المبدأ الفلسطيني الوطني يجب أن يكون لا انتخابات تحت الاحتلال، وكل الجهود يجب توظيفها من أجل التخلص من الاحتلال، ذلك لأنه لا ديمقراطية مع الاحتلال. لكننا ارتكبنا خطأ جسيما عندما قبلنا بإجراء انتخابات بلدية وقروية عام 1972، وكررنا الخطأ عام 1976. وما زلنا حتى الآن متورطين بإعطاء صورة ديمقراطية للاحتلال الصهيوني. كان المفروض أن نكون أكثر استشعارا لأهدافنا دون أن تغرينا مظاهر نفخ منظمة التحرير على أنها الممثل الشرعي والوحيد. حرصت المنظمة على وضعها الاعتباري أكثر مما حرصت على وضع الوطن الفلسطيني، فسارت في درب لم يجد نفعا على المستوى الوطني. حتى أن إجراءها هي والسلطة الفلسطينية للانتخابات لم يكن منتظما ولم يعكس منحى ديمقراطيا حقيقيا. أي أن الشعب الفلسطيني وقع بين عدويين حقيقيين للديمقراطية وهما الاحتلال الصهيوني، ومزاجية المنظمة والسلطة في إجراء الانتخابات في مخالفة واضحة لكل المعايير الفلسطينية المعلنة.
جرت انتخابات للسلطة الفلسطينية عام 1996، وبقيت المناطق المحتلة /67 بدون انتخابات حتى عام 2005 بعد وفاة عرفات. ومنذ ذلك الحين لم تجر انتخابات لإقامة شرعية فلسطينية وفق القوانين الفلسطينية. هناك حديث الآن عن إجراء انتخابات لكنه مقيد بشرط أعلنه عباس وطالبت به حماس وهو السماح لأهل القدس المشاركة في الانتخابات بصورة مباشرة كما هو متوقع في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الغريب أن انتخابات عام 1996 جرت وفق الإرادة الإسرائيلية، وانتخب أهل القدس وفق ما قررته إسرائيل. ولم تشذ انتخابات عام 2005 وانتخابات عام 2006 عن القاعدة الإسرائيلية إذ انتخب أهل القدس عبر البريد وليس عبر أقلام وصناديق انتخابية فلسطينية موجودة في مدينة القدس. فما بدا ما عدا؟ لماذا يضع الفصيلان فتح وحماس الآن شرط إجراء الانتخابات في القدس على الطريقة المطلوبة فلسطينيا؟ كان أمام عباس 13 عاما ليطالب الصهاينة بالسماح لإجراء الانتخابات في القدس مباشرة، لكنه لم يفعل، ولم نسمع منه ما يشير إلى غيرته على القدس وأهل القدس فيما يتعلق بالانتخابات طيلة تلك المدة. حتى أننا لم نسمع منه خطة أو برنامجا أو رؤية حول ماذا يجب أن يصنع الشعب الفلسطيني بعدما نقلت أمريكا سفارتها إلى القدس. لقد زمجر وأرعد وأزبد لكن مسألة نقل السفارة أصبحت منسية إلى حد بعيد. فلماذا تظهر المسألة الآن؟
منذ اليوم الأول الذي اتفقت فيه حماس والسلطة على أنه لا انتخابات بدون مشاركة القدس وفق الممارسات الديمقراطية المرعية قلت صراحة إن الطرفين لا يريدان الانتخابات، وإنهما لا يريدان المغامرة بما يستحوذان عليه. من المعروف أن الصهاينة لن يوافقوا على الطرح الفلسطيني، والجانب الفلسطيني لم يقم بأي عمل ولم ينفذ أي خطة لإجراء انتخابات مقدسية مقبولة من الناحية الديمقراطية. أي أنه تم دق مسمار من شأنه التغطية على عدم إجراء انتخابات بمنطق وجدلية وطنية. إنه استعمال للقدس للهروب من الانتخابات وليس حرصا على أهل المدينة المقدسة والقيم الوطنية.
ومن يريد أن يتمثل بالمثل والقيم الوطنية كان عليه بداية ألا يوقع على اتفاقيات مع الكيان الصهيوني يسيطر هو على تفسيرها من حيث أنه هو الأقوى. كان يجب أن تظهر الوطنية والقيم الوطنية والأخلاق الوطنية قبل التوقيع على الاتفاقيات وليس بعد 26 عاما من التوقيع. الالتزام الوطني لا يظهر بعد توريط الشعب الفلسطيني وإنما كان يجب أن يكون التزاما مبدئيا مسبقا غير خاضع للمساومات والانحرافات.
كتب أحد الكتاب الصهاينة أن إسرائيل هي التي أوحت لقيادة السلطة الفلسطينية غير الشرعية باشتراط انتخابات عادية في مدينة القدس لكي تجري الانتخابات، وإلا لا انتخابات. وذلك بهدف عدم إجراء انتخابات لأن إسرائيل سترفض المطالب الفلسطينية. وهكذا يبدو عباس ديمقراطيا على الرغم من سيطرته على السلطة بوجه غير شرعي، وفي ذات الوقت يبقى في مكانه بتبرير وطني. والله أعلم. أنا لا أعلم فيما إذا كان هذا صحيحا أم لا، لكنني أدرك أن الصهاينة والأمريكيين والزمرة الحاكمة لا تريد انتخابات لأنها قد تخسر الشيء الكثير. الصهاينة والأمريكيون لا يريدون الانتخابات خشية خسارة عباس ومن معه مما يستدعي تغيير المعادلات السياسية في الأرض المحتلة/67، وعباس ومن معه لا يريدون الانتخابات لأنهم قد يفقدون امتيازاتهم ومصالحهم ويعرضون أنفسهم للاستجوابات والتحقيقات والعقاب على ما اقترفوه من أعمال ضد الشعب الفلسطيني. الأسلم لكل القوى الداخلية والخارجية غير المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني ألا تجري انتخابات.
وبعد أن كانت القدس رمزا وطنيا فلسطينيا مقدسا، وعاصمة أبدية للشعب الفلسطيني، تحولت الآن إلى مجرد أداة انتخابية مقدسة تستخدم لخدمة مصالح خاصة لعناصر داخلية ولأعداء الله والأمة والشعب ولتبرير الاستمرار في الانهيار الوطني.
كفانا دجلا. وكان على الذي رفع شعار قدسية القدس ألا يوقع على إبقاء القدس في العراء.
كاتب واكاديمي فلسطيني