هل نحن أمام فرصة ؟ عبد المجيد سويلم

الخميس 05 ديسمبر 2019 01:08 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل نحن أمام فرصة ؟ عبد المجيد سويلم



الملفات التي تمت مناقشتها بين جهاز المخابرات المصرية من جهة، وقيادات حركة حماس والجهاد من جهة أخرى، ليست ملفات المصالحة وإنهاء الانقسام، حتى وإن تطرقت هذه «المحادثات» إلى الانتخابات أو عرّجت عليها.
موضوع الساعة كما تؤكد كل المصادر هو «فحص» إمكانية الانتقال من التهدئة إلى الهدنة الكبيرة.
ليس سهلاً أن يتم إبرام ولا حتى بصورة مبدئية أو أولية، مثل هكذا صفقة، وحتى لو أن بعض مقدماتها قد بدأت على الأرض بالفعل، فإن العقبات ما زالت كبيرة، والمواقف ما زالت متباعدة في بنود معينة.
لكن الامر المهم هنا هو ان الملفات التي طرحت على جدول الاعمال هي ملفات هذا التوجه الجديد القديم. وسواء تم في هذه الجولة إحراز التقدم المطلوب او تم ترحيل بعض البنود إلى جولات قادمة سريعة، وخصوصاً بنود «التبادل» وكذلك اطلاق الصواريخ، الا ان معالم الصفقة الرئيسية بعد «تذليل» ما تبقى، أو ما يمكن أن يتبقى من مسألة هنا وأخرى هناك اصبحت محددة المعالم في الجانب الجوهري، وكذلك الرئيسي منها وهي على ما يبدو ستكون وفق التصورات التالية:
• وقف شامل للأعمال العسكرية (العدائية) من قبل الجانبين.
• التنسيق المشترك بالتعاون مع الجهة الوسيطة لمنع التدهور في حالات الاختراق لهذه الهدنة لأي سبب كان.
• والإبقاء على حكم حركة حماس في القطاع، وتعهدها بضبط الأوضاع فيه وفق الاتفاقات المبرمة.
• تحويل «التسهيلات» الى حالة جديدة من الالتزامات الاسرائيلية لفكفكة الحصار بصورة ملحوظة، بما في ذلك الميناء العائم والمطار اضافة الى معابر البضائع والعمال. وكذلك الزيادة الكبيرة في أميال الصيد البحري.
كل ذلك مقابل ان يتم التزام حركة حماس بإبقاء القطاع خارج نطاق ولاية الشرعية الفلسطينية، وبالتالي منع ان يكون القطاع او للقطاع ترتيبات سياسية خارج نطاق هذا الاتفاق.
• الاتفاق على صفقة للتبادل.
• التوافق على الآليات التي تمنع التسلح الجديد، وتنظم وجود وتواجد السلاح الزائد على مهمة الحفاظ على «الأمن العام» في القطاع.
المظهر العام لهكذا صورة وملامح عامة للاتفاق، يبدو وكأنه ليس أكثر من حالة هدوء مقابل هدوء، ومقابل خطوات اجرائية لفكفكة الحصار.
لكن الجوهر الأخطر والأهم في هكذا توجه هو فصل القطاع عملياً، وتجزئة وحدة وشرعية التمثيل، وإخراج القطاع من دائرة الصراع، مقابل بقاء حركة حماس حاكمة ومتحكمة بالقطاع. للمرة الأولى منذ سنوات نرى أن هناك إجماعاً وطنياً غير مسبوق على رفض هذا التوجه، والتعبير عن مخاطره الكبيرة، بل والدعوة إلى التراجع عنه، وخصوصاً، التراجع عن «المستشفى الأميركي»، وعن «أوهام» الميناء العائم، وعن الوعود الخاصة بالمعابر والمشاريع والمطار.
وللمرة الأولى تبدأ الفصائل أو غالبتيها الساحقة بالتعبير عن خشيتها ان يكون هذا التوجه بمثابة اختراق أميركي وإسرائيلي، لا يعدو كونه رأس حربة في الخطة الأميركية التي تسمى «صفقة القرن».
وللمرة الأولى منذ الانقلاب وحتى يومنا هذا بدأت القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل تتحدث عن «صفقة» كبيرة، وعن هدنة طويلة، بل وصلت الأمور إلى المجاهرة بضرورة إعطاء تسهيلات كبيرة، وذلك بالنظر إلى موقف حركة حماس من الالتزام التام بعدم الرد اثناء وبعد اغتيال القائد الجهادي أبو العطا، وبالنظر إلى تحول حركة حماس إلى عامل «استقرار» في هذا الصراع، كما جاء على لسان رئيس الأركان الإسرائيلي. وهي المرة الأولى التي تصل الى امتداح دورها من أعلى المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل، والتناغم ما بين هذه القيادات والتوافق على تقييم واحد وموحّد، منسجم بل ومتطابق أيضاً.
إذا كانت الأمور كذلك، وهي في أغلب الظن كذلك، فلماذا لا تلتقط القيادة الشرعية هذه الفرصة لترتيب أوضاع المنظمة، والاتفاق على مجابهة موحّدة لهذه الاخطار؟!
أليست هذه فرصة لكي تسترجع المنظمة دورها الفاعل، وقوة تأثير قراراتها من خلال إجراء عملية جذرية من الإصلاح والتفعيل وتجديد الدور والمكانة؟
لم يعد بإمكان أي فصيل وطني حقيقي أن يوافق على انزلاق الحالة في القطاع إلى المساحة الأميركية أو إلى الشرك الإسرائيلي.
ولم يعد بالإمكان تحت أي ظرف من الظروف أن تصمت الفصائل التي تشكل المنظمة، وخصوصاً الكبيرة والفاعلة منها، والتي لها تاريخ نضالي عريق أن تضحي بنفسها وبتراثها وكل دورها ومكانتها لبرامج مشبوهة ومغمغمة، وغير آمنة وطنياً.
لهذا فإن الفرصة اصبحت مواتية لكي تبادر القيادة الشرعية لعقد حوار فاعل بين فصائل المنظمة، لرسم معالم الطريق الجديد، ومواجهة الأخطار تحت علم المنظمة وباسمها ودفاعاً عنها.
وتستطيع القيادة الشرعية أن تستثمر كل هذه التطورات من أجل أن يتحول هذا الحوار إلى منطلق لعملية اصلاح جدية وجذرية لأوضاع المنظمة، ولعملية مراجعة مسؤولة عن كامل المرحلة السابقة، ووضع مرتكزات سياسية وتنظيمية جديدة، خلاقة وتجديدية لمواجهة السياسات الإسرائيلية الأميركية، ولمواجهة محاولات اختراق الخاصرة الوطنية. نحن لسنا أمام مجرد فرصة لاحت عرضاً أو صدفة، وإنما نحن في الواقع أمام تطورات متسارعة قد حولت هذه الفرصة مقدمة طبيعية لإعادة بناء العلاقات الوطنية من جديد، وعلى أرضية وطنية نابعة من صميم الأهداف الوطنية. لا يجدر بنا أبداً هدر هذه الفرصة طالما أننا ليس فقط القادرين على استثمارها، وإنما المحتاجون إليها، وإلى ما يمكن أن توفر لنا من مساحة كبيرة لاستعادة زمام الأمور في الساحة الوطنية، وإعادة توجيه الدفة وفق مصالحنا الوطنية العليا.