"بتسيلم" يُفنّد مزاعم جيش الاحتلال: لم تكن هناك عملية دهس في دير دبوان!

الإثنين 30 مارس 2020 10:29 م / بتوقيت القدس +2GMT
"بتسيلم" يُفنّد مزاعم جيش الاحتلال: لم تكن هناك عملية دهس في دير دبوان!



القدس المحتلة / سما /

 بعد شهرٍ تم كشف الحقيقة، مرّة أخرى عمليّة دهسٍ لم تحدث، وجنود الاحتلال أطلقوا النّار وأصابوا فتية فلسطينيّين وضربوهم بعد اصطدامهم بصخرة. هذا ما كشفته التحقيقات التي لم يُعلَن عنها رسمياً في "عملية الدهس" التي زعم وقوعها جيش الاحتلال في العشرين من الشهر الماضي في قرية دير دبوان، شرقيّ رام الله، فلم تكن هناك أي عملية دهس، بل كانت مركبة عسكرية إسرائيلية في الاتجاه الخاطئ من الطريق، فتلاشتها السيارة الفلسطينية واصطدمت بصخرة.

وقال تقرير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" مساء أمس الأحد: لقد تصرّف أفراد الجيش بانفلات منذ البداية: بدءًا من إطلاق النار على الفتى محمد صرمة وإصابته، مروراً بضرب الفتية الآخرين وانتهاءً باحتجازهم بذرائع واهية طيلة ساعتين، دون أن يُبلغ آباؤهم بأيّ شيء.

وقال مركز "بتسيلم": إن المزاعم المتعلّقة بالاشتباه في عمليّة دهس التي برّر الجيش بواسطتها إطلاق النّار تُناقض وقائع هذه الحادثة: أوّلاً أُطلقت النيران على السيّارة من الخلف، وثانياً أُخلي سبيل الفتية في اللّيلة نفسها، ثمّ إنّ الجيش والمخابرات منذ اليوم التالي تخلّيا عن وصف أيٍّ من الفتية بأنّه مشتبه به بمحاولة تنفيذ عمليّة دهس".

وأكد المركز أن "الحادثة التي تناولناها ليست استثنائيّة، بل هي تُظهر مجدّداً كيف يقوم الجيش بسهولة ماجنة بإطلاق النّار على فلسطينيّين (وفي هذه الحالة على فتية لم يتجاوزوا الـ15) ليسارع بعد ذلك إلى تبرير مجونه الإجراميّ بأعذار واهية، فلا تلبث جميع رتب القيادة أن تتبنّاها رسميّاً". وقال: انتهاء هذه الحادثة دون مقتل أحد من الفتية أُعجوبة في حدّ ذاته، ولكن حتى لو أسفرت هذه الحادثة عن نتائج كارثيّة كما في معظم الحالات الأخرى، لا شكّ في أنّ الجيش سيعمل على طمس الحقائق بسرعة البرق ليضمن إفلات المتورّطين من أيّ عقوبة".

وأوضح مركز "بتسيلم ": "لا بدّ لنا إزاء حادثة دير دبوان من التساؤل حول أحداث أُخرى لم يبق منها شهود فلسطينيّون على قيد الحياة ليرووا التفاصيل الحقيقيّة للأحداث التي سارع الجيش في شأنها إلى الإعلان عن "عمليّة دهس" متباهياً بـ"تصفية مخرّبين". من الأصعب تفنيد رواية الجيش في غياب الشّهود، لكنّنا هنا، إضافةً إلى تسليط الضوء على تفاصيل حادثة دير دبوان، نودّ إبراز التساؤلات المحيطة بأحداث أُخرى والتي ستبقى للأبد دون إجابةٍ على ما يبدو".

