قال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي إن "صفقة القرن" ستؤدي في حال تمريرها، إلى تصفية الحقوق الفلسطينية المشروعة، وتدمير الأسس التي قامت عليها عملية السلام، وتؤسس لتبني وجهة نظر الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري وروايته المنحرفة حول الصراع، علاوة على زعزعة وانتهاك مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لهذا ترفضها دولة فلسطين.
وتابع، في كلمته خلال الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، على مستوى وزراء الخارجية في مقرها بمدينة جدة السعودية، لبحث مواجهة "صفقة القرن"، اليوم الاثنين، أن "مشكلة الصفقة لا تكمن في تفاصيلها فقط، إنما في المفاهيم والفرضية التي بنيت عليها والعقلية المتعصبة والعنصرية التي أعدتها. وهذا هو السبب في أن تفاصيلها خطيرة للغاية، وتم عرضها بهذا الشكل المضلل على أنها صفقة سلام بالاعتماد على مفهوم ترمب المفضل، والمتمثل باستخدام ما يطلق عليه بحقائق بديلة".
وتساءل، لماذا يجب رفض "الصفقة"، لأن "الصفقات تعقد بين طرفين راغبين، وهذا الصفقة تمت بين إدارة الرئيس ترمب والحكومة الإسرائيلية ولم يكن للجانب الفلسطيني أي شأن بها. ولا يمكن تسمية هذه الصفقة بخطة سلام، حيث إن الفلسطينيين ليسوا جزءا منها وهي تقضي على كل فرص السلام، وهي خطوة أحادية ولا يمكن القبول بأي إجراء أحادي".
وأضاف أن "الصفقة" تتحيز بشكل كامل للجانب الإسرائيلي، وتتبنى روايته وتقضي على آمال الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، المتواصلة جغرافيا والقابلة للحياة، وتحجب عنه حقه غير القابل للتصرف وتسلب منه حقه في السيادة، كما تلغي ما هو قانوني، وهو حق الشعب الفلسطيني حسب القانون الدولي، وتتبنى ما هو غير قانوني، المستوطنات، وتشرع إجراءات الضم الإسرائيلية".
وتابع أن "الصفقة" تفرض على الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، والقبول بالقدس غير المجزأة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وتلغي القدس كعاصمة لدولة فلسطين، وتعطي إسرائيل السيطرة الكاملة على مقدرات دولة فلسطين على حدودها، وعلى أمنها، مع استمرار الاقتحامات الاسرائيلية لأراضي تلك الدولة، وتسمح لإسرائيل بالضم غير القانوني للأرض الفلسطينية، وتمنع دولة فلسطين من كل عناصر السيادة تحت حجة الأمن، كما تلغي تلك "الصفقة" أي التزام بالقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وتؤسس لنظام جديد يعتمد على القوة".
وتابع في إجابته على سؤال لماذا يجب رفض "الصفقة"، لأن "الصفقة لا تشير إلى الاحتلال على الإطلاق بل تروج له، وتعيد صياغته وعرضه تحت مسمى "الصفقة" عبر الضم، والأمن، وتبقي مدينة القدس موحدة عاصمة لإسرائيل، وتطلب من الفلسطينيين الاعتراف بها كعاصمة لدولة إسرائيل، وتحدد للجانب الفلسطيني عاصمة جديدة، خارج حدود عاصمتهم المحتلة، وتسمح لأتباع الديانة اليهودية بالصلاة في السمجد الأقصى، وتقسم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، رغم أن هذا المسجد مكان ديني إسلامي خالص، وتعمل على تشريع تقسيمه عبر القوة".
كما تشرع "الصفقة" الاستيطان وتسمح بضم غور الأردن وشمال البحر الميت والكتل الاستيطانية إلى دولة إسرائيل، مما يمثل ما بين 30 الى 40 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، رغم أن الضم هو انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، واجراء غير قانوني، ينتهك أساسيات القانون الدولي، وتبقي البؤر الاستيطانية الموجودة في عمق الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، وتربطها بشبكة طرق خاصة مع دولة إسرائيل.
وأكد المالكي أن "الصفقة تعطي دولة إسرائيل السيطرة الأمنية المطلقة على أراضي دولة فلسطين، على أجوائها، وعلى نطاقها الالكترومغنطيسي، وتسمح لإسرائيل باقتحام أراضي دولة فلسطين وقتما ارتأت ضرورة لذلك، وتعطي لإسرائيل السيطرة المطلقة على المعابر الحدودية مع المملكة الأردنية الهاشمية، وتوفر طريقين خاصين لاستعمالهما من قبل المواطنين في دولة فلسطين للانتقال الى تلك المعابر لكن بسيطرة وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة، وتفرض علينا أن ننزع سلاح حماس والجهاد، وأن نضمن أن تكون غزة منزوعة السلاح".
