تركيا وترامب وحسابات الإقليم في الشمال السوري..عبير بشير

السبت 19 أكتوبر 2019 04:13 م / بتوقيت القدس +2GMT



اختصر الرئيس الراحل جلال الطالباني، المشهد الكردي برمته، عندما قال: لا صديق للأكراد سوى الجبال! أو كما قال الشاعر محمود درويش: ليس للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها، لينجو من صفات الأرض والأشياء.
ومثل جميع بؤساء الأرض، جرب الأكراد جميع الصداقات المحتملة. غير أنهم قوبلوا بكل خذلان، وتبين للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الأكراد لم يقاتلوا مع بلاده، لا في الحرب العالمية الثانية، ولا في معركة النورماندي.
اعتقد الأكراد، في لحظة ما من لحظات التاريخ، أن الدور المحوري الذي لعبوه في التصدي لتنظيم  داعش في العراق وسورية والذي كلفهم آلاف القتلى والجرحى، أعطاهم شرعية لم توفرها لهم معاركهم السابقة، واختصر لهم الطريق نحو إقامة الدولة الكردية. وبدا الكيان التركي الوليد، متكئاً على شرعية مقاومة «داعش» ومروحة علاقات عسكرية واستخباراتية مع أميركا وأوروبا ودول الخليج.
اتضح أن ذلك سراب، فعندما قاموا بإجراء استفتاء حول الانفصال عن الحكومة المركزية في العراق، قام الجيش العراقي باقتحام المدن الكردية، وبضوء أخضر أميركي. ثم ما لبث الرئيس دونالد ترامب، أن طعنهم بالظهر، عندما أعلن العام الماضي، عن نيته سحب القوات الأميركية من الشمال السوري.
ثم جاءت الطعنة النجلاء، عندما قرر ترامب سحب قواته من الشمال السوري، مباشرة، بعد حديث الرئيس التركي عن توجه قواته نحو مناطق النفوذ الكردي، في عملية أطلق عليها «نبع السلام». وقالت أنقرة، إن الهدف من العملية العسكرية هو إعادة توطين نحو أربعة ملايين سوري يقيمون اليوم في تركيا، في تلك المنطقة، بعد تحويلها إلى منطقة آمنة.
اعتبر أردوغان قرار ترامب بسحب الجنود الأميركيين من شمال شرقي سورية استقالة أميركية من مصير المنطقة وتأكيداً على غياب الشرطي الأميركي، وتعهد أردوغان مراراً، باستمرار عملية «نبع السلام» للجيش التركي في مناطق شمال وشرق سورية، مؤكداً على أهدافها وهي إنشاء منطقة آمنة من مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، وصولاً إلى الحدود العراقية.
راهن أردوغان على أن واشنطن لن تنحاز إلى مجموعات وتنظيمات محلية وتغامر بعلاقات قديمة مع الحليف التركي. غير أن المعارضة الأميركية الداخلية الضارية، لقرار ترامب، بالإضافة إلى الإدانة العربية والدولية الواسعة، دفعت أركان إدارة ترامب للتحرك على خط أنقرة، للحد من تفجر الأوضاع في الشمال السوري، ولجم المغامرة العسكرية التركية، التي سيسقط خلالها عشرات الآلاف من المدنيين.
من هنا جاء إعلان نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس من أنقرة، بعد اجتماع متوتر مع الرئيس التركي رجب أردوغان، أنه تم الاتفاق مع تركيا على وقف إطلاق نار شمال شرقي سورية، وعلى أن تعمل الولايات المتحدة على إخراج المقاتلين الأكراد من منطقة عمقها 20 ميلا، وتدمير الأسلحة الثقيلة.
ويبدو أن الاتفاق تم التوصل اليه، بعدما حذر الجانب الأميركي من أن تركيا ستتعرض لمزيد من العقوبات حال عدم وقف إطلاق النار، وأن العقوبات القادمة ستكون أشد مما فرضته واشنطن حتى الآن على وزراء الدفاع والداخلية والطاقة ووزارتي الدفاع والطاقة.
لقد شكل الغزو التركي لشمال سورية لحظة فارقة، وهو كان يعني بأن أنقرة أغلقت الباب أمام محاولة الدخول في الاتحاد الأوروبي. وأن تركيا اكتفت بتهديد أوروبا، بفتح البوابات أمام اللاجئين السوريين المقيمين بصفة مؤقتة في الأراضي التركية، ما لم يوقف الاتحاد الأوروبي انتقاداته القاسية للعملية العسكرية التركية ضد الأكراد في شمال سورية.
وهو يعني أن أنقرة إستحصلت على ضوء أخضر روسي  وإيراني، للبدء بعملياتها العسكرية في الشمال السوري وشرق الفرات،مقابل إدلب.
وبدا أن هناك توافقا بين تركيا من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى، على إنهاء معضلة إدلب من خلال فك شيفرتها العسكرية عبر قضم متدرج لإدلب، واستهداف متدرج للجماعات المسلحة هناك.
 كما أن طهران معنية بإرضاء الحليف التركي في هذه المرحلة، وهي التي يتعرض اقتصادها لعملية خنق منظمة، ولا تجد سوى تركيا كمتنفس لها. وطبعاً، فلطهران مصلحة في ضرب حلم الدولة الكردية في سورية لإجهاض أحلام أكراد إيران.
الجانب التركي أكد أن العملية العسكرية في الشمال السوري تهدف تأمين الحدود التركية ومنع تشكيل ممر إرهابي قرب حدودها الجنوبية وإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم عبر إقامة منطقة أمنة، وأن العملية العسكرية لا تستهدف الأكراد وإنما ذراعهم العسكري -قوات سورية الديمقراطية.
وإذ تبدو الخيارات محدودة أمام اردوغان، وإذ يمكنه إعلان أنه انتزع ما تريده تركيا من إنشاء المنطقة الآمنة، فإن الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عن السؤال: هل كانت حسابات الرئيس التركي دقيقة وصحيحة وهو ينطلق بمغامرته في الشمال السوري؟