وأضاف مركز "بتسيلم" في تقرير موسع ضم شهادات الفتية وشهود العيان في المنطقة: "إنه نحو السّاعة الثامنة والنصف من مساء يوم الخميس الموافق 20/ 2/ 2020 كان أربعة فتية في الـ15 من سكّان دير دبوان، شرقيّ رام الله، يسافرون إلى قرية بيتين الواقعة، شرقيّ رام الله، في سيّارة يقودها الفتى سيف الدّين عواودة الذي يعمل في كراج مجاور، واجتاز الفتية النفق تحت شارع 60، وبعد نحو 300 متر لاحظوا سيّارة جيب عسكريّة قادمة من اتّجاه بتّين وتتقدّم نحوهم بعكس اتّجاه السّير على مسارهم نفسه. حاول سيف الدين الانعطاف لكي يتجنّب الاصطدام بالجيب، لكنّه لم يتمكّن من إتمام الانعطافة، واصطدم بصخورٍ وُضعت على طرف المسار المعاكس (الأيسر)، فتوقّفت السيّارة ومقدّمتها في اتّجاه دير دبوان، فيما ظهرُها نحو الجيب العسكري الإسرائيلي، وفي اللّحظة نفسها ترجّل من الجيب عدد من الجنود، وشرعوا فوراً في إطلاق النار بدايةً في الهواء ثمّ على السيّارة. أُصيب من نيران الجنود الفتى محمد صرمة في ساقه وظهره وكان يجلس في المقعد الخلفيّ".

وتابع التقرير :"أطلق الجنود النيران بضع ثوانٍ نحو ركاب السيارة، ثمّ توقّفوا عن ذلك، وتقدّموا نحو السيّارة، ففتحوا أبوابها وضربوا السّائق سيف الدّين والفتى د.ح. الذي كان يجلس خلفه، ثمّ أخرجوهما من السيّارة وهم يواصلون ضربهما. كذلك أخرج الجنود من السيّارة الفتى المصاب محمد صرمة، وبعد بضع دقائق وصلت إلى الموقع مركبة عسكريّة أُخرى أخلته من المكان. أمّا الفتى الرّابع محمود عواودة الذي كان يجلس على مقعد بجانب السّائق سيف الدين فقد أُصيب في الحوض من شظايا على ما يبدو. أمره الجنود بالخروج من السيّارة وأجلسوه على طرف الشّارع".

سيف الدين عواودة قال لباحث "بتسيلم" الميداني إياد حدّاد في 20/ 2/ 2020: "خرجت مع أصدقائي من دير دبوان في جولة في السيّارة لكي نشتري بعض الحاجيّات ونقضي الوقت معاً. اجتزنا الجسر الواقع بين دير دبوان وبتّين، وعلى بُعد 150- 200 متر تقريباً شاهدتُ فجأةً مركبةً عسكريةً تأتي من اتّجاه بتّين. كانت تتقدّم في نفس مسلكي بعكس اتّجاه السّير، وقد أصبحت على بُعد 20- 30 متراً منّا. أربكني ذلك، فما كان أمامي سوى الانعطاف نحو المسلك الأيسر لكي أتجنّبهم، ولكن بسبب ضيق المكان في الشارع اصطدمت بصخور كبيرة وُضعت على طرف الشارع لمنع الانزلاق نحو المنحدر".

ويضيف: "فورَ اصطدامنا توقّفت المركبة العسكريّة في عرض الشارع وسدّته ثمّ ترجّل منها الجنود ووقفوا على بُعد بضعة أمتار خلف سيّارتنا قريباً جدّاً منّا وشرعوا يُطلقون النار نحونا. أطلقوا أكثر من 20 رصاصة بعضها في الهواء وبعضها أصاب السيّارة من الخلف. استمرّ ذلك لثوانٍ عدّة".

ويتابع سيف الدين: انحنينا لأنّنا كنّا خائفين جدّاً. قلتُ لنفسي "خلص، متنا". وضعت يدايَ على رأسي محاولاً حماية نفسي. من لحظة إطلاق الرّصاص الأولى سمعت محمد يصرخ "آخ.. آخ.." وكان جالساً في المقعد خلفي. بعد ذلك فوراً فتح الجنود الأبواب وأخذوا يضربوننا. ضربني أحد الجنود ببندقيّته على كتفي، ثمّ سحبني إلى الشارع وواصل ضربي. وجّه إليّ عدّة ضربات أُخرى على رأسي ووجهي وظهري. في الوقت نفسه رأيتهم يضربون أيضاً الفتى الذي كان يجلس خلفي. لم يضربوا محمد لأنّهم على ما يبدو فهموا منذ البداية أنّه مصاب. بعد أن سيطروا علينا جميعاً وفهموا أنّنا غير مسلّحين وإنّما مجرّد أولاد أخذوا يفتّشون داخل السيّارة. بعد دقائق معدودة وصلت مركبة عسكريّة نقلت محمد المصاب، ثمّ جاءت مركبات عسكريّة أُخرى وانتشرت في المكان".

