.
هذا الانتصار لقوى الثورة المضادة أسبابه للآن موضع نقاش: البعض يعزوه لدموية بعض الأنظمة، والبعض يعيده للتدخل الخارجي، وآخرون يحملون الإسلاميون مسؤولية الفشل.
أنا أختلف مع كل هؤلاء وأقول إن الفشل سببه الأساسي أن النخب في المعارضة ليست ديمقراطية ولأنها كذلك فقد عجزت عن الاتفاق فيما بينها على آلية لتداول السلطة وعلى احترام هذه الآلية.
ولأن هذه النخب غير ديمقراطية فهي إما ساعدت على الدفع باتجاه الحرب الأهلية، وإما وقفت مع النظم السابقة خوفاً من خصوم محتملين، وإما طالبت بتدخل خارجي ترك البلدان العربية التي تم التدخل فيها في حالة فوضى.
الحديث عن هذا الموضوع مهم لأن ما سيشهده العالم العربي بعد نهاية الازمة الحالية هو أزمة اقتصادية ستتسبب في خروج الناس للشارع كما حصل في العام ٢٠١١ وربما بشكل أكبر لأن الازمة الاقتصادية ستكون أعمق وأشمل.
عندما يحدث ذلك، لن يتكرر بالتأكيد التاريخ كما حدث سابقاً، لأن العالم سيكون مشغولاً في متاعبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي خلفها الوباء، وبالتالي ستكون نتائج أي حراك جماهيري معتمدة بقوة أكبر على عوامل داخلية أهمها في تقديري دور النخب.
هذه النخب، بحسب نضجها وولائها لشعبها، إما أن تدفع الأمور باتجاه إعادة بناء الدولة العربية على أسس ديمقراطية أهمها التبادل السلمي للسلطة، احترام القانون، الشفافية، حماية الحريات العامة والفردية، وإعطاء الدولة دوراً أكبر في التدخل في الاقتصاد وفي توزيع الثروة.
وإما أن تدفع الدولة الى الانهيار والتفكك إذا ما فشلت في التوصل الى اتفاق فيما بينها واختارت طريق الحرب الأهلية كما حصل في بعض البلدان العربية سابقاً.
اليوم الكل مشغول في الحفاظ على سلامته الشخصية وهذا هو الوضع الطبيعي. لكن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، لأن مصادر أي دولة مهما كانت كبيرة، لا تمكنها من الإبقاء على الوضع الحالي لفترات طويلة.
ومع خسارة الناس لمدخراتها وخسارة الدولة لإمكانياتها فإن الأزمة الاقتصادية الطاحنة هي مسألة وقت وهو وقت ينفد بسرعة كبيرة، وحينها سيجد العالم العربي نفسه أمام وضع شبيه بالعام ٢٠١١.