وبين أن "الصفقة تجبر دولة فلسطين على أن تكون منزوعة السلاح بالكامل، ودولة إسرائيل هي التي تحدد شكل التسلح الممكن في دولة فلسطين، وتعطي لإسرائيل الحق في اقتحام أراضي دولة فلسطين كلما ارتأت أن فلسطين تخل بواجباتها والتزاماتها حيال هذه النقطة، وتعطي إسرائيل السيادة على الحدود المائية لدولة فلسطين، ولا تفرض على إسرائيل أية شروط للتنفيذ، وكل الشروط التعجيزية تفرض على دولة فلسطين، وتعطي التطبيق الفوري لإسرائيل بينما على الفلسطينيين الانتظار أربع إلى خمس سنوات حتى تقبل إسرائيل بما تم تنفيذه من التزامات من الجانب الفلسطيني، فإسرائيل هي الحكم الوحيد بالنسبة لمدى التزمنا كدولة فلسطين وتطبيقنا لشروطها التعجيزية، فهي تقرر اذا استحقينا ماذا، ومتى أم لا".
وتطرق المالكي إلى موضوع القدس في "الصفقة"، "فهو موضوع في غاية الأهمية، حيث تعطى القدس كمدينة غير مقسمة أبدية عاصمة لإسرائيل، بينما ليس من حقنا أن نقيم عاصمتنا فيها، وإنما فقط خارجها، وتعتدي على المسجد الأقصى من خلال تغيير وضعه التاريخي القائم والتقسيم، وإنهاء اعتباره مكانا مقدسا إسلاميا خالصا بالادعاء بحق تابعي كل الديانات وتحديدا الديانة اليهودية بالصلاة فيه. ويصبح التقاسم عمليا قائما من خلال منع المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى كما يحدث ضمن أوقات مخصصة لليهود وفي أعيادهم".
وبين المالكي أن "الصفقة" تستند إلى أساس أيديولوجي أصولي مطلق، ينظر إلى إسرائيل إلى أنها المالك الشرعي لجميع الأراضي من نهر الأردن إلى البحر، وتتبنى الرواية الصهيونية بالكامل وتتنكر للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وتبني على وجهة النظر العنصرية القائلة بأن الفلسطينيين هم بطبيعتهم عنيفين وعدائيين يتعين عليهم أن يثبتوا دوما حسن نواياهم، وأن يؤكدوا مراراً وتكراراً أنهم قد استسلموا للشروط والإملاءات الإسرائيلية، وتطلب من الفلسطينيين (ومعهم الأمة الإسلامية) الاستسلام لضم إسرائيل غير الشرعي لمدينة القدس المقدسة إلى جانب الخضوع لإملاءات اليمين الإسرائيلي المتطرف، التي تتنكر أساساً للحقوق التاريخية وحقوق الإنسان والحقوق الوطنية المعترف بها للشعب الفلسطيني.
وشدد على أن "الصفقة تدعو أيضاً إلى التطهير العرقي واقتلاع وترحيل ما يقرب من 300.000 مواطن في إسرائيل من أصول فلسطينية، وهم أصحاب الارض الأصليين الذين رفضوا التهجير أثناء نكبة شعبنا في العام 1948. وهذا أمر شائن وخطير للغاية، ويمثل خدمة لأجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف، والمتمثلة في الحفاظ على الأغلبية الديموغرافية، مع التأكيد على مبدأ أن المواطنين اليهود فقط هم الذين لهم الحق في تقرير المصير في إسرائيل. إنها ترجمة لقانون القومية الأساس المتطرف والعنصري الذي تبناه الكنيست في العام 2018، والذي حذر منه الجميع بما في ذلك لجنة القضاء على جميع اشكال التمييز العنصري".
وبين أن "الصفقة تخنق فرص التنمية الاقتصادية في فلسطين، وتتحدث عن الحوافز الاقتصادية وعن 50 مليار دولار لتحسين حياتنا، منها 27 مليار تأتي إلى فلسطين، وأقل ما يقال عن ذلك إنها دعابة وقحة. فوفقاً للتقديرات المتحفظة، يكلف الاحتلال الإسرائيلي الاقتصاد الفلسطيني قرابة 98? من إجمالي الناتج المحلي كل عام. وأي عاقل يستنتج أن الطريقة الأقصر والأسرع والأكثر ضماناً لدعم الاقتصاد الفلسطيني ليس في الخمسين مليار دولار وإنما بإنهاء السبب الأساسي لمشاكله، وهو الاحتلال الإسرائيلي".
واستدرك أن "الفلسطينيين لا يفتقرون إلى الخبرة أو الطاقة أو الإبداع أو الأفكار لإنشاء اقتصاد مزدهر وقوي. وبالمناسبة، هذا هو السبب في أن الغالبية العظمى من البلدان قد رفضت التعاطي مع الخطة الاقتصادية الطفولية التي اطلقها كوشنير في المنامة - البحرين. ففي ظل الاحتلال والقيود والتهديد المستمر باستخدام العنف والحصار، فإن الاستثمار في خطط كبرى دون وجود سياق سياسي ورؤية سياسية واضحة ببساطة لن تفضي إلى نتيجة".
وقال إن "الصفقة لا تعترف بالشعب الفلسطيني كأمة، بل تتنكر لهويتنا الوطنية وتتجاهل حقوقنا المعترف بها دولياً والمعتمدة بموجب القرارات الدولية، بما فيها حق اللاجئين بالعودة. لهذا السبب تجاهُل مثل هذه القضايا المركزية مثل حق اللاجئين الفلسطينيين وتقديم بدلاً من ذلك وجهة نظر مفادها أن مجرد الوعد بتخفيف القيود المجحفة المفروضة على الفلسطينيين هو نعمة يجب أن نكون شاكرين لها".
وأكد أنها "مجرد محاولة من مجموعة من الإيديولوجيين الذين يسعون لإضفاء الشرعية على جرائم الحرب، وقبول استبدال نصوص القانون الدولي بالتفسير الضيق لبعض النصوص الدينية التي تخدم الاستعمار الصهيوني لأرضنا، إذ تعمل على تطبيع بعض أخطر الانتهاكات لأسس القانون الدولي، ما نسميه القواعد القطعية للقانون الدولي. إنها فرصة لإشعال الصراعات وزرع بذور الفوضى في العالم. وإقرار أو دعم هذه الصفقة أمر متهور إذ سيؤدي ذلك إلى تطبيع العدوان كقاعدة جديدة للحكم في السياسة الدولية وسيقوض كل المؤسسات الدولية ذات الصلة".
وشدد على أن "شعبنا قدم تنازلات كبيرة من أجل ان يحيا بسلام، فقبل ولادة أي عملية سياسية، قبلنا بممارسة حقنا في تقرير المصير على 22? من فلسطين التاريخية واستخدام الشرعية الدولية، التي أجحفت بحقنا وقسمت أراضينا وشردت شعبنا، كمرجع لاتفاق سلام. ومنذ توقيع اتفاقات أوسلو، بذلنا قصارى جهدنا لتقديم خطط ومواقف تعزز وتبرز هذا الموقف. لم نخجل من التفاوض بحسن نية. لم نرفض أي خطط عملية لأن أي منها لم يقدم لنا. ومع ذلك انخرطنا بشكل إيجابي وبجدية في المفاوضات تلو المفاوضات، لكن جشع نتنياهو وحلفائه من اليمين الاستعماري العنصري المتطرف للسيطرة على أرضنا، إدى الى تجاهل اي تقدم محرز مع الحكومات السابقة ورفض استئناف المفاوضات ووضع اللاءات تلو اللاءات على حل الدولتين والمرجعيات الدولية في هذا الإطار، وغيرها من حقوقنا المشروعة".
واستدرك، "مع كل ذلك أكدنا ونؤكد استعدادنا الدائم لإطلاق عملية سياسية جادة وذات مصداقية تقوم على اساس المرجعيات القانونية والسياسية المعروفة والمجمع عليها دوليا، وفق المبادرة التي قدمها الرئيس محمود عباس أمام مجلس الأمن، في شباط/فبراير 2018، على أساس جدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال وبمشاركة ورقابة دولية متعددة الاطراف. اي شيء اقل من ذلك سيساهم في اعطاء مزيد من الوقت للاحتلال الاسرائيلي غير الشرعي للتستر بعملية سلام، وأهمية لإنجاز مشروعه الاستعماري على ارضنا".
وطالب الدول الأعضاء برفض هذه "الصفقة" بشكل قاطع، وعدم قبول فرض أجندة الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي الاستعماري، من ضم وإنكار للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة على الشعب الفلسطيني وقيادته، وعدم التعاطي مع هذه "الصفقة" بأي شكل من الاشكال.
ودعا "أمتنا الإسلامية إلى مساندتنا ودعمنا في هذه الأيام الحرجة وإبراز دورها في الذود والدفاع عن قضية منظمتنا وأمتنا الأولى، والدفاع عن إسلامية وعروبة المسجد الأقصى المبارك، باتخاذ تدابير جادة وفعالة لحماية متطلبات تحقيق السلام العادل والشامل، وضمان مساءلة الاحتلال عن جرائمه، من خلال اعتماد مسار جاد ومسؤول يتمثل في العمل على رفع تكلفة استمرار هذا الاحتلال غير القانوني وسياساته الاستعمارية من ضم وتهجير، وفي ذات الوقت نمد أيدينا لسلام حقيقي يقوم على أساس العدل والقانون والحقوق وليس على أساس أفكار متطرفة تُنكر حقوق الآخر ووجوده وتطلعاته المشروعة".