العلاقة ما بين اغتيال سليماني، التكنولوجيا ومراكز الابحاث المخابراتية

الإثنين 06 يناير 2020 12:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
العلاقة ما بين اغتيال سليماني، التكنولوجيا ومراكز الابحاث المخابراتية



بقلم ..د. مكرم خوري مخول

من يتابع باستمرار ويحلل بالتحديد المادة المنشورة عن الصراع المستمر بين الاذرع العسكرية الاسرائيلية وتلك المتصدية لها في دول جبهة المقاومة ، سيدرك ان اغتيال قاسم سليماني كان مسألة وقت وأنه هو ‘تطور طبيعي’ للمخططات الإسرامريكية. فقبل اربع سنوات واسبوعين (أي في ٢٠ ديسمبر ٢٠١٥) نشرموقع ‘يديعوت احرونوت’ بالعبرية تقريرا تحت عنوان :’المغتالون والقادمون بالدور’… حيث وضعت عبارة: ‘تمت تصفيتهم’ تحت صور لـ: عماد مغنية وسمير قنطار وجهاد مغنية. ومن جهة اخرى وضعت أشارة ‘تحت القنص’ ( القادمون بالدور) فوق صور لـ: مصطفى مغنية ومصطفى بدرالدين ومحمد ضيف وقاسم سليماني.

 تقرير ‘يديعوت احرونوت’ يبرز التعاون المعلوماتي ما بين الاجهزة العسكرية الاسرائيلية ومواقع الابحاث المخابراتية وكيف ان الاخيرة تتلقط كل كلمة تنشر (عن اي موضوع كان) ومحتوى يتم بثه في الاعلام العربي، بما في ذلك المؤيد للمقاومة في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق بالتحديد.
فعلى سبيل المثال يشير التقرير الى قيام مراكز الابحاث بجمع المعلومات الاجتماعية والسياسية والامنية حول شخصيات المقاومة من الصف الاول وذلك من الصحافة العربية وكيف ان تلك المصادر المفتوحة تساعد في تشكيل خيوط تنسج وفقا لها مخططات التصفية.
احدى الحالات التي يشير اليها التقرير هي المادة المهمة التي استقتها الاذرع العسكرية الاسرائيلية والتي وصفت بـ’ المميزة والاستثنائية’ التي كان قد نشرها الصحفي ابراهيم الامين، في صحيفة ‘الاخبار’ اللبنانية، اضافة الى معلومات اخرى كان قد تم التقاطها من اخبار كانت قد نشرت في صحف خليجية. وجاء في البحث المخابراتي الاسرائيلي ان ما نقله ابراهيم الامين عن مقربين (على سبيل المثال) من مصطفى بدرالدين شكل بروفايل مهم لجمع المعلومات.
في تقرير آخر نشر على موقع ‘يديعوت احرونوت’ يوم ٤ كانون الثاني ٢٠٢٠ وذلك ساعات بعد عملية اغتيال سليماني ورفاقه كان قد اعده مركز ابحاث مخابراتي اسرائيلي (اينتلي تايمز) وتناقلت بعض الصحف الاسرائيلية مقتطفات منه ( وذلك لضرورة وجود كلمة سر – عضويةاشتراك لدخوله) اشارت الى عملية جمع معلومات عن قاسم اليماني ونائب رئيس ‘الحشد الشعبي’ العراقي جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم أو الملقب بأسم أبو مهدي المهندس والذي تم اغتياله مع قاسم سليماني.
بعض الاجتهادات في تفسير حالات الاغتيال تتركز حول الاختراقات الامنية البشرية او ما يسمى بـ ‘زرع العملاء’ وعمليات الخيانة والخ. الا ان ما نشر في التقرير المخابراتي الاسرائيلي باللغة العبرية  يروى حكاية سرد جمع المعلومات ‘المفيدة مخابراتيا’ والتي مهدت لعملية الاغتيال من مصادر مفتوحة وليس بالضرورة من ‘عملاء او ‘وجود مدسوسين’.
 يفيد التقرير الى رصد نوع ‘الانتينات’ على سيارة الـ (SUV)  التي كان تستعملها الحشد الشعبي في تنقل سليماني اضافة الى اكتشاف شبكة الهواتف التي تستعملها ‘قوت الحشد الشعبي’ في العراق.  يشار الى ان هذا الاسلوب اعتمد ايضا على التقاط وتحليل محتوى  مقابلة تلفزيونية مصورة مع الراحل ابو مهدي المهندس. جاء في التقرير انه تم التمعن  بمحتويات غرفة مكتبه وطاولة المكتب (التي وردت في فيلم التقرير المصور) التي وضع عليها اجهزة اللاسلكي التي كانت في وضعية شحن وبذلك الكشف عن نوع جهاز اللاسلكي السري الذي يستعمله (وهو وفقا للتقرير من صناعه صينية) وكيف انه بعد ذلك تم العمل على اختراق شبكة اللاسلكي التي استعملت قبل والترصد له في اثناء استقبال ابو مهدي المهندس لقاسم سليماني في ساعة الاغتيال في جوار مطار بغداد الدولي.
المعلومات اعلاه تشير الى مثلث الغليان المتفاعل ما بين ‘الإعلام’ و’الأمن’ و’الحرب النفسية’، وكيف تعمل الاجهزه المختفلة في الطرفين المتصارعين  بعقلية مختلفة والاخطاء التي تحصل وكيفية استغلالها من الطرف الآخر لاحراز التفوق حتى وإن كان على المدى القصير؟!

-الكاتب هو مدير المركز الاوروبي لدراسات التطرف في كيمبريدج – بريطانيا