زوجة الصفوري المحكوم 5 مؤبدات: 18 عاماً من المعاناة بانتظار عملية تبادل تجمع شملنا

السبت 11 أبريل 2020 12:00 ص / بتوقيت القدس +2GMT
زوجة الصفوري المحكوم 5 مؤبدات: 18 عاماً من المعاناة بانتظار عملية تبادل تجمع شملنا



جنين / سما /

 تعيد ذكرى معركة مخيم جنين، الكثير من الصور والمحطات والذكريات للمواطنة أم محمد، خلال فترة ملاحقة واستهداف رفيق دربها الحاج علي سليمان السعدي "الصفوري"، الذي اعتقل خلال معركة المخيم، وما يزال قيد الاعتقال في سجون الاحتلال، حيث يقضي حكماً بالسجن المؤبد 5 مرات و 40 عاماً.

ولم ينل هذا الحكم القاسي من عزيمة ومعنويات الصفوري، حيث أكمل تعليمه وحصل على شهادة البكالوريوس، بينما وفت الزوجة الصابرة بوعدها وكرست حياتها لابنها الوحيد ولبناتها الاربع، فعلمتهن وربتهن كما أحب وتمنى الاب، فمنهم من تخرج من الجامعة وتزوج، وجميعهم ينتظرون انفراجة أمل قد تحملها لهم عملية تبادل للاسرى من شأنها أن تعيد جمع شمل العائلة، التي فرقها الاحتلال منذ 20 عاماً، كما تقول الام.

حياته ..

أبصر الصفوري النور في مخيم جنين قبل 57 عاماً، وهناك عاش ونشأ وسط عائلة مناضلة.

وتقول زوجته "في مرحلة مبكرة من حياته وخلال تعلمه في مدارس المخيم، تمتع بروح نضالية ووطنية عالية، فكان ناشطاً وشجاعاً وشارك في المسيرات والفعاليات الوطنية، فاعتقل للمرة الاولى عام 1978 لمدة 3 سنوات ونصف السنة، وتجدد اعتقاله مرة ثانية حيث قضى فترة في سجون الاحتلال الذي قطع طريق تعليمه حينها ولم يكمل تعليمة.

وتضيف "تزوجنا عام 1986، وبسبب ظروف الحياة الصعبة، سافرنا الى السعودية، وأكمل رحلة حياته وكفاحه فيها، وهناك رزقنا بالابناء، وعمل في عدة مهن على مدار عشر سنوات، حتى عدنا مجددا الى مخيم جنين عام 1996".

وتكمل "تميز زوجي بكل السمات والصفات الرائعة، الالتزام الديني، العطاء والوفاء والتضحية، حب الاصلاح وعمل الخير وخدمة الناس والوقوف لجانبهم، حيث امتلك روح الحكمة ورجاحة العقل والقدرة على مواجهة المحن والازمات. لقد عشنا معا لحظات جميلة ورائعة لا تنسى، غمرنا فيها بحنانه ومودته وطيبته، واهتم بالاطفال ووفر لهم كل مقومات الحياة الجميلة، ودوماً خطط لمستقبلهم ولحياة أفضل".

انتفاضة الاقصى

عندما اندلعت انتفاضة الاقصى، تقدم الحاج علي الصفوف، رغم مسؤولياته والتزاماته الكبيرة تجاه عائلته، وأصبح من قادة سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي، "ولنشاطه ودوره الفاعل في المقاومة، طارده الاحتلال الذي أصبح لا يفارق منزلنا ليل نهار، فتعرض المنزل لمداهمات وعمليات تكسير وتخريب ترافقت مع التهديد بتصفيته، لكن الحاج علي أكمل المشوار ورفض التراجع والاستسلام، وقد استهدف منزلها في احدى المرات للقصف، لكن الحاج علي نجا من محاولة اغتياله تلك، وكلما كانت تقع عملية فدائية، كانت ملاحقته وضغوط الاحتلال وممارساته التعسفية بحقنا تشتد".

وتوضح ان الصفوري شارك لاحقا بمعركة مخيم جنين، "وخاضها الى جانب أبطال المخيم الذين سطروا الملاحم في مواجهة الاحتلال ومجزرته، حتى اعتقل وتعرض لصنوف من التعذيب في أقبية التحقيق وسط العزل والحرمان من الزيارات".

اكمال المشوار ..

بعد رحلة معاناة بين المحاكم، حكمت سلطات الاحتلال الاسرائيلية على الحاج علي الصفوري بالسجن المؤبد 5 مرات و 40 عاماً، وتقول زوجته بهذا الشأن: "حينها شعرنا بصدمة وألم بعد الحكم، لكن صمود وصلابة زوجي رفعت معنوياتي وحفزتني على إكمال المشوار، فاحتضنت أبنائي وتحملت المسؤولية الكاملة في تربيتهم وتعليمهم، وأمام التحديات الكبيرة في ظل غياب الزوج ومعاناة السجن، كنت أدعو الله أن يُيسير أمري، واستجاب الله لدعواتي وكرمني بالصبر لاكمل تلك المسيرة بأمان، وكانت عائلته وعائلتي معنا ولم يتخلوا عنا أبداً".

