الترجيح الأكبر هو أن نتائج انتخابات الكنيست، التي ستجري غدا الإثنين، والثالثة خلال أقل من سنة، هو أنها ستقود إلى انتخابات رابعة، ستجري بعد عدة أشهر. إلا أن هذا لا يلغي مفاجآت محتملة، تقود إلى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. وفي هذه الحالة، فإن الواقع بحسب الاستطلاعات، وخاصة في الأسبوعين الأخيرين، يدل على أنه سيشكل هذه الحكومة شخص واحد فقط، وهو زعيم حزب الليكود واليمين، بنيامين نتنياهو.
ولا يوجد أي احتمال لأن يشكل رئيس كتلة "كاحول لافان"، بيني غانتس، حكومة وذلك لعدة أسباب، أولها أن معسكره، الذي يضم "كاحول لافان" وتحالف "العمل – غيشر – ميرتس"، يمكن أن يحصل على 44 مقعدا في الكنيست في أفضل الأحوال. والسبب الثاني، وربما الأهم، هو أن أيا من أحزاب معسكر نتنياهو، اليمين المتطرف والحريديين، يرفض المشاركة في ائتلاف يقوده غانتس، ليس بسبب عداء للأخير، وإنما بسبب كراهية شديدة لحزب "ييش عتيد" ورئيسه يائير لبيد، الذي يعتبره الحريديون عدوهم اللدود الذي يسعى، بنظرهم، إلى كسر شوكتهم.
ويبدو أن هناك محادثات واتصالات بين "كاحول لافان" ورئيس حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان، حول وضع سيناريوهات لاحتمال تشكيل غانتس الحكومة. لكنها في الحقيقة سيناريوهات جوفاء، لأن ائتلافا كهذا لن يتجاوز 50 مقعدا، كما أن القائمة المشتركة أعلنت أنها لن توصي أمام الرئيس الإسرائيلي بتكليف غانتس إذا كان ليبرمان سيشارك في حكومته، ولن تدعم حكومة كهذه "من الخارج" لدى التصويت عليها في الكنيست.
حكومة برئاسة غانتس لن تتشكل إلا إذا تراجعت القائمة المشتركة عن إعلانها هذا، وبذلك يمكن أن تفقد شرعيتها بنظر الكثيرين من الناخبين العرب، في الانتخابات الرابعة، خاصة وأن حكومة كهذه، تضم أقل من نصف أعضاء الكنيست، لن تعيش أكثر من أشهر قليلة جدا، ستشن خلالها عمليات عدوانية ضد الفلسطينيين، كما أن المعارضة، اليمينية في هذه الحالة، ستستغل أول فرصة سانحة لإسقاطها.
"مفاجأة آذار"
ارتفعت قوة معسكر نتنياهو في استطلاعات الأسبوعين الأخيرين. وأشار المحلل في صحيفة "هآرتس"، أمنون هراري، اليوم الأحد، إلى أن ذلك يعني انتقال ناخبين من معسكر غانتس إلى معسكر نتنياهو. "بالإمكان ومن الصواب عزو هذه التغييرات لأحداث حصلت في الواقع، مثل التحقيقات ضد شركة البُعد الخامس (التي كان يرأسها غانتس)؛ تصريحات ضعيفة أطلقها غانتس خلال مقابلات؛ تكثيف الليكود لنشاطه الميداني. كل هذا بإمكانه تفسير الانجراف نحو اليمين. لكن خلال هذه المعركة الانتخابية حصلت أحداثا أهم، "صفقة القرن" مثلا، ولم تغير خريطة النواب. وربما السبب هو ليس ماذا حدث فقط، وإنما متى حدث".
واستبعد هراري حدوث تغييرات أخرى في توازن القوى بين المعسكرين حتى يوم الانتخابات، غدا. "ينهي الليكود هذه المعركة الانتخابية بوضع أفضل مما بدأها، ولكن بوضع يكاد يكون مطابقا للاستطلاعات الأخيرة التي سبقت انتخابات أيلول/سبتمبر، ومن الناحية الجوهرية في الوضع نفسه التي أظهرتها نتائج تلك الانتخابات. ورغم أن قوة كتلة اليمين ارتفعت من 55 – 56 عضو كنيست إلى 56 – 58 عضوا، في الأسبوعين الأخيرين، لكن هذا لا يشير إلى اختلاف جوهري، لأنه لا توجد لبنيامين نتنياهو حكومة مدعومة من 61 عضو كنيست، كما لا تزال أغلبية الكنيست تعارض المصادقة على حكومة جديدة برئاسته. ومن الجهة الأخرى، ارتفعت قوة الليكود قليلا، وخصوصا أن اليمين يمسك بالأمر الأهم بعد وقف نشر الاستطلاع، وهو الزخم".
واستدرك هراري أنه رغم هذا "الزخم"، إلا أن "الوصول من 56 – 58 إلى 61 ليس بالأمر البسيط"، لأن "احتمال زيادة قوة اليمين قد استنفذ". وبحسبه، فإن ليبرمان أيضا خسر ناخبين لصالح الليكود، إلا أن "الجولات الانتخابية في العقد الأخير أثبتت أن قاعدة يسرائيل بيتنا مخلصة ومستقرة عند خمسة أعضاء كنيست، التي حصل عليها في انتخابات نيسان/أبريل. ولا يمكن المس بهم. وهكذا أيضا بالنسبة لكاحول لافان: أعضاء الكنيست اليمينيين فيها، انتهوا في الأسابيع الأخيرة. ورغم أن الليكود سحب بنجاح ناخبين من غانتس وليبرمان، لكن ليس مؤكدا أن هناك ناخبين آخرين يمكن جذبهم".
واعتبر هراري أنه ينبغي أخذ "مفاجآت آذار" يخطط لها نتنياهو بالحسبان، مثل انسحاب حزب "عوتسما يهوديت" الفاشي، برئاسة إيتمار بن غفير، من سباق الانتخابات، وأن "يرفع عضوا الكنيست اللذين يمكن أن يحصل عليهما قوة كتلة اليمين بعضو واحد ليس أكثر، أو إذا نجح في نشر معلومات سلبية هامة ضد غانتس. ورغم ذلك، الوصول إلى 61 عضو كنيست ليس بسيطا، حتى بوجود الزخم".
وتتركز حملة نتنياهو حاليا على إقناع ناخبين محتملين لليكود على المشاركة في التصويت، بعدما امتنعوا عن التصويت في جولتي الانتخابات السابقتين، ويقدر عددهم بـ200 ألف ناخب. واعتبر هراري أن معسكر غانتس بإمكانه أن يواجه ذلك بخروج ناخبي معسكره إلى التصويت لأحد أحزاب هذا المعسكر، "وإذا حدث هذا، فإن طريق نتنياهو إلى الـ61 عضو كنيست ستبدو غير معقولة بتاتا".
"ارتداع من انتخابات رابعة"
رأى المحلل الاقتصادي – السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفِر بلوتسكير، اليوم، أن "الارتداع من جولة انتخابات رابعة ستحسم نتائج جولة الانتخابات الثالثة. وقد أدرك نتنياهو ذلك، وركز حملته في الأسابيع الأخيرة على مقولة رياضية واحدة: لا مفر أمام الناخب الذي يريد حكومة دائمة وليس حكومة انتقالية مؤقتة أخرى سوى بمنح صوته لليكود، لأنه يوجد احتمال حقيقي لليكود فقط بتشكيل حكومة كهذه. وإذا ليس لليكود، فلأحزاب يمينية أخرى".
وأضاف بلوتسكير أن "توزيعة الخريطة السياسية – الحزبية تدعم هذه المقولة. ويوجد لتماسك أحزاب اليمين القومي والحريديين احتمال معقول بالحصوص على 56 – 51 عضو كنيست، ولحزب الوسط كاحول لافان سوية مع ما تبقى من كتلة اليسار احتمال بالحصول على 41 – 43 عضو كنيست. وليبرمان أعلن أنه لن ينضم إلى حكومة برئاسة غانتس، إذا كانت مدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر من القائمة المشتركة. والأخيرة هي مخلوق هجين يوحد اليسار العربي الشيوعي مع إسلام عربي رجعي، ورسائلها تعاني بشدة من هذا التناقض الداخلي، الذي يضعف جدا قوة جذب ناخبي يسار يهودي معتدل".
وأضاف أنه "حتى لو تشكلت بأعجوبة حكومة تعتمد على دعم القائمة المشتركة ويسرائيل بيتينو، فإنها لن تصمد أكثر من أشهر معدودة. ثم انتخابات مرة أخرى. وهذا ليس بديلا حقيقيا للإسرائيلي الذي يكره مخاطر انتخابات أخرى".
ولفت بلوتسكير إلى أنه "وصلنا إلى وضع لا تجري فيه الانتخابات من أجل الأمن، الاقتصاد، المجتمع ولا على جهاز القضاء. هذه الانتخابات تجري من أجل منع انتخابات أخرى. ولأن القانون الإسرائيلي يسمح باستمرار ولاية نتنياهو كرئيس حكومة حتى انتهاء كافة إجراءات محاكمته، ولأن نتنياهو نفسه تعهد بألا يتنحى قبل ذلك، فإن إدارة مخاطر مدروسة تقود إلى الاستنتاج بأن التصويت لليكود يضاهي التصويت لاستقرار حكومة في المستقبل، وهذا ادعاء يعتبره جمهور ناخبين واسع أنه صحيح، من دون الحاجة إلى تحليل إحصائيات معقد".
وحسب بلوتسكير، فإن لانتشار فيروس كورونا المستجد تأثير على هذه الانتخابات. "سيواجه الذين ينتقدون نتنياهو صعوبة في استيعاب ذلك، لكن أداءه في هذه الأزمة منحه نقاطا هامة، فيما قادة أحزاب المعارضة صمتوا. وهذا غباء انتخابي".
وعزا بلوتسكير أداء معسكر غانتس إلى أن "الموضوع الوحيد والحصري في أجندة كاحول لافان هو محاكمة نتنياهو، فساد نتنياهو وما يسمى بـ’الحفاظ على سلطة القانون’. وفي لافتات الدعاية الانتخابية الأخيرة، دعت كاحول لافان إلى عدم التصويت لنتنياهو لأنه سيتصرف في ولايته المقبلة مثل الرئيس التركي إردوغان. وبنظر الكثيرين من الإسرائيليين، هذه ليست لعنة وإنما أمل. الأمل بزعيم يحمل حلم العظمة، يبني البنى التحتية، لا يتردد بإرسال الجيش ويحرص على الكرامة القومية، حتى لو لم يكن ديمقراطيا ليبراليا. وبالأساس ألا يقود الشعب المتعب إلى جولة انتخابات أخرى".