وذكر تقرير "بتسيلم" أن جنود الاحتلال "احتجزوا الفتية طيلة ساعتين خضعوا خلالهما لتحقيقٍ أجراه شخصٌ عبر الهاتف وآخرون في الموقع بلباس مدنيّ، ومن بين التّهم التي وجّهها المحقّقون محاولة دهس وإلقاء زجاجة حارقة".

وفي إفادة محمود عواودة عمّا حدث بعد ذلك -أدلى بها أمام باحث بتسيلم الميداني إياد حدّاد في 22/ 2/ 2020- قال: لم يتمكّن الجنديّ من المسّ بي لأنّ الصخرة كانت تسدّ الباب في جهتي، فلم يُفتح كلّه. أجبرني على النزول من السيّارة، ففعلتُ ذلك مذعوراً لأنّني خفت أن يقتلوني. رفعت يداي إلى أعلى، ويبدو أنّه لاحظ صغر سنّي فلم يضربني، وإنّما أجلسني جانباً فقط. بعد ذلك رأيتهم يُنزلون محمد وكان يتأوّه من الألم. أخذوه جانباً، وبعد دقائق معدودة جاءت مركبة عسكريّة إسرائيليّة أُخرى، فأدخلوه إليها. بعد ذلك أجلسونا قرب الصّخور عند طرف الشارع بعيدين عدّة أمتار واحداً عن الآخر.

وتابع يقول :"مع مرور الوقت أخذ يصل المزيد من الجنود الى المكان. سألونا من حين إلى آخر عن أسمائنا وإلى أين كنّا ذاهبين ومن أين أتينا. تحدّثوا معنا بالعبريّة وأحياناً بلغة عربيّة "مكسّرة". وقد أجروا تفتيشاً داخل السيّارة أيضاً. كنّا مصدومين، ولم يسأل أيّ جنديّ عن حالنا. لم يقدّموا لنا الإسعاف الأوّلي وحتى لم يهتمّوا إن كنّا قد أُصبنا أم لا. وبعد مضيّ نصف السّاعة أو ساعة حقّق مع كلّ واحدٍ منّا شخص عبر الهاتف عرّف نفسه بأنّه رئيس المخابرات في الضفة. سألنا ما اسمنا وأين نقيم وإلى أين نحن ذاهبون ولأجل ماذا. لقد حدث ذلك ثلاث مرّات. بعد ساعة تقريباً جاء أشخاص بلباس مدنيّ أحدهم ملثّم. الشخص الذي كان وجهه مكشوفاً حقّق معنا على انفراد، ووجّه إلينا الأسئلة نفسها. كنّا نشعر بالبرد وخائفين جدّاً. لم يسمحوا لنا حتى بالاتّصال بأهالينا لكي نخبرهم بما جرى معنا، رغم أنّنا طلبنا منهم".

وأورد تقرير "بتسيلم" إفادة أحمد أبو سمبل (33 عاماً) من سكّان بتّين، وهو متزوّج وأب لابن واحد -أدلى بها أمام باحث بتسيلم الميداني إياد حدّاد في 22/ 2/ 2020: "نزلتُ من السيّارة، وتقدّمتُ من الجنود كي أعرف إن كان العامل الأجير لديّ موجوداً هناك. أشار لي الجنود من بعيد أن أعود فرفعت قميصي ثمّ رفعت يديّ في الهواء كي لا يشتبهوا بي. قلتُ لهم: "هذه السيّارة لي وأُريد التحدّث مع القائد". تقدّم منّي جنديّان وهما يُشهران سلاحيهما نحوي، فيما توجّه الجنديّ الثالث وتحدّث مع القائد الذي كان يقف عند طرف الشارع قرب السيّارة التي اصطدمت بالصّخور. وافق القائد على التحدّث معي. عندما تقدّمتُ نحوه رأيت ثلاثة فتية يجلسون عند طرف الشارع بعيدين عن بعضهم البعض مسافة مترين والجنود يقفون لحراستهم، ورأيت سيف الدّين. عندما مررتُ بجانبه سألتُه كيف حاله فأجابني قائلاً: "ضربوني"، ولكنّنا لم نتمكّن من التحدّث أكثر من ذلك. قال لي إنّ أحد الفتية ويُدعى محمد صرمة قد أُصيب. أنا لا أعرفه شخصيّاً.

وتابع أحمد أبو سمبل يقول في إفادته: "عرّفتُ عن نفسي أمام القائد، وعرّف نفسه بدوره قائلاً إنّه ضابط مخابرات المنطقة. أوضحت له أنّ السيّارة لي وأنّ سيف الدّين يعمل أجيراً عندي في الكراج. قلت له لا بدّ أن يكون سيف قد خاف وارتبك أمام المركبة العسكريّة، فحاول الهروب منها واصطدم بالصّخرة. كان انطباعي أنّ القائد تفهّم ما قلته، فطلبت منه أن يسمح للأولاد بالعودة إلى منازلهم. قال لي "حسناً، ولكن أريد أن ألتقي بك يوم الاثنين صباحاً في عوفر عند السّاعة 10:00". اطمأنّ قلبي بعد أن ناولوني مفاتيح السيّارة، وأخذها سيف وغادر المكان مع بقيّة الأولاد، وعندها عدتُ إلى سيّارتي وغادرتُ الموقع".

وأضاف: "في الواحدة من ظهيرة اليوم التالي اتّصلتُ بسيف، وطلبتُ أن يجلب لي السيّارة، وكنتُ مصدوماً من منظره عندما وصل، فأنا لم أرَه بوضوح في الليلة الفائتة. كان وجهه كلّه متورّماً والكدمات الزرقاء تغطّي جبينه وحول عينه اليسرى. فحصتُ السيّارة أيضاً، فشاهدتُ ثقوب الرّصاص 5 أو 6 ثقوب في المقعد الخلفي من جهة اليمين. من يرى هذا المنظر لن يُصدّق أنّ من جلس في هذا المقعد بقي على قيد الحياة. وكانت هناك ثقوب رصاص أُخرى في غطاء الصندوق الخلفي للسيّارة".

ويتابع محمود عواودة في إفادته قائلاً: "بعد أن تدخّل صاحب الكراج الذي يعمل فيه سيف الدّين وأخلى الجيش سبيلنا عدنا إلى منازلنا. في اليوم التّالي توجّهت إلى المركز الطبّي في القرية، فقالوا لي إنّ إصابتي طفيفة وعقّموا الجُرح. عندما التقيت سيف الدّين كان مصاباً بجروح طفيفة وكدمات في وجهه قرب عينه اليسرى وجبينه ورأسه. أمّا محمد صرمة فقد أخبرني والداه أنّ حالته لا تزال صعبة، وأنّه يرقد للعلاج في مستشفىً في إسرائيل.

ووفق تقرير "بتسيلم"، خضع محمد صرمة لعمليّة جراحيّة في مستشفى "شَعاري تصيدق" في القدس الغربية، وتمكّنت أُسرته من زيارته هناك، ثمّ نُقل في 12/ 3/ 2020 إلى المستشفى الاستشاري في رام الله، ولا يزال هناك قيد العلاج. بعد الحادثة مباشرة، زعم جيش الاحتلال عبر وسائل الإعلام أنّ الجنود الذين كانوا قد نصبوا حاجزاً في منطقة بتّين أطلقوا النّار على فلسطيني حين تقدّم نحوهم بسيّارته وهو يزيد من السّرعة لأنّهم اشتبهوا بمحاولة عمليّة دهس.