وأوضحت أن ابنتهما البكر تسنيم ، كانت حين اعتقل والدها في الرابعة عشرة من عمرها، وكانت ترتبط به بعلاقة وطيدة، "كانت المدللة والأقرب لقلبه، لانه عاش معها كافة مراحل حياتها، منذ ولادتها لغاية الصف التاسع، وحزنت جداً وتألمت كثيراً لغيابه، لكنها كبرت اليوم، ودرست وتخرجت من الجامعة وأصبحت مربية وتزوجت ورزقت بالابناء، أما إبني البكر محمد، فكان بعمر 13 عاماً يوم اعتقال والده، وتأثر وحزن كثيراً وهو يقضي أيام حياته على أبواب السجون، لكنه التزم بوصايا والده، ورفع رأسنا باكمال تعليمة والتخرج من الجامعة العربية الامريكية تخصص علوم مالية ومصرفية، وكان يوم تخرجه محزنا لغياب والده الذي أهداه نجاحه".

وتستدرك الام وتقول "محمد، تزوج ورزق بابنتين، والمؤلم أنه بسبب ضغوظ الحياة سافر الى الكويت بحثاً عن المستقبل، لكنه يتواصل مع والده من خلال رسائل الشوق والمحبة والدعوات بالحرية".

وتمثل أم محمد نموذجا لحكايا البطولة والتحدي والنجاح المميزة، فقد تحلت بالشجاعة والمسؤولية في الكفاح اليومي لضمان مستقبل أفضل لعائلتها رغم وجع غياب زوجها، فكريمتها ميساء التي تركها والدها بعمر 10 سنوات، حققت النجاح في كافة محطات حياتها، من المدرسة الى الجامعة، حيث تخرجت وتزوجت وأصبح لديها ولد، أما كريمتها منى التي تبلغ من العمر اليوم 26 عاماً، فتقول عنها، "كانت منى صغيرة بعمر الزهور، 8 سنوات عندما فرق الاحتلال شملنا وزج بوالدها خلف القضبان، وكبرت وهي تحمل الحب والوفاء لوالدها الذي أهدته تخرجها ونجاحها عندما حصلت على شهادة البكالوريوس تخصص كيماء من جامعة فلسطين التقنية خضوري، وعاشت نفس الالم كباقي شقيقاتها عندما تزوجت ورزقت بطفلة، ما زالت تتمنى أن تزور جدها ويتعرف عليها".

وتكمل "الألم الاكبر الذي عشناه بعد اعتقال زوجي، كان مع طفلتنا الصغيرة أمان التي كانت في الثانية من عمرها، وعندما شاهدته للمرة الاولى في جلسة محكمة سالم، شعرت بخوف كبير من قيام الاحتلال باعتقالها، ولكن مع الوقت ومن خلال الزيارات، توطدت علاقتها بوالدها الذي تعتبره كشقيقاتها قدوتها في الحياة، وأصبحت تواظب على زيارته، لكنها حزنت كثيراً لغيابه يوم نجاحها في الثانوية العامة. أمان التي لم تنام في حضن والدها ولم تعرفه ِإلا كأسير، تتابع دراستها في كلية العلوم التربوية برام الله تخصص تربية ابتدائية".

صور أخرى

خلال سنوات اعتقاله، تنقل الحج علي بين عدة سجون، وعانى من مرض جلدي لفترة لكنه عولج واستعاد صحته لاحقا، كما أنه تحدى الاحتلال بالتعليم.

وتقول زوجته " صبرنا وتحملنا غيابه وألم فراقه الذي أثر على حياتنا كثيراً، فالمناسبات والأعياد لم نكن نشعر بطعهما بسبب الحزن، فلا يوجد أصعب وأقسى من الفراق والانتظار، ولم نشعر بالفرح الحقيقي عندما تزوج ابني وبناتي، فالسند والغالي لم يحضر، بكينا وما زال الجرح ينزف، خاصة وأن زوجي أصبح جَداً وما يزال محروماً من رؤية أحفاده، لان الاحتلال يرفض منحهم تصريحاً لزيارته، ويعتبرون ممنوعين أمنياً ".

رحيل الوالدة ..

لم تتوقف الوالدة، الحاجة السبعينية وفيقة، عن زيارة نجلها الحاج علي حتى أقعدتها الأمراض ونالت منها. وتقول الزوجة أم محمد "كانت تحبه كثيراً، عانت الكثير خلال مطاردته واعتقاله، وصبرت وتحملت خلال فترة زيارته رغم أوجاعها حتى حاصرتها الامراض، ولم تتمكن من الزيارة طوال 10 سنوات، حتى توفيت قبل أن تتحقق أمنيتيها الأخيرة بزيارته والاطمئنان عليه، فحزن زوجي كثيراً، وما يزال يتحدث عنها ويتذكرها في كل زيارة ورسالة".

الامل الكبير ..

ورغم الحكم والمرض، إلا ان الأسير الحاج علي تحدى الاحتلال وقيود السجن بالدراسة، فأكمل تعليمه الثانوي بنجاح، وانتسب الى جامعة الاقصى وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ.

وتقول زوجته "18 عاما مرت ولم ننسى زوجي لحظة. روحه تلازمنا، وبطولاته وصموده يعزز إرادتنا ويرفع معنوياتنا، أتمنى له ولكل الأسرى الصحة والسلامة من تفشي فيروس كورونا. نشعر بخوف وقلق على حياة جميع الاسرى، ونسأل الله أن يُهون عليهم ويحميهم، وأن نفرح قريباً بعملية تبادل جديدة تكسر قيد أسرانا الذين ننتظرهم بفارغ الصبر".