ينسب إلى النائب البريطاني تشارلز تانوك قوله “لقد آن الأوان أن نصحح أخطاء سايكس بيكو، من حق الأكراد تأسيس دولتهم”، والدولة المزعومة وفق تانوك ستقام أساسا على أرض العراق الجريح رغم توزع الأكراد على خمس دول تأتي على رأسها تركيا وإيران بينما يتوزع الباقي بين سوريا وأرمينيا، لكن تانوك الذي حملت جيناته خصلة منح ما لا يملك لمن لا يستحق لا يرى في غير أرض العرب موطنا موعودا للشعب الكردي، ونحن هنا حين نستخدم عبارة “لا يستحق” لا نرمي بذلك إلى تشبيه الكرد بالعابرين الذين إستوطنوا فلسطين فالأكراد على عكس الصهاينة هم أبناء هذه الأرض ولهم فيها من الحقوق ما لبقية الشعوب لكن الغرب الذي يضع الورقة الكردية على الطاولة متى إحتاجها يدفع بهذا الشعب إلى أن يتحول إلى ما يشبه حصان طروادة يخفي في جوفه أجندات يهدف أصحابها إلى إنهاك المنطقة في حروب لا تنتهي.
الدولة الكردية وفق التوزع الجغرافي للكرد يجب أن تكون على حساب أجزاء كبرى من تركيا وإيران، ونعتقد أن حدوث هذا الأمر في ظل تنامي قوة البلدين هو ضرب من الخيال، أما الجنوح إلى خيار الوطن البديل في سوريا والعراق فسيصطدم بالكثافة السكانية للعشائر الكردية التي تتحدث بعض الأرقام عن أنها تعد أكثر من ثلاثين مليون مواطن محتمل، فلماذا الحديث عن “تصحيح اخطاء سايكس بيكو” وهل لهذا الثنائي خطيئة أعظم من زرع الكيان الشيطاني في قلب الأمة وتفتيتها وإحتلالها ونهبها؟ وكيف غاب عن تانوك أن يتصفح كتاب مارك سايكس عن الأكراد “القبائل الكردية في الإمبراطورية العثمانية” وهو أشبه بدراسة أنثروبولوجية تمهد الطريق أمام تنفيذ السياسات الإستعمارية خلص كاتبها إلى أن الشعب الكردي هو شعوب مختلفة بعضها فارسي وبعضها عربي وأن الوعي السياسي لم يكن قد تشكل بعد في تلك المناطق على خلاف المنطقة العربية التي إنتشرت فيها الجمعيات العربية ك”القحطانية” و”العهد” و”العربية الفتاة” التي سعى مؤسسوها إلى إنتزاع وطن قومي عربي من براثن المتطاحنين الكبار.
الكرد ورقة يلعبها الأمريكان وأذنابهم من ساسة بريطانيا وعموم أوروبا لإضفاء طابع إنساني على تدخلهم في المنطقة العربية، فإذا ما إنتهت اللعبة رموا بالورقة في الأتون الذي أشعلوه، هو مشهد لاكه التاريخ حتى سئمه، يتكرر من العراق إلى سوريا وتركيا لكن الأكراد أو ساستهم تحديدا يتعمدون الوقوع في الجب ذاته جيلا بعد جيل، وأكاد أجزم هنا أنهم بهذه الخطيئة المتكررة وهذا السقوط المستمر في الحفرة ذاتها يثبتون أن الدماء التي تجري في عروقهم قريبة من دمائنا العربية وأن عبد البر في كتابه “القصد والأمم” لم يكن قد جانب الصواب حين إنتهى إلى أن الكرد عرب قدامى. وأيا كانت أصول هذه الأمة فإنها باتت لعبة بين الأمم، فمن أراد ضرب العراق وإنهاء نهضته تحدث عن معاناة الكرد و”الجرائم” المزعومة التي تعرضوا لها، ومن هدد بتقسيم سوريا تحدث عن حكم ذاتي في الحسكة يمهد لإنفصالها، أما إذا ما إنتفت الحاجة إلى هذه التعلة تُمنح تركيا الضوء الأخضر لإعادة الأمور إلى وضعها الأول، وتركيا التي باتت تملك في جعبتها أكثر من ورقة تمكنها من السير على حافة البئر دون خطر الوقوع فيه يبدو أنها لجأت مؤخرا إلى مقايضة رأس تنظيم الدولة الإسلامية بالأكراد فمكنت الأمريكان من صيدهم الثمين مقابل السماح لها بنسف إمبراطورية الرمال التي توهم الأكراد أنهم أنشؤوها تحت حراب الأمريكان، فمع الصمت المريب لقوات المارينز إثر توغل الجيش التركي قريبا من مناطقهم في سوريا لملاحقة الأكراد ومع التجاهل الروسي والتهديدات السورية الجوفاء كان من الجلي أن صفقة ما تطبخ في الأروقة المظلمة بين اللاعبين الأساسيين في هذه الساحة تهدف إلى إخراج الجميع بثوب البطل، تركيا تجهز مرة أخرى على أحلام اليقظة للأكراد والأمريكان يعودون برأس البغدادي موهمين مواطنيهم انهم حققوا إنجازا عظيما وفاتهم أن الرجل قد إنتهى فعليا منذ سنوات وأنه ببقائه على قيد الحياة حتى هذه اللحظة يكون قد تجاوز زمنه وتخلف عن ركب رفاقه الذين سبقوه مع إنهيار مشروعهم، لم يكن البغدادي بعيدا عن أنظار الإستخبارات التركية كما لم يكن وهو في أوج قوته شديد العداء للأتراك الذين مثلوا بالنسبة له الرئة التي تنفست بها دولته إقتصاديا بتجارة النفط وعسكريا بعبور المتطوعين.
البغدادي مقابل النفوذ الكردي: إنتهت الصفقة، لكن يقينا ستعود الحاجة إلى القضية الكردية ويعود الحديث مجددا عن معاهدة سيفر لتلقى أمام الأكراد الحالمين بأن يمنحهم الغرب وطنا وهو الخبير في سلب الأوطان لا خلقها.
Benhassen.sofiene@yahoo.fr
كاتب